منال لاشين تكتب: الملف القذر.. أسرار من "تسريبات الكبار"

مقالات الرأي



■ سياسيون نصحوا البرادعى يوم عودته لمصر بالحرص من التحدث فى التليفون فسخر منهم وقال "عندهم وسواس"

■ مفاجأة نواب فى مجلس النواب تلقوا تهديدات بتسريب مكالمات لهم ولأسرهم على خليفة معارضتهم للنظام

■ سامى عنان: إزاى الداخلية بتسجل لنا؟!.. والرد: تعليمات عليا يا افندم


منذ ظهرت ظاهرة التسريبات التليفونية، منذ أن أطلت على المجتمع بوجهها القبيح والخانق على شاشات بعض الفضائيات. منذ ذلك الحين لم يتغير موقفى منها. انتهاك للخصوصية وللحريات ولعبة خطرة قد تمتد حرائقها إلى القلب فى ظل شهوة التسريبات. فالانتقام بالتسريبات لم ولن يتوقف قط.

التسريبات هى التطور الطبيعى لـ«ركوب التليفون» أو التجسس على أحاديث الناس، وهو أول خطوة أو شكل من أشكال انتهاك الخصوصية والحريات، ولا يوجد حكومة تحترم نفسها وسمعتها تقف متفرجة وربما سعيدة وهى تشاهد التسريبات التى تثبت تورط الحكومة فى التسجيل والتجسس على الناس أو النخبة بكل أشكالها.

أدرك أن التجسس والتنصت قديم ولكن ظل هذا التنصت يخضع لقاعدة «إذا بليتم فاستتروا».. فالداخلية كانت تنكر على الدوام حكاية التنصت، إلا أن وصلنا لمرحلة الاعتراف، وقال وزير الداخلية السابق حبيب العادلى: «اللى بيخاف ما يتكلمش» وكانت جملة العادلى ردا أو إجابة على سؤال للإعلامى والمذيع عماد الدين أديب. وكان سؤال أديب فى حواره مع العادلى هل تقوم الداخلية بالتنصت على المواطنين؟.. وأظن أن أديب والكثيرين لم يتوقعوا رد أو بالأحرى اعتراف العادلى فى ذلك الوقت.

وكان اعتراف العادلى بالنسبة لى هو وصول النظام لمرحلة من الفُجر السياسى لا يوجد أسوأ منه، ولكننى أعترف بأن خيالى لم يكن خصبا ولم يصل إلى اليوم الذى يتم فيه إذاعة وعرض التسجيلات فى وسائل الإعلام الشرعية والتى تخضع للقانون وهو الأمر الذى عرف بـ«التسريبات».

وبعد فترة من الغياب وبعد أن كدنا ننسى فضيحة التسريبات الأولى، عادت التسريبات مرة أخرى. وعلى الرغم من أن التسريبات غرضها الانتقام من البرادعى فإنها أصابت آخرين بسهامها. ولايزال ملف التسريبات مليئا بالأسرار والمفاجآت والضحايا. فبالأمس شباب ثورة 25 يناير واليوم محمد البرادعى وغدا ضحايا آخرون وانتهاك جديد للخصوصية والحريات. انتهاك يضر بمصر خلافا لتوقعات البعض.


1- عنان والبرادعى

منذ أكثر من عام نشرت سلسلة تحقيقات عن التجسس على تليفونات الكبار فى عهد مبارك. وكان العادلى قد خصص فيللا بالزمالك للتجسس على الكبار من السياسيين والإعلاميين المعارضين والأنصار. المكالمات المهنية والشخصية.

وبعد ثورة 25 يناير تسلم أحد قيادات المجلس الأعلى للقوات المسلحة كل التسجيلات. وكانت المفاجأة أن مراجعة التسجيلات كشفت عن وجود مكالمات مسجلة لقيادات عسكرية، وكان بين القيادات رئيس الأركان السابق الفريق سامى عنان. وقد غضب عنان من هذه الواقعة. وسأل وزير الداخلية فى ذلك الوقت: إزاى يجرؤا على التنصت على قيادات عسكرية؟!.. وكان الرد: «تعليمات العادلى يا افندم». وكانت مكالمة الفريق عنان مكالمة عادية، ولكن الغضب كان على مبدأ التسجيل.

وبعد الثورة توقف هذا التجاوز ولم تعد الداخلية تجرؤ على هذه الخطوة. ومع ذلك ظهر تسريب لمكالمة بين الفريق عنان مع الدكتور البرادعى. ولكن هذا التسجيل أو التسريب نتيجة للتنصت أو ركوب تليفون الدكتور البرادعى، وفى ذلك الوقت لم يكن البرادعى قد وصل إلى منصب نائب رئيس الجمهورية. وبالنسبة لى لا أجد فى هذه المكالمة أى شىء يدين لا البرادعى ولا الفريق عنان.

المثير أن البرادعى منذ أن جاء لمصر قبل الثورة، وبل فى اليوم الذى عاد فية لمصر تلقى تحذيرا مهما. والتحذير جاءه من بعض السياسيين الذى التقوا به مساء وصوله لمصر. وكان اللقاء فى فيللته بمنتجع جرانة على الطريق الصحراوى. فقد اختلى به بعض السياسيين وحذروه من التحدث بأمان فى التليفون. ولأن البرادعى القادم من تغريبة من بلاد تحترم حقوق الإنسان. لم يتخيل الرجل أن كل المكالمات مسجلة. بل إن البرادعى اعتبرهم يعانون من الوسواس.


