عاشور بوراشد يكتب: التاريـخ لا يـمـوت

مقالات الرأي

عاشور بوراشد
عاشور بوراشد



السفير عاشور بورشد المندوب السابق لليبيا في جامعة الدول العربية 


ظلمنا أنفسنا لغياب التجربة والثقافة السياسية وندفع ولازلنا ثمنا باهظا لهذا الغياب، فرجال دولة الاستقلال الأولى كانوا يجسدون الإنتماء للوطن أعقبها مرحلة عبثية استبدلت الإنتماء إلى الوطن بالانتماء للأشخاص ومن المؤلم أن هؤلاء شركاء لنا في الوطن تعمدوا طمس تلك الفترة وحجبها من تاريخ الوطن فغابت الحقيقة عن الأجيال الراهنة.

عندما أصر رجال دولة الاستقلال الأولى على حتمية الحصول على الاستقلال كانت ليبيا من أفقر دول الأرض وليست لديها أي امكانيات اقتصادية تبرر قيام الدولة وكان هذا سببا لاعتراض كثير من الدول في التردد لمنح ليبيا استقلالها لأسباب سياسية وليست انسانية ولكن إصرار الوفد الليبي على تحقيق الاستقلال أدى فالنهاية الي الحصول إلى هذا الاستقلال.

وكان من المحتم البحث عن ووسيلة لتمويل الدولة الوليدة وبعد كل الجهود التي بذلت للحصول علي دعم عربي وفي ذلك الوقت الا ان جميع الجهود بأت بالفشل وولد في ذلك الوقت اقتراح اللجوء الي تأجير قواعد عسكرية تنتهي عندما تري الحكومة ان امكانيتها المادية تسمح لها بالاستغناء عنها وكانت ستكون هذه النهاية عام 1970 وهنا لابد أن اتعرض الي شهادة المرحوم الاستاذ رجب الماجري وزير العدل بالحكومة ماقبل الأخيرة في العهد الملكي والذي ذكر لي انه علي الرغم من كونه وزيرا كان يعترض علي وجود القواعد العسكرية على الأراضي الليبية ويعتبره اختراقا للسيادة الوطنية وباعتياره شاعرا كان ينظم شعرا يدين فيه وجود القواعد العسكرية على الأرض الليبية وبعد فترة طويلة.

من الزمن ذكر لي انه اطلع علي بعض الوثائق التي تلقي الضوء علي تلك القترة والمببرات والظروف التي ادت الي توقيع الاتفاقيات ليتضح له ان من قام بتوقيع تلك الاتفاقيات كان اكثر انتماء للوطن من اي مواطن يدعي الانتماء له انتهت الشهادة.  

ومن الله علينا بالثورة البترولية والتي اصبحت مصدر رئيسيا للتمويل مع بداية ستينات القرن الماضي وخلال فترة قصيرة لا تتجاوز الثمان سنوات تم أنشاء المدن الجامعية في كل من طرابلس وبنغازي والمدن الرياضية بالمدينتين ومشروع ادريس للاسكان والمشروع العملاق للطريق الساحلي والذي يمتد لأكثر من 1900 كيلومتر ولكن الانجاز الابرز لدولة الاستقلال كان تركيزها علي التربية والتعليم ورصدت له جل اموال الميزانية وكانت نتائجه اكثر من ايجابيه ورصدت منظمة اليونسكو للعلوم والثقافة التجربة اللليببة واعتبرتها تجربة انسانيه فريدة من نوعها لم تحدث ولن تتكرر ( تقرير منظمة اليونسكو الصادر عام 1968)

على المستوي الاقتصادي كانت ليبيا من أرخص دول البحر الابيض المتوسط كان العاملون بليبيا من الجنوب الاوروبي يشترون هدايهم بمناسبة اجازتهم من السوق الليبي وحجاج البيت الحرام في ذلك الوقت كان يقتصرو ما يحضرونه من السعودية علي السجادة والمسبحة اما هدايهم لذويهم فقد كانت تشتري من السوق الليبي. 
كما كانت جل التوكيلات التجارية حكرا علي التجار الليبين في الشرق الأوسط.

أمنيا، كانت ليبيا في تلك الفترة واحة امان في الشرق الافريقي ولم يكن السائح القادم من الحدود التونسية متوجها الي مصر يهاب النوم في الخلاء بين المدن والقري الليبية, ولم يعرف الليبيون الاسوار العالية ولم يتعرفو بعد في تلك الفترة علي الابواب والنوافذ الحديدة وكانت محلاتهم التجارية تظل مفتوحة عند النداء للصلاة بما فيها محلات بيع الذهب والفضة .... والحديث يطول

هذه اضاءة تشكل وفاءا لعطاء الاباء والاجداد الذي حجب تاريخهم عمدا وظلمناهم وظلمنا انفسنا.
ما حدث قد حدث الا ان الاقصي والاسوء ان يتكرر الخطاء مرة اخري عندما نفاجأ بمن يلعن تلك الدماء النقية التي رحلت من بين ايدينا  ولم تري من الدنيا شئ ولمن كتبت له الحياة بعد السابع عشر من فبراير ولنداء لفض الجلالة (الله اكبر) الذي صدحت به الحناجر في كافة ارجاء الوطن مدنه وقراه وميادينه، وهوا ما يشكل تناقض صارخ مع كل القيم النبيلة التي عرفتها البشرية.

في تجاهل مشين لحقيقة الاسباب التي مددت الفترة الانتقالية وعرقلت بناء الدولة لنترك رسالة للاجيال القادمة تقول ان لا تثور ضد الاستبداد والظلم وان لا تفكرو ابدا في البحث عن الكرامة لانكم ستلعنون ممن ثرتم من اجلهم لصالح من ثرتم ضده.

تبقي الحقيقة اننا جميعا راحلون. الوطن باق..... وكذلك التاريخ, قد يحجب نعم..............
لكنه لا يموت.. عيد استقلال مجيد