منال لاشين تكتب: خطة إنقاذ مصر فى ثلاجة الحكومة

مقالات الرأي



■ باحثون قدموا لـ«الصحة» بديلاً محليًا للمادة الخام للدواء وانتهت الأبحاث فى الأدراج

■ اقتراحات مهملة بتوفير 10 مليارات جنيه فى ملف التعليم وحده


كل من زار الأقصر قبل أن يتولى إدارتها اللواء سمير فرج يدرك حجم الإنجاز والتغيير الذى أحدثه الرجل فى فترة قصيرة جدا من تولى إدارة المدينة، قبل أن تتحول إلى محافظة. وبلغة الأحلام وبابا نويل. يمكن وصف ما فعله بالسحر. وعندما قابلت الدكتور سمير ظل يؤكد أنه يتلقى الدعم والمساندة من جميع أجهزة الدولة. وكان يكرر دوما اسم فايزة أبو النجا وكانت وزيرة التعاون الدولى فى ذلك الوقت. وذلك فى إشارة إلى توفيرها للكثير من المنح لمشروعات الأقصر. قلت له إن التمويل متوافر للكثير من المشروعات ومع ذلك لم نحقق شيئا، وأضفت إننى لا أقصد التمويل بل التفكير. ففجأة خرج سمير فرج بمشروع طريق الكباش. وهو الطريق الذى يعيد الربط بين معبدى الأقصر والكرنك. بالإضافة إلى مشروع الكورنيش ومشروعات صناعية لا تؤثر على البيئة ولا الآثار. فقد أصبحت المدينة فجأة خلية نحل من المشروعات فى كل المجالات.

وكانت المفاجأة الكبرى أن كل ما فعله سمير فرج هو أنه استفاد من مخطط كامل لتطوير المدينة. التخطيط وضعته هيئة التنمية اليابانية بمساهمة مع كل هيئات الدولة. والتخطيط الذى نفذه سمير فرج بتعديلات بسيطة كان بمثابة قبلة الحياة للمدينة الأثرية التى كادت أن تموت.

المثير أن سمير فرج عثر على المخطط المركون فى أدراج الحكومة بشىء من الصدفة. فبعد أن اختير لرئاسة المدينة كان من الطبيعى أن يقرأ كل ما يخص المدينة. ووجد ضمن الدراسات دراسة منسية أو مركونة. وهذه الدراسة لتطوير الأقصر حتى عام 2030. وعندما قرأ الدكتور سمير فرج الدراسة، فوجئ بأن أمامه كنزا، فهيئة التنمية اليابانية مولت دراسة كاملة لتطوير المدينة فى كل المجالات. وهذه الدراسة اشترك فيها أهم العقول فى مصر وفى اليابان. وبعد أن انتهت الدراسة تم إرسالها للمسئولين، ومن المسئولين إلى الأدراج. وكان من الممكن أن تظل الدراسة مركونة فى أدراج الحكومة لولا صدفة اختيار الدكتور سمير فرج لإدارة المدينة. وهى أهم صدفة أو قرار شهدته الأقصر فى الخمسين سنة الأخيرة على الأقل.

وقد كنت أحكى هذه القصة أمام أحد المسئولين قبل ثورة 25 يناير، فرد على باستهتار بصدمة أخرى. فقد قال لى إن الهيئة اليابانية أعدت دراسات مماثلة للمحافظات الأخرى فى مصر. ولكن الدراسات الأخرى لم تجد من يستفيد منها ويبعث فيها الروح.

ولذلك فقد قررت أن أبدا عام 2017 بإحساس إيجابى، وأن أنشر بعض الدراسات والأفكار والاقتراحات التى أتلقاها من قراء وخبراء للخروج من أزمات مصر. وفى كل مرة اسأل الخبير سؤالا هل تواصلت الحكومة فى هذا المشروع أو الفكرة العظيمة. وفى الغالب تكون الإجابة إنه فعل ذلك من سنوات أو أن الفكرة قديمة وقدمها غيره للحكومة وماتت فى الأدراج بالسكتة الإهمالية إذا جاز التعبير. أو فى ثلاجة الحكومة.

