La La Land.. حلم المتمردين فى سينما حرة بلا قيود

العدد الأسبوعي

فيلم La La Land
فيلم La La Land


بداية من المشهد الافتتاحى لفيلم La la land يؤسس الفيلم لرؤية نقدية سواء لنمط الحياة فى مدينة السينما الأكبر فى العالم لوس أنجلوس، أو حتى لأحلام البشر الذين يعيشون على أرضها ويفدون إليها يوميًا، وأيضًا نقد لما كانت عليه فى السابق قبل سيطرة الاستديوهات الكبيرة ونظامها على طريقة عمل الفنانين والواقع الحالى، الفيلم يستلهم روح هوليوود فى الماضى برؤية واقعية، فالمشهد الافتتاحى الذى يصور الزحام المرورى والذى يضجر بسببه بعض راكبى السيارات للدرجة التى تدفعهم للخروج من مركباتهم والرقص والغناء فى الشارع وينتهى المشهد بصوت عالٍ من آلات التنبيه المتعددة تجبر الراقصين للعودة إلى مركباتهم لاستئناف السير عندها فقط نتعرف على بطلى الفيلم سباستيان (رايان جوسلينج) وميا (إيما ستون).

الاستعراض الراقص على الرغم من جودته لكنه يمنح المشاهد شعورا مختلفا عن الاستعراضات السابقة فى أفلام هوليوود، على الرغم من المرح إلا أنه يأتى بمقاييس العصر الحالى لا يحمل بهاء استعراضات جين كيلى وفريد إستير وشارلى شابلن، هو فقط مختلف تغلب عليه السرعة وعدم إبراز التطابق فى الحركات التى يؤديها الراقصون فى نفس الوقت معًا، وكان المخرج داميان شازيل يرغب فى أن يؤسس من البداية أن فيلمه ليس استعادة لروح هوليوود المفقودة أو مجرد نوستالجيا تجذب إليها الأنظار كما الحال مع فيلم The Artist عام 2011، بل نقد قاسٍ وكئيب وسوداوى لحال لوس أنجلوس والمدن الكبيرة التى تفرض على الكثير من البشر التنازل لتحقيق جزء من الأحلام.

الشعور الذى يستمر طوال الفيلم هو أن هناك دائما شىء مفقود، حتى النهايات السعيدة منقوصة تفتقد للمشاعر، الأبطال حققوا شغفهم وفقدوا مشاعرهم وظلت النجاحات لكن ينقصها شىء، الفيلم للمرة الثانية على التوالى لشازيل يدور فى أجواء عالم موسيقى الجاز، هذه المرة أتخذه كركيزه للتعبير عن الأصالة فى الفن وليس لكلاسيكية، انطلاقا من خصوصية هذا الفن كما وصفه سباستيان لميا وصل إلى اعتبار الجاز لغة عالمية يستطيع الجميع تحدثها وفى نفس الوقت تضمن أن تظل شخصية كل فنان مستقلة حرة، عازف البيانو سباستيان والمتعصب لموسيقى الجاز فى شكلها المتوحش الأول قبل أن تطالها محاولات التشذيب، والذى وصل لإفقادها الكثير من روحها الطبيعية ووضح التنافر الشديد بين سباستيان وكيث (جون ليجند) على الرغم من كون قاعدة انطلاق كل منهم كموسيقى هو الجاز، ودون أن يحدد السيناريو سببا واضحا للتنافر إلا أنه ظهر ضمنًا، مصورًا «كيث» هو الشكل الأحدث للجاز ووسيلتها فى الحياة مع تقدم الزمن وهو ما يرفضه سباستيان ويصر على الوحشية والتمرد الذى تحمله الموسيقى والتى تكفى لأن تصبح ثورية على القواعد طوال الوقت.

