أحمد متولي يكتب: "مولانا" المفضوح!

مقالات الرأي

أحمد متولي
أحمد متولي


هل قرأت قصة المسيحي الذي تبول على المصحف الشريف فسخطه الله إلى مسخ شيطاني؟ إذا كنت لا تعرف شيئا عن هذا فبكل تأكيد ستتذكر أيام طفولتك عندما كنت تطلق على صديقك أو جارك المسيحي مصطلح (كوفتس) أو (أربعة ريشة) أو (عضمة زرقا) دون أن تعلم لماذا تطلق عليه هذه المصطلحات العنصرية، أو عندما كنت تتوقع أنت وأصدقائك المسلمين عدد من الأسئلة المحرجة للمسيحيين أبرزها: "لو جارك المسيحي مات.. هيدخل (الجنة) وألا (النار)؟، إذا لم تكن تتذكر هذا فتأكيدًا سمعت أشهر كدبة فى مصر فترة أخر الثمانينيات وأول التسعينيات وهي أن الفنان محمد صبحي كان (مسيحي) وأن والدته قامت بتسميته (محمد) علشان يعيش تبركًا باسم سيدنا محمد (ص) بعدما مات كل أطفالها، وهى جميعًا خرافات تم تصديرها إلينا ليتم التفريق والتمييز دائمًا بين المسلمين والمسيحيين في هذا المجتمع لخدمة أهداف قد تكون سياسية في المقام الأول وقد تكون لخدمة الحاكم الذي يحكم مصر اعتمادًا على سياسة (فرق تسد) والتي تعتمد على تفتيت قوة الشيء إلى أجزاء صغيرة، ليستطيع التحكم فيه بكل أريحية.

 

الكاتب المشاغب والمشاكس إبراهيم عيسي كان الأشجع في صراحته عندما أعترف في فيلمه الجديد "مولانا" الصادر عن رواية له تحمل نفس اسم الفيلم صدرت في عام 2012، وأكد بما لا يدع مجالًا للشك أن السلطة الحاكمة في مصر وتحديدًا فترة الرئيس المخلوع "مبارك" –رغم تجهيل الفترة الزمنية في الفيلم- هي التي كانت تشحن المجتمع ضد بعضه البعض كمسلمين ومسيحيين لسهولة السيطرة عليهم وتحكم الدولة في السلطة الدينية الموجودة للسيطرة على الجميع لخدمة مصالحهم فقط.

 

عيسي، استطاع فضح شيوخ الدين الذين يعملون مع السلطة لخدمة مصالحهم وإصدار فتاوى (تيك اواي) تحلل الحرام وتحرم الحلال، من خلال قصة الداعية (حاتم الشناوي)، والذي يجسده النجم عمرو سعد، وهو رجل دين تحول إلى رجل دنيا ورجل فضائيات يلعب بالملاين إلى أن يقع في المحظور وتستطيع أمن الدولة أن تصوره في أوضاع جنسية مخلة للآداب للسيطرة عليه وابتزازه لخدمة الأسرة الحاكمة التي تجبره أن يتدخل لمساعدة ابن العائلة الذي تنصر ودخل الدين المسيحي هربًا من قسوة الإسلام والمسلمين، ليتحول بعدها هذا الابن من المسيحية إلى شخص تكفيري ويقوم بتنفيذ عملية تفجيرية داخل إحدى الكنائس العامة في مصر، ليظهر بعدها بطل الفيلم (حاتم الشناوي) ويعلن أن الدولة تتحكم في الدين لخدمة مصالحها وأن الإعلام ما هو إلا مجرد صوت لشحن المسلمين ضد المسيحيين والعكس صحيح.

 

من الأشياء الطريفة التي تخص رواية "مولانا" أنها كانت ستتحول إلي مسلسل بطولة النجم خالد أبو النجا، وسيقوم بإخراجه عمرو عرفة، ولكن تلك المفاوضات توقفت وبدأ "عيسي" تحضيرها لفيلم سينمائي مع المخرج مجدي أحمد على، وكان من المفترض أن يشارك الفيلم في مهرجان القاهرة السينمائي ولكن فضل صناع العمل أن يكون عرضه الأول دوليًا في مهرجان دبي السينمائي وفشل الفيلم فى تحقيق أي جوائز تذكر.

 

إذا حللنا الفيلم من الجانب الفني سنجد أن رواية "مولانا" كانت أقوي كثيرًا في جرأتها من الفيلم، وربما يعود ذلك لخوف صناع الفيلم من منع عرضه بالسينمات والخوف من قيام أزمة سياسية فى الشارع المصري مابين الكنيسة والأزهر وجهاز أمن الدولة (الأمن القومي حاليًا)، وإن كان جرأة الفيلم في تناول موضوع بهذا القدر الشائك كبيرة جدًا على ولم نتعود على هذا، وهذا شيء جيد ويعود الفضل فيه لجهاز الرقابة والمصنفات الفنية بقيادة د. خالد عبدالجليل، وأعيب على إبراهيم عيسي باعتباره صانع الفيلم ربط الإسلام دائما بالإرهاب والعنف، وعلى الرغم من كاريزما "عيسي" التي ظهرت في كل مشهد إلى أنه سخر كل أسلحته للدفاع عن وجه نظره فى هذه القضية الشائكة، وتطاول على الصحابة من أجل الدفاع عن الشيعة، وشتان الفارق بين الشيعة والصوفية التي تحدث عنها الفيلم الذي تجاهل في الوقت نفسه جماعة كالإخوان المسلمين والحديث عنهم.