فالكثير من مشكلات مصر العاجلة والضاغطة ممكن حلها باقتراحات وأفكار موجودة فى المجتمع، ولكنها لسبب لا أعرفه لا تجد طريقها للتنفيذ. بل إن بعضها استطاع أن يصل لمرحلة المناقشة داخل الحكومة أو البرلمان ثم توقف فجأة واتنسى.


1- علاج لأزمة الدواء

بعد شهر وبداية من فبراير سيتم رفع أسعار نسبة من الأدوية المحلية والمستوردة بنسب تتراوح من 40% إلى 50%. وهذه الزيادة ستزيد الضغط على المواطن المطحون أساسا، ومؤخرا بدأت الحكومة فى إنشاء مصنع أو اثنين للأدوية. وهى خطوة جيدة، ولكنها لن تؤتى ثمارها إلا بعد عامين أو ثلاثة. الاقتراح الذى يقدمه بعض الصيادلة منذ سنوات يخفف الكثير من الضغوط والأزمات.

الاقتراح هو نقل تجارب دول مثل بريطانيا فى تعاطى الدواء. ففى بريطانيا لا يوجد مريض يشترى علبة دواء لأن الدواء يباع بالحبة وليس بالشريط أو العلبة، وحتى الأدوية التى تشرب يتم التعامل معها بالتجزئة. ونحن الآن أحوج ما يكون إلى تجربة بريطانيا. ففى مصر لا نستخدم كل العلبة وأحيانا لا نكمل استخدام شريط الدواء. كما أن أسعار الدواء خاصة المستورد أصبحت ناراً. والمواطن فى أحيان كثيرة لا يحتاج سوى عدة (حبات) من الدواء أو كام «سم» من الدواء الشراب. ولكى نطبق هذا الأسلوب والذى نسمعه من حين إلى آخر. نحتاج إلى تعديلات بسيطة فى نظام تصنيع وبيع الأدوية. يجب تعميم العبوات الكبيرة فى الأدوية وطباعة اسم الدواء وتاريخ الصلاحية على كل حبة. وهو نظام أصبحت بعض الشركات تتبعه فى السنوات الأخيرة. وتبدأ نقابة الأطباء مع وزارة الصحة عقد دورات تدريبية للأطباء على النظام الجديد. فيتعلم الطبيب حساب عدد الحبوب أو كمية الدواء الشراب الذى يحتاجه المريض أو الجرعة المناسبة للمريض.

الاقتراح الثانى الذى أسمعه كثيرا مخصص لمواجهة جشع بعض الصيادلة. فبعض شركات الأدوية تتجاهل كتابة سعر الدواء على العبوات. والنتيجة أن الشركات والصيادلة تتلاعب أحيانا بأسعار الأدوية وتدعى أن الأسعار زادت. وفى الغالب يتم التعامل بالسعر الجديد على الأدوية المصنعة قبل زيادة الأسعار. وتذهب الزيادة للشركات. ويحتاج هذا الأمر لتشديد العقوبات على عدم طباعة السعر على الدواء. هذه حلول بسيطة لا تحتاج إلى تمويل أو مليارات لتخفف العبء على الناس فى ملف استراتيجى هو ملف الدواء. بالطبع هناك حلول واقتراحات كثيرة أسمعها فى ملف الدواء. لدى باحثين طوروا مواد خام للأدوية من خامات محلية بدلا من الاستيراد. وكل أبحاثهم مدعمة من مراكز علمية محترمة، وتم دفن اقتراحاتهم فى الأدراج. كل المطلوب من وزير الصحة أن يفتح الأدراج ويطبق الاقتراحات المنسية. وبدون ذلك سيظل دورة التفاوض مع الشركات لرفع سعر الأدوية على المواطنين.