ومع تعميم هذه الرؤية بشكل أوسع على الفيلم وخطه الأساسى، يمكن تطبيقه على صناعة السينما فى العاصمة الكبيرة والتى قتلت الكثير من النجوم المتمردين والذين صنعوا مجدها فى البداية، ومع رفضهم الخضوع للقوالب السياسية والتجارية التى فرضها مالكو الاستديوهات الكبيرة والتى تهدف لتحقيق الربح فقط دون الالتفات للقيمة الفنية والتى كان شارلى شابلن على سبيل المثال ومعه الكثير من الرواد الأوائل يسعون لدمجها مع الصبغة التجارية، البعض فضل الابتعاد وترك القافلة تسير. شابلن فعل ذلك حتى بعد أن قدم تنازلا بشكل ما وقبوله أن يدخل الصوت إلى أفلامه الصامتة ولكن بشروطه والتى لم تلق القبول عند الكثيرين فاختار النفى الاختيارى، والبعض الآخر اختار المواءمة والتنازل عن القيمة الفنية الكبيرة ولمع نجمهم بشكل كبير بعد ذلك، لتصبح الأحلام منذ ذلك الوقت الذى انتصرت فيه آلة الاستديوهات الكبرى معلبة يجب أن تسير وفق قواعد محدده لا يمكن أن الخروج عنها، فى الفيلم يجاهد الثنائى سباستيان وميا لتحقيق أحلامهما كلها لكن الفشل يحد هذه الأحلام من الانطلاق فيضطر سباستيان للعمل مع كيث وفق شروط الأخير وتنازلًا عن مبادئه الشخصية والصارمة حيال موسيقى الجاز، وذلك ليوفر المال الكافى لتستمر العلاقة بينه وبين ميا، فى المقابل ميا التى ضجرت من تجارب الأداء ومخرجين الكاستينج الذين لا يهتمون إلا بشكل محدد لا يخرجون عنه بغض النظر عن الموهبة، تقرر الانطلاق لعرض موهبتها منفردة فى مسرحية من بطولتها وحدها.

مصير المواهب فى هوليوود محدد من البداية فعندما تلتقى جملة «خلف هذه التلال سأصل لأعلى مكانة وإطارد كل الأضواء الساطعة» فى استعراض البداية الذى يصوره فتاة فى الـ17 من عمرها تطارد حلم الشهرة والمجد، خاصة أن السيارات المتعطلة بسبب الزحام على المشارف الخارجية للمدينة على طريقها السريع، مع جملة «مدينة النجوم.. هل تتلألأين لى وحدى؟» هناك الكثير من الاشياء التى لا استطيع رؤيتها»، وعلى هذا الخط يسير شازيل مستعرضًا حال المدينة التى أصبحت قابضة لأرواح الأحلام، كل الاستعراضات تفقد البهاء والحيوية التى كانت تحظى بها نظيرتها فى أفلام العصر الذهبى وبشكل مقصود، الحزن يغلف كل الأغانى ربما تبدو الألحان مبهجة وراقصة لكن كلماتها هى الحزن ذاته على ضياع روح التمرد فى صناعه السينما والتى صبحت أفلامها تخرج مليئة بالألوان مليئة بالتقنيات دون أى شغف أو مشاعر، ستجد دائما حاجز دائم بين الاستمتاع للنهاية بأى أغنية أو استعراض فى الفيلم.

حتى أول موعد غرامى لميا وسباستيان الذى ستشاهد من خلاله للمرة الأولى فيلم Rebel Without a Cause إنتاج عام 1955 وبطولة رمز الشباب والتمرد فى هوليوود وقتها الراحل جيمس دين انتهى بشكل مأساوى بأن احترق شريط الفيلم داخل آلة العرض، لتقترح ميا أن يذهبا لمكان تصوير أحد مشاهد الفيلم وهو القبة السماوية ليستعيدا معًا التاريخ الذى لا يمكن عودته بنفس بهائه على الواقع لكنهم لا ينجحون فى ذلك وتخرج رقصاتهم باهتة إلا عندما يدخلان عالم الاحلام ويطلقان العنان لخيالهم.

شازيل متمرد حقيقى يرفض التعليب مثله مثل كوبريك وشابلن والكثير من الفنانين الأصلاء الذين يرفضون القولبة فى أى عمل، يعتمد على الموسيقى فى كل أفلامه تدعيم رؤيته، يحلم من خلال هذا الفيلم تحديدًا أن يلقى الضوء على عشرات وربما مئات المواهب المدفونة التى تملك من الأدوات والقدرات تغيير الكثير لكنها تصطدم بالقولبة فى هوليوود، الفيلم تحية لهوليوود فى عصرها الذهبى وتحية لمن رفضوا ولمن كافحوا لإعلاء الصبغة الفنية لتحظى بنفس القدر من الأهمية مع الصبغة التجارية عند مالكى الاستديوهات ومنتجيهم.


