محمد حسن عبد الله يكتب: ( جرة عسل ) حلاوة الروح

ركن القراء

محمد حسن عبد الله
محمد حسن عبد الله


 بغير الانطباع الشعبي عن هذا المصطلح المتداول ، هو عنوان واحد من الكتب التي يصعب حصرها ، من مؤلفات يوسف الشاروني الذي رحل عن عالمنا يوم 19/1/2017 ، وهذا العنوان وصفٌ لشخصية الشاروني الذي عرفناه زمنا طويلا بسماحته ، ورزانته ، وصبره على الاختلاف ، حتى يثوب إلى الصواب . 
أول ما عرفت اسم يوسف الشاروني كان على باب المجلس الأعلى للفنون والآداب عام 19577 – في ديسمبر انعقد بالقاهرة " مؤتمر الأدباء العرب الثالث " وكانت تذاكر الحضور توزع بالمجلس ، وهناك التقيت بشخصين  : يوسف الشاروني ، ومحمود أمين العالم . المسئولين عن التنظيم ، كنت طالبا بالسنة الأولى بكلية دار العلوم ( المنيرة ) وفوجئت بدرجة التهذيب والاحترام والوداعة التي لم نتعودها أنا ومن كان في صحبتي من الأصدقاء . استقبلنا الرجلان بأدب جم ، وحصلنا على التذاكر ، وشرحا لنا مكان الاحتفال ، وكان بالقاعة الذهبية بقصر المنيل ( قصر الأمير محمد علي ) – وكتب يوسف الشاروني عن مجموعات قصصي القصيرة [ الزكي الهراس ، فيل أبيض وحيد ] وكتبت عن جهده في مجال خدمة التراث العربي ، والشعبي ، وأشرت إلى مؤلفاته العديدة عن " الأدب العماني " إذ كنت أراه صنواً لي في الاهتمام بالكتابة عن الأدب الكويتي وفنونه ، وكان مقتنعا مثلي بأن عمل المثقف المصري في أي بلد عربي ينبغي أن يكون مؤثراً وأصيلا وله طابع البقاء ، وفي هذا يختلف المثقف عن أي عامل أو موظف مغترب !! كما أنني دُعيت – ربما غير مرة – إلى بيت الشاروني – وليس بين بيتي وبيته في المعادي غير شريط المترو – لأتحدث عنه أمام كاميرا التليفزيون في بيته ، وبيت الشاروني ( مثقف ) من عتبته إلى أقصى شرفاته !!
 مع هذا أسجل على نفسي أنني لم أكن ( مراعيا حق الصداقة ) مرتين بالنسبة ليوسف الشاروني : الأولى حين ألفت كتابي " الحب في التراث العربي " وكان يوسف قد سبقني بكتاب " الحب والصداقة " ولكنني لم أر في هذا الكتاب ما يستحق ( ! ) أن ينوه عنه في مقدمة كتابي أو حتى في مراجعه .
 أما المرة الثانية فقد دأب الأستاذ يوسف على حضور الصالون الثقافي الشهري في بيتي ، وبعد مدة جاءني بكتاب من تأليفه لكي أنشره في سلسلة " كتابات نقدية " التي كنت – ذلك الحين – رئيس تحريرها . لم أشعر بالحرج أن أعتذر إليه عن عدم النشر ، وكان السبب الوحيد لذلك هو مصدر الرجاء الوحيد له ، فقد ذكر أنه في الثمانين من عمره ، ويريد طبع كتابه قبل أن يرحل . كان جوابي : يا أستاذ يوسف أنت رجل جبل ، لا يجرؤ أحد عن أن يعتذر لك ، وتستطيع أن تجد غير هذا المكان ، لأن خطتي هي البحث عن أقلام نقاد شباب لم يقرأوا أسماءهم بعدُ على غلاف مطبوع ، وأراهم الأحق بالتقدمة !!
 لقد تألم الأستاذ يوسف ذلك المساء ، ولكني لم أتزحزح عن المبدأ الذي ألزمت خطتي به ، وهي أن أنشر إبداعات الشباب من النقاد ، وأن أراهم الأحق بالتقدم . 
 هل كنت على صواب في هذا التصلب ؟ أم أن المقام كان يتسع ، أو ينبغي أن يتسع لاستثناء محدود تكريما لمقام الشاروني الذي عرفته دائما سمحاً ، متسامحاً ، طيباً ، لا يعلو له صوت ، ولا يجنح إلى المنابذة على الإطلاق ؟!
 هذا مجرد ملمح من سيرة إنسان حلو الروح حقا ، طيب الخلق بكل معاني الكلمة ، مثقف بما تعنيه " الثقافة " من الاستنارة ، وصدق الانتماء ، والتهذيب ، وسمو الفكر .
 رحم الله يوسف الشاروني ، وأثابه بما أضفى على حياتنا المصرية والعربية من إضاءة وتنوير ..