2- مليارات للتعليم

تقريبا فقدنا الأمل فى إصلاح التعليم. وكلما اقتربنا من ملف التعليم نقابل بتصريحات من نوع التعليم يحتاج لمليارات من الجنيهات وإصلاحه قضية مؤجلة لحين الفرج. فى الغالب لم نجد فى ظل الظروف الاقتصادية وضغوط الموازنة مليارات فائضة لتطوير التعليم. ومع ذلك فإن التعليم من الملفات التى لا تخلو أبدا من اقتراحات لتطوير التعليم وتخفيض تكلفة التطوير. وربما يكون التعليم هو أكثر ملف أو قضية يصلنى اقتراحات خاصة بالتعليم وتطويره. وكلها من معلمين أفاضل وخبراء. وفى الغالب لا تجد هذه الاقتراحات صدى لدى الحكومة وتسمع عبارة اكتب تقريرا وأرسله، وبالطبع الجملة الناقصة على لسان المسئولين هى (أرسله حتى ندفنه فى درج). من الاقتراحات المهمة اقتراح بتدوير الكتاب المدرسى. ففى العالم كله لا يتم طبع ملايين الكتب كل عام، ثم ينتهى مصير الكتب إلى بائعى البطاطا. والاقتراح أن نعيد استخدام الكتاب المدرسى عاما بعد الآخر مثل كل العالم. وهذا الاقتراح يوفر للحكومة مليارا ونصف المليار جنيه سنويا. وفى العالم كله فإن عُمر الكتاب المدرسى يتجاوز عشر سنوات على الأقل. فى حالة ضياع الكتاب يتحمل الطالب أو ولى الأمر ثمن الكتاب. وبهذه الحسبة فإن هذا الاقتراح يوفر نحو 10 مليارات جنيه فى العشر سنوات، أو بالأحرى يوفر 10 مليارات لتطوير التعليم. اقتراح آخر قدمه خبير أيضا لوزارة التعليم لمدة سنوات وحتى الآن. والاقتراح هو توزيع كمبيوتر أو (لاب توب) بأسعار مدعمة على الطلبة بدلا من إهدار المال فى طباعة الكتب. وعلى أن يتم توفير المناهج على شبكة الإنترنت أو يقوم الطالب بتنزيل المحتوى والمناهج على الجهاز. ويحتاج هذا الاقتراح لمدة زمنية تتراوح من ثلاث إلى خمس سنوات. وينهى الاقتراح أزمة الكثافة الطلابية لأنه يوفر ما يعرف بالتعليم عن بعد. بل إن المحاضرات أو الحصص يتم إرسالها للطلاب عبر الإنترنت. وكذلك نماذج الامتحانات والواجبات المدرسية. والشرح الإضافى الذى يساعد فى القضاء على الدروس الخصوصية.

من أزمات التعليم الكبرى الكثافة الطلابية وارتفاع تكلفة بناء المدارس النموذجية. وهى المدرسة التى تضم ملاعب وغرفة للموسيقى وتنمية المهارات ومعامل. أحد خبراء التعليم استفاد من تجربة بعض الدول وقدم هذا الاقتراح. وهذا الاقتراح يقوم على فكرة المجمع المدرسى. فالدولة فى هذا النظام تقوم فقط ببناء عدة فصول لتدريس المناهج فقط. وفى مساحة صغيرة. وبقية الأنشطة يتم تعليمها فى مراكز الشباب المنتشرة فى معظم القرى المصرية. وبذلك يوفر هذا الاقتراح جانبا من تكلفة إنشاء المدرسة وتكلفة التعليم نفسه. لأن مركز الشباب سيخدم عشرات المدارس بدلا من توفير صالة رياضية وغرف لتنمية الهوايات لكل مدرسة على حدة. المثير أن بعض الولايات الأمريكية تطبق هذا النظام. وذلك على الرغم من ثراء الولايات المتحدة إلا أن بعض الولايات تأخذ بهذا النظام لأنه يوفر خدمات تعليمية وتنمية مهارات بتكلفة أقل. فالمدارس يمكن أن تستفيد من حمامات السباحة فى النوادى أو من الصالات الرياضية العامة. هذا الاقتراح يمكن أن يؤدى إلى الإسراع فى تطوير التعليم، ولكن لا يجد أذنا صاغية. مثله مثل الكثير من الاقتراحات مهمل فى أدراج وزراء التعليم. فى المقابل ننتظر أن تمطر السماء بالمليارات من الجنيهات لنبدأ فى إصلاح التعليم. الوضع الحالى يمنع حتى المجتمع المدنى من المساندة فى قضية التعليم. قال لى أحد النشطاء فى مجال التعليم إنه تقدم لوزير التعليم باقتراح بسيط لرفع كفاءة المدارس. هذا الاقتراح هو إطلاق موقع إلكترونى عن طرق المساعدة فى رفع كفاءة المدارس. وهذا الموقع يشمل المدارس فى كل محافظة واحتياجات كل مدرسة. وبذلك يستطيع المجتمع المدنى مساندة الحكومة فى رفع كفاءة المدارس أو تطوير التعليم. وذلك من خلال التوصل لاحتياجات المدارس بكل سلاسة.