السينما المستقلة والميزانيات المحدودة تنتصر وتسيطر على «جولدن جلوب 74»

انطلاقا من نقطة التمرد على السائد والقالب المفروض منحت رابطة الصحفيين الأجانب فى هوليوود والمنظمة لجوائز الجولدن جلوب معظم تكريماتها وألقابها للأفلام المستقلة والتى انتجت بميزانيات محدودة وأيضًا وصل معظمها لقوائمها القصيرة، فى مفارقة ربما تكون الأوضح للأرضية الضخمة التى أصبحت هذه النوعية من الأفلام تحتلها فى مواجهة المساحة الموجودة بالفعل لأفلام استديوهات هوليوود الكبيرة أو التى تعمل وفق نظامها الحديدى.

أبرز هذه الأفلام هو La La Land الذى حصد 7 جوائز من أصل 7 جوائز ترشح لنيلها فى فئته وهى أفلام الكوميديا والموسيقى، على رأسها بالطبع أفضل فيلم موسيقى فى عام 2016، وهى المكانة التى حصل عليها بميزانية إنتاج محدودة (30 مليون دولار) مقارنة بأفلام هوليوود الكبيرة وحقق نفس التأثير وأكثر عالميًا وأيضًا لكونه مستقل فكريًا عن معظم إنتاجات هذه الاستديوهات.

الفيلم حصد أيضا جوائز أفضل ممثل فى فئة الموسيقى والكوميديا لرايان جوسلينج، وأفضل ممثلة عن نفس الفئة لإيما ستون، أفضل مخرج وسيناريو لداميان شازيل، أفضل أغنية فى فيلم بأغنية City Of Stars، أفضل موسيقى تصويرية، وبهذه الجوائز يتصدر الفيلم القائمة ليعلن تفوقه على نظرائه من الأفلام المستقلة فكريًا ومحدودة التكاليف إنتاجيًا.

لكن على الرغم من هذا التتويج إلا أنه ليس الفيلم الوحيد الذى نافسه فى فئته تنطبق عليه نفس القواعد فهناك فيلم Sing Street صاحب الـ 13 مليون دولار ميزانية إنتاج وموجة واسعة من المدح والاستحسان العالمى كلاهما نجحا فى مواجهة والتفوق على فيلم مثل Deadpool والذى يعد هو نفسه -على الرغم من كونه فيلم استديوهات تجارى- خارج إطار القالب المعتاد لأفلام السوبرهيروز.

فى فئة منافسات أفلام الدراما هناك عدد أكبر من الأفلام التى صارعت للفوز بالتماثيل الذهبية بعضها يحمل أسماء نجوم كبار فى هوليوود لكنها فى النهاية محدودة التكاليف ومختلفة عن السائد الفيلم صاحب لقب الأفضل فى فئة الدراما هو Moonlight بميزانية إنتاج 5 ملايين دولار ومشاركة البريطانية ناعومى هاريس والأمريكى ماهرشالا على، وكان ينافسه فيلم Lion بميزانية إنتاج 12 مليون دولار وبطولة ديف باتيل ورونى مارا ونيكول كيدمان، Hacksaw Ridge فيلم المخرج الكبير ميل جيبسون وبطولة أندرو جارفيلد الذى تكلف 40 مليون دولار وخرجت معاركه وتصميمه الإنتاجى أفضل بمراحل من أفلام أخرى تتكلف ضعفى هذا المبلغ، Hell or High Water بطولة جيف بريدجيز وكريس باين وبميزانية إنتاج 12 مليون دولار، هذه الأفلام الخمسة التى مثلت قوام المنافسة على لقب الأفضل كلها مستقلة وبميزانية إنتاج محدودة لو أضفنا لها فيلم Fences بميزانية إنتاج 24 مليون دولار وبطولة دينزيل واشنطن وفيولا دايفس، سنجد أن معظم الترشيحات والجوائز لم تخرج عن هولاء الستة والذين كانوا ينافسون أفلاما ضخمة التكاليف وأبطالها أسماء أكثر لمعانًا ممن ضمتهم بطولة هذه الأفلام.

لكن فى النهاية هذه الأفلام هى أفضل إنتاجات السنة بغض النظر عن حسابات المكسب والخسارة فى شباك التذاكر الأمريكى أو حتى العالمى، كيسى آفليك أفضل ممثل فى فئة أفلام الدراما وفيولا دايفز أفضل ممثلة مساعدة، وجيف بريدجيز أفضل ممثل مساعد، وفى النهاية لا يمكن القول إلا أن السينما الجيدة تطغى والتوازن بين الصبغتين التجارية والفنية هو الرابح فى النهاية.