طارق الشناوي يكتب: حاتم "الأسوانى" وحاتم "عيسى".. والبحث عن ريشة

الفجر الفني

بوابة الفجر


عندما نقول إن الدولة صاحبة مصلحة فى تداول التسريبات وذيوعها، وإنها تمنح رجالها ما يروق لها من بضاعة لترويجها، لكى تُظهر العين الحمراء لمن تعتقد أنه لن ترتدعه سوى تلك العين، فإننا لا نجانب الحقيقة، ولهذا نطالب الدولة بالتوقف عن استخدام هذه الأسلحة «الفشنك»، لا ندعو لممارسة سياسة المنع والمصادرة، ولكن لإعمال ضوابط القانون، وإلا صارت مصر مرتعا للفوضى والانتقام الشخصى، توقيت الفضح والتجريس كثيرا ما يؤكد بما لا يدع أبدا مجالا للشك أن الدوافع لم تكن أبدا نبيلة، والدولة لها مصلحة فى ضرب المربوط فما بالكم بالسايب، لكى يرى الكُل أن يدها طايلة الجميع، ورجالها فى كل أنحاء الدنيا أقصد «الميديا» متعطشون لتنفيذ الأوامر.

على الجانب الآخر عندما نتصدى لصوت داخل الدولة يريد أن يحجب الفن ويمنعه من انتقاد عدد من فئاته بحجة أن هؤلاء يجب الحفاظ على هيبتهم، فإننا لا نتناقض مع المبدأ، دور الفن هو كشف المسكوت عنه وتحريك ما هو كامن وتحت السطح، كما أنه لا يفضح أو يجرس شخصاً بعينه، ولكنه يوجه سهامه إلى ظاهرة نعيشها ولكننا، مع الأسف، كثيرا ما نغض الطرف عنها، يعتقد الكثير من فئات المجتمع أنها فوق مستوى المحاسبة، وهكذا بدأ عدد من الدعاة يعلنون غضبهم معلنين وضع ريشة على رؤوسهم، هناك من يطالب بمصادرة فيلم «مولانا»، لأنه كما يراه يسخر من الدعاة وينال منهم بتقديم تلك الصورة التى تخاصم الواقع، كما يرون هم الواقع وليس الواقع باعتباره واقعا يراه الجميع والذى يؤكد أن الفساد والانحراف والشذوذ ليست حكرا على مهنة أو طائفة.

لدينا فى السجون بتهم الفساد اثنان من رؤساء الجمهورية، مبارك ومرسى، لقد راحوا يطالبون الأزهر بمراجعة أى عمل فنى يقدم شخصية شيخ، ولا يصرح بالتداول إلا بعد موافقة المؤسسة الدينية، لتعود مرة أخرى محاكم التفتيش فى محاولة للسيطرة على العقول.

الطرف الآخر فى تلك المعادلة هو بعض المحامين، لا أنكر أن قضايا الأفلام والمسرحيات والأغانى بما تحققه من شهرة بات لها محامون متخصصون فى إقامة الدعاوى، وفى هذه الحالة ستصبح هدفاً أكيداً للصحف والمواقع والفضائيات، المؤكد أنها ليست الأولى ولن تُصبح الأخيرة، كثيرا ما يستشعر أصحاب كل مهنة أو منظمة أو حزب، بقدر ما من التعسف بسبب فرط الحساسية تجاه أى نقد، والاتهام الجاهز هو أن هناك تهكماً، ولا أستثنى أحداً، حتى نقابة الصحفيين المنوط بها أساسا الدفاع عن حرية التعبير، كادت النقابة أن تتورط أكثر من مرة فى اللجوء لساحة القضاء للمطالبة بالمصادرة، لولا عدد من الأصوات الهادئة تدخلت فى اللحظات الأخيرة لتغيير الدفة، وتوقف شلال الغضب الهادر، حدث مثلا فى فيلم «عمارة يعقوبيان» المأخوذ عن رواية علاء الأسوانى وإخراج مروان حامد بسبب شخصية رئيس التحرير الشاذ جنسيا «حاتم رشيد»، وبعدها قدمت الراقصة سما المصرى فيلم «على واحدة ونص» رأينا فيه صحفية تمارس الرقص والدعارة، وكان مجلس إدارة النقابة، للمرة الثانية، قد عقد العزم لمصادرة الفيلم، ونشطت بداخل عدد من أعضاء المجلس الإدارة غُدة المنع، وذلك لامتصاص غضب قطاع وافر من الجمعية العمومية رأى أن تلك الصورة تهز مكانة الصحفى، وتناسى هؤلاء أن أكثر الأعمال التى فضحت الصحافة هى تلك التى كتبها صحفيون مثل فتحى غانم «زينب والعرش» أو موسى صبرى «دموع صاحبة الجلالة» وتحديدا شخصية «محفوظ عجب»، وعندما طلبوا من موسى صبرى أن يحدد على وجه الدقة من هو الصحفى الذى أوحى له بمحفوظ، أجاب أنهما اثنان واختارهما من أشهر وأمهر من مارسوا المهنة.

