سارة إبراهيم تكتب: هل كشف "مولانا" آخر أسرار عهد المخلوع؟

الفجر الفني

سارة إبراهيم
سارة إبراهيم


"أنا موظف في الأوقاف مرتبي 1700 جنيه بسيبهم للساعي" جملة رددها الشيخ (حاتم الشناوي) الشخصية التي يجسدها عمرو سعد في أحدث أفلامه "مولانا" وتعبر هذه الكلمات عن الباعث الحقيقي لتطلع بعض المشايخ ورجال الدين إلى الحصول على الأموال والشهرة بوسائل عديدة، قد يرتبط بعضها بالتحدث باسم الدين لأهداف سياسية تقربهم من رجال السلطة والسياسة في الدولة.

 

تدور أحداث الفيلم في عمق عالم الدين والسياسة وما يمثلهما من "لحية وبدلة آخر موديل"، ليصبحا وجهان لعملة واحدة وهي اللعب بعقول الشعب وتسييرها وفق إرادة الكبار، فالشيخ حاتم أو كما يلقبه مريدوه بـ"مولانا" أراد أن يحصل على الشهرة والمال باسم الدين، مستخدما الطريق الأقصر إلى ذلك وهو إرضاء أصحاب النفوذ ورجال السلطة، الذين أصبحوا غير محل ثقة عند الناس لعدة أسباب أهمها بعدهم الشديد عن العامة.

 

يعتقد الداعية الإسلامي أو الشيخ الذي يحظى بلقب رجل الدين، أن أقصى تخلي عن مبادئه الحقيقية وأساسيات الدين هو الانصياع لرغبات أصحاب رؤوس الأموال من خلال شاشة أحدي القنوات الفضائية التي يراها ملايين المشاهدين أغلبهم ممن يمثلون الطبقة الوسطى في مصر، ولكن قد تكون البداية لتنازل أكبر يضعه في مواجهة مع ذاته، وهي النهاية التي اختتم بها الكاتب إبراهيم عيسي فيلمه، في مشهد عبر خلاله الشيخ حاتم الشناوي عن ضرورة الحفاظ علي الوحدة الوطنية بين الشعب، بدموع اختصرت المعاناة التي يشعر بها.

 

استطاع فيلم "مولانا" أن يستعرض جزءا من الفساد الذي اتصف به حكم الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، ونفذه نجليه جمال وعلاء بصفقات مع رجال الأعمال في مصر، وأهمها فساد قطاع أمن الدولة وعمله لصالح السلطة بالقضاء على معارضيها، ومنهم الشيخ "سلطان" الذي عوقب باتهامه بالانضمام إلى "الشيعة" بسبب معرفته أحد الأسرار المشينة عن نجل الرئيس الذي يعده والده وأصحاب الكلمة العليا في الدولة ليكون رئيسها الجديد، ولا شك أن اختيار ممثل بملامح تشبه كثيرا جمال مبارك، وتغيير اسمه إلى "جلال"، أشار إلى أن القصة حقيقية وليست من وحي خيال الكاتب.

 

نعود إلى (حاتم الشناوي)، بجملته في أحداث الفيلم لرجل أمن الدولة "الخوف مبيمنعش الموت الخوف بيمنع الحياة" والتي عبرت عن حاله بطريقة ما، فبسبب خوفه من معارضة السلطة والقضاء على شهرته، جاءت صدمته الكبرى بعدما اكتشف أنه وقع في خديعة شاب استخدم إيهام الناس باعتناقه الديانة المسيحية بدلا من الإسلام ليكون ساترا على أعماله المتطرفة، وكان الشيخ حاتم وسيلة أقارب الشاب من أصحاب المناصب العليا في الدولة لإقناعه بالابتعاد عن هذا الطريق، حتى لا يكون عار على أصحاب السلطة، أمام المخدوعين فيهم من الشعب.

 

وجاءت النهاية التي اختارها الكاتب الصحفي والإعلامي إبراهيم عيسى لفيلمه منصفة لرجل الدين في صراعه مع رجال السلطة، بوقوف الأول مدافعا عن أبناء بلده بعد العمل الإرهابي الذي استهدف الأقباط أثناء احتفالهم بأحد الكنائس الكبرى في مصر، وجاء ذلك مشابها مع حادث تفجير كنيسة القديسين بمدينة الإسكندرية في مطلع عام 2011، والذي أثار غضب الشعب المصري تجاه مبارك وأعوانه قبل قيام ثورة 25 يناير خلال العام نفسه.

 

وأخيرا.. لا يمكننا أن نعتبر"مولانا" فيلما يريد أن يهاجم الشخصيات والأجهزة السياسية في مصر بإظهار فسادهم المعروف منذ عشرات السنوات، لكنه يدخل في كواليس الصراع بين الدين والسياسة لتحقيق أهداف شخصية بعيدة تماما عن احتياجات عامة الشعب، واللعب بعقول الناس باسم الدين الإسلامي وسنة رسولنا الكريم، وهو ما نجح فيه صناع الفيلم بداية من القصة وأداء الفنان عمرو سعد الرائع لشخصيته، والاهتمام بالتفاصيل الدقيقة للعمل تحت إشراف المخرج مجدي أحمد علي.