2- خريطة التسريبات

كل مرة تظهر تسريبات أو بالأحرى ترتكب هذه الجريمة الأخلاقية تثور أسئلة مهمة وبالطبع لا تجد إجابة. أسئلة من نوع ما الجهة التى تقوم بالتسجيل لكل البشر، سياسيين وإعلاميين. وتقوم بكل أنواع التسجيلات.. شخصى ومهنى. تسجيلات عاطفية ساخنة، وتسجيلات سياسية ومهنية أو حتى مكالمات أسرية. ولماذا تستمر هذه الظاهرة الفجة القبيحة بعد ثورتى 25 يناير و30 يونيو ولماذا توسعت الظاهرة لتصل إلى فضح المعارضين والمغضوب عليهم علنا وعلى الهواء مباشرة، وتحولت إلى تسريبات؟..

فقبل ثورة 25 يناير استخدم النظام التسجيلات لمجرد التهديد. كان التلويح بهذه التسجيلات القذرة كافيا لتحقيق الهدف. أما الآن فإن العقوبة أصبحت التجريس على الهواء. ولكن باستثناء مكالمة أو اثنتين فإن خريطة التسريبات استقرت فى دائرتين، الأولى التسريب من خلال بعض برامج التوك شوك وفى الغالب هذه التسريبات من النوع السياسى. وذلك على غرار ما حدث مع بعض شباب ثورة 25 يناير، ومؤخرا مع البرادعى ولاحقا من شخصيات سياسية من الوزن الثقيل، وهذه الشخصيات دخلت نادى «المغضوب عليهم» وأتوقع ألا يكون البرادعى آخر شخصية يتعرض لقصف التسريبات.

أما الدائرة الثانية فهى التسريبات العاطفية أو الجنسية وهذه التسريبات يفضل أن تبدأ على مواقع التواصل الاجتماعى، وذلك حتى لا يتحمل أحد أو بالأحرى يتورط أحد فى الاتهام بأنه وراءها. فالمسرب هنا يظل شخصية مجهولة.

ويبدو أن «ركوب التليفونات» لم يتوقف بل زاد، فمؤخرا تعرض بعض النواب المشاغبين إلى تهديدات بتسريب مكالمات لهم. هذه التهديدات غير رسمية، فلم تقم جهة رسمية أو أمنية بتهديدهم مباشرة. ولكن التهديد جاء عبر وسطاء بأن الجميع معرض لقصف التسريبات الشخصية، بل إن المكالمات تشمل فى بعض الأحيان محادثات تخص الأسرة. وتحديدا مشاكل خاصة بأفراد الأسرة. وهذا تطور جديد فى ملف التسريبات القذرة. وبدون ذكر أسماء فإن بعض النواب استجابوا للتهديد. وتراجعوا عند تقديم استجوابات أو حتى الكلام تحت قبه البرلمان. خاصة أن نموذج التسريبات البرلمانية كان قاسيا وقذرا فى نفس الوقت. ولذلك أحجم بعض النواب المحترمين حتى على المنافسة فى انتخابات اللجان والمناصب البرلمانية. من بين هؤلاء النواب المحترمين نائب تلقى تهديدا مباشرا من زميل له فى البرلمان.

ربما تبدو بعض المكالمات المسربة مادة نميمة للبعض، وربما يفرح آخرون بفضح معارضيهم. وربما ترفض فئة ثالثة هذه التسريبات لأسباب أخلاقية من ناحية، أو لشعورها أن هناك قضايا أهم وأخطر من هذه المكالمات.

لكن قضية التسريبات لها بعُد دولى يؤثر على سمعة مصر وبعض مؤسسات الدولة. ومع الأسف هذا التأثير سلبى جدا على عكس ما يتصور البعض. بل إن هذه التسريبات سلاح مجانى نمنحه لأعداء وخصوم مصر. سلاح يتم استخدامه ضد مصر، بل ويتم استخدامه لصالح الإخوان. لأنه لا يوجد دولة ديمقراطية أو حتى ربع ديمقراطية تسمح بتسجيل المكالمات التليفونية أو التنصت على الجلسات الخاصة. وكل أجهزة الأمن فى العالم تضع قواعد قضائية للسماح بتسجيل المكالمات أو التنصت على الأشخاص، وأكرر قواعد قضائية، بل إن بعض الدول تشترط إذنا من محكمة وليس قاضى تحقيق أو نيابة للتنصت. وعلى الرغم من تأثير قضايا الإرهاب و11 سبتمبر على الحريات لم تسمح دولة بالتسجيل والتنصت (السداح المداح ) فما بالك بالتسريبات فى برامج بمحطات فضائية.

واستمرار هذه التسريبات لا يفيد سمعة ولا صورة مصر خارجيا لا على المدى القصير ولا البعيد. ولكنه يسمح لكل خصوم وأعداء مصر بتشويه صورة مصر. والحديث عنها كدولة لا تحترم فيها الحريات الشخصية، وتنتهك فيها الخصوصية، وتتجاهل الحكومة والجهات الرسمية التحقيق فى هذا الانتهاك الصريح. فمنذ أن بدأت التسريبات لم نسمع عن جهة واحدة حققت فى كيفية وصول المكالمات لبعض وسائل الإعلام. أو حتى وعدت الحكومة.

مجرد وعد بالتحقيق فى الأمر. وهذا السلوك الحكومى يزيد من الإحساس المحلى والدولى بعدم اعتراض الحكومة على هذا الانتهاك، وربما بتأييدها ودعمها لهذا الانتهاك الواضح والفاضح للخصوصية. دعكم من الأسماء أو بالأحرى الضحايا. فمصر تخسر بمثل هذه التسريبات.