وفى اقتراح آخر لناشط آخر فتح باب الأوقاف الشخصية فى التعليم حتى مستوى الفصول. فمن الممكن أن يطلق اسم شخص على فصل مقابل وقف يتولى الإنفاق على هذا الفصل. ومن الفصل للمدرسة. ولا يتطلب هذا الاقتراح سوى إعداد قائمة بها احتياجات الفصل والتمويل اللازم لهذه الاحتياجات. ومن خلال هذا الاقتراح يمكن للأغنياء الذين تلقوا تعليمهم فى المدرسة أن يتبنوا فصلا. وذلك على غرار ما يحدث من الجامعات فى العالم كله. وميزة هذا الاقتراح أنه يخاطب الطبقة فوق المتوسطة التى لا تستطيع التبرع ببناء مدرسة كاملة، ولكنها تستطيع تحمل تخصيص وقف أو وديعة للإنفاق على فصل أو معمل.


3- المركزى والأسواق

بغض النظر عن رفضى للتعويم، فإن البنك المركزى له دور مساند للاقتصاد وذلك بالإضافة لدوره التقليدى فى العالم كله لضبط التضخم والرقابة على القطاع المصرفى.. وقد بدأ هذا الدور منذ عهد الدكتور فاروق العقدة مرورا بعهد هشام رامز ووصولا بطارق عامر. فالمركزى ساند بمبادرات السياحة والتمويل العقارى لمحدودى الدخل والمشروعات الصغيرة والمتوسطة. وفكرة المبادرة ببساطة أن المركزى يخصص من أرباحه (كام مليار). وتستخدم هذه المليارات فى دعم الفائدة للقطاع الذى يسانده المركزى. وفى هذه المبادرة تقترب الفائدة من نصف الفائدة على قروض من البنوك. واعتقد أن المركزى مطالب بإجراء من هذا النوع أو بالأحرى مبادرة لإنعاش السوق. وقد سمعت هذه المبادرة من عدد من رؤساء البنوك وخبراء اقتصاد. والفكرة أن الارتفاع الشديد فى الأسعار سيؤدى إلى ركود فى الأسواق، وهذا الركود يهدد المصانع والتجار ورجال الأعمال. والمطلوب تنشيط وإنعاش الأسواق مع دعم المنتج المصرى. ولم يتم ذلك إلا من خلال تقديم حافز للمصريين على شراء المنتج المصرى رغم كل هذا الركود ومنافسة المنتج الصينى خاصة.. والمبادرة المقترحة هى الإشراف على معرض لكل المنتجات المصرية، والبيع فيه بالتقسيط، ويقوم المركزى بدعم فائدة البيع بالتقسيط. فتكون الفائدة 8% أو 7% على سبيل المثال. على أن يقوم المركزى بتحمل تكلفة دعم الفائدة. ويتم التقسيط من خلال البنوك. من وجهة نظر بعض رؤساء البنوك فإن هذا الاقتراح سيؤدى إلى إنعاش الأسواق وتسويق المنتج المصرى.

اللهم لقد بلغت اللهم فاشهد