العديد من المنظمات النسائية، اعتبرت تقديم امرأة منحرفة بمثابة ازدراء لها، مثلا المجلس القومى للمرأة، فى رمضان الماضى، رصد صورة المرأة على الشاشة، وانتهى إلى أن الرؤية الغالبة هى الانحراف، وطالب صُناع الدراما بمراعاة كل ذلك فى القادم من المسلسلات، ولو فرضنا فقط مجرد فرض، بأن هناك مثلا مجلس قومى للرجل، وأعاد تقييم المسلسلات بوجهة نظر ذكورية، ألن ينتهى به الأمر إلى أن هناك ازدراءً واضحاً للرجال، ألم نشاهدهم أيضا قتلة ولصوص ومدمنين، ألم يتفوقوا فى العدد على النساء، ولو تمت الاستجابة لكل هذه الملاحظات فما الذى يتبقى إذن سوى أن نرى دراما معقمة بلا روح ولا صراع ولا مصداقية.

الوجه الآخر للصورة هو أننا يجب ألا نعتقد أن الدراما المعقمة الخالية من شرور البشر هى الحل، كما أن علينا أن نضع فى المعادلة عاملا مهما ومؤثرا، وهو أن الشخصية المنحرفة تملك قوة جذب درامية أكثر من الشخصية السوية، أغلب الأعمال الدرامية التى عاشت فى التاريخ انطوت بنسبة كبيرة على خطأ بل وخطيئة، كل أعمال سيد المسرح والكلمة فى العالم، وليم شكسبير، تحمل فى تكوين أبطالها هذا الضعف تجاه المرأة والجنس والمال والجاه، وهذا هو ما منحها عمقا لتعيش مع الزمن، فهى لم تقدم ملائكة بل بشراً.

ما نراه هو أن أغلب المهن تسعى لكى تبتعد تماما عن مرمى النقد، ولا أستثنى مهنة، وكثيرا ما نرى قضايا ترفع بسبب هذا الإحساس بأن هناك من يريد النيل منها، لديكم مثلا فى فيلم «انتبهوا أيها السادة» الذى كان يتناول فى مطلع الثمانينيات عامل قمامة، محمود ياسين، صعد من القاع للقمة، وفيلم «البواب» الذى تابع تطور شخصية البواب أحمد زكى الذى امتلك العمارة بعد أن كان حارسها، مع وافر الاحترام للمهن الشريفة مثل البواب وجامع القمامة وغيرهما، إلا أن تقديم رجل منحرف لا يعنى إدانة لكل من ينتمى لتلك المهنة، كما أن تقديم امرأة منحرفة لا يعنى إدانة لكل النساء، فلا أحد على رأسه ريشة. نعم التسريبات التى نتصدى لها ونطالب الدولة بمصادرتها ومنع تداولها، لأنها تمس أعراض الناس، لا تعنينى صادقة كانت أم «مفبركة»، بينما كانت وستظل شخصيات مثل «حاتم رشيد» لعلاء الأسوانى «يعقوبيان»، و«حاتم الشناوى» لإبراهيم عيسى «مولانا»، هى حق مطلق للفنان أن يعريها ويفضح زيفها!!

نقلا عن "المصري اليوم"