 

النجم عمرو سعد، استطاع أن يخطف أنظار الجميع بحرفيته وسلاسته في تجسيد شخصية (حاتم الشناوي)، والتي سيطرت عليها روح "عيسى" بكل تأكيد، وفى مشاهد كثيرة وجدت قرب في الشبه والأسلوب الذي يتقمصه "سعد" من النجم الراحل أحمد زكى بشكل غير مباشر، ولا أدري إن كان (سعد) يريد توصيل هذا أم لا؟، خاصة فى مشهده الأخير فى الفيلم عندما قال (كلنا مسئولين عما يحدث مسلمين ومسيحيين) وهى جملة قيلت فى فيلم "ضد الحكومة" لأحمد زكي (كلنا فاسدون ولا أستثني أحدا) فى مرافعته الشهيرة ضد الحكومة، ولكن هذا الفيلم يؤكد لنا أن نجومية عمرو سعد قد نضجت بما فيه الكفاية ليدخل في مرحلة التجويد بعد أن كون لنفسه قاعدة جماهيرية كبيرة بعدما لمع نجمه مع المخرج الراحل يوسف شاهين في فيلم (الآخر) ومع المخرج خالد يوسف في فيلمي (حين ميسرة) و(دكان شحاتة).

 

وفيما يخص البطولة النسائية في العمل سنجد أن (ريهام حجاج) خطفت الأنظار من الفنانة (درة) التي لم تقدم أي جديد في شخصيتها رغم ظهورها فى عدد أكبر من مشاهد ريهام حجاج، وأبهرنا ظهور النجم فتحي عبدالوهاب بمشهد واحد في نهاية الفيلم عندما أدى دور رجل الدين القبطي بالكنسية، فيما أكد "أحمد مجدي" الذي أدى دور (بطرس) المتنصر بأنه مشروع ممثل مجتهد أستطاع أن يكرهنا فى الشخصية المركبة التي جسدها وانتقل فيها من شاب مسلم إلى منتصر مسيحي إلى شخص تكفيري.

 

المخرج مجدي أحمد على، استطاع أن يعبر عن نفسه بطريقة جيدة فى مشروعه التاسع كمخرج، ولكن يؤخذ عليه في الفيلم بعض الهفوات مثل (الأفورة) فيما حدث لبطل العمل (عمرو سعد) عندما غرق ابنه في حمام السباحة، وجعل البطل هائمًا على وجهه يسير فى شوارع القاهرة ويأكل الكشري على الأرصفة وكأنما فقد عقله ليعود بعدها في تسلسل الفيلم بكامل هيئته وأناقته ويدخل في علاقة غير مشروعة مع (ريهام حجاج) وكأن شيئًا لم يكن.

 

 وبعيدًا عن تخمينات البعض بأن الدور الذي جسده الفنان عمرو سعد هل هو الشيخ (الشعراوى) أو أنه الداعية (عمرو خالد) كما زعم البعض، لكن الذي يتضح أن قصة الشيخ مختار في فيلم "مولانا" وهى الشخصية التي جسدها الفنان رمزي العدل في أول ظهور فني له بعد مسرحية "شاهد مشفش حاجة" لعادل إمام التي أعتزل الفن بعدها وسافر للخارج، هى قربها من قصة شيخ الطريقة العزمية علاء أبوالعزائم، الذي تم اضطهاده وإحراق سيارته ومنزله على يد بعض السلفيين عقب ثورة يناير بسبب حبه للنبي ولـ"آل البيت".  

 

"مولانا إبراهيم عيسي" استطاع أن يفضح العالم الخفي للشيوخ الذين تربطهم علاقات بأجهزة الأمن ورجال السلطة ونجوم الفن والمجتمع، وأكد أن ما يدار من كراهية بين المسلمين والمسيحيين يتم بتحريك من السلطة الحاكمة التي لا تفرق بين الأديان، والتي لا يهما التنصير أو الأسلمة بقدر ما يهمها أن تملك زمام الأمور، ليجعلوك فى النهاية مجرد لعبة شطرنج تتحرك حسب أهوائهم وتصرفاتهم وتردد ما يقوله هم لك، حتى ولو سألت نفسك مليون مرة: "هو جارك المسيحي لو مات هيدخل (الجنة) وألا (النار)؟

 

للتواصل مع الكاتب: Ahmed Ramadan