عبد الرازق محمد علي يكتب: بوحجي وصناعة الإلهام

ركن القراء

عبد الرازق محمد علي
عبد الرازق محمد علي


يبدو العمل التطوعي في بلادنا العربية أمرا نادر الحدوث بل وقد يراه البعض (أمرا شاذ)!!.. وبالرغم من أن الحياة الغربية فى أمريكا وأوروبا تعج بالمادية والعقلانية البحتة إلا أن أكثر التمويلات والتبرعات بل ومنح المؤسسات العالمية تنبع من هذه الدول.. مؤسسات وأفراد - وقد استثنيت هنا الحكومات وإن كانت تقدم المليارات كمنح لشبهة الأغراض السياسية.. إذن نحن أمام مجتمعات أوربية وامريكية بل وآسيوية مثل اليابان وسنغافورة وماليزيا تقدم منحا مجانية.. ومتذ فترة حصلت الجامعة الأمريكية بالقاهرة على تمويل ضخم من رجل أعمال مصرى مقيم فى أمريكا للمساعدة في نفقات دراسة الطلاب المصريين.. ولا ننسى أحد رجال الأعمال الذى تبرع بما يربو على 250 مليون جنيه لمدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا.

السؤال الآن.. ما العائد من كل هذه الأموال التى تبدو مجانية؟.. بل أننى سمعت باذنى راسى أحدهم وهو يعلق ساخرا "إنهم مجانين لا يعرفون كيف يصرفون أموالهم"، ثم أعقبها بمثل مصرى شهير (اللى معاه قرش محيره , يشترى حمام ويطيره)!!، إلا أن الأمر على خلاف ذلك البتة.. فعندما انتاب بيل جيتس أغنى رجل في العالم الاكتئاب نصحه أطباؤه بالتبرع.. واشترطوا أن يعطي الأموال بنفسه لعائلات فقيرة في أفريقيا.. بالفعل سافر الرجل إلى أدغال أفريقيا وإن كان جيتس يعيش فى قصر يدار بتكنولوجيا المعلومات الهائلة فقد قابل أناسا آخر أمانيهم أن يكون عندهم مصباح فى الليل يتحسسون به الطرقات خوفا من لدغات الأفاعى والثعابين!!.. قضى معهم بيل جيتس شهرا تقريبا حيث الحياة البدائية أنفق خلالها جيتس ما يربو على مليار دولار لإقامة مستشفيات وصرف صحي وشراء تطعيمات وأدوية وتشييد مدارس بل ووهب بيديه أموالا طائلة لأناس أقصى أمانيهم أن يجدوا ما يسد جوع بطونهم!!.. افل جيتس راجعا إلى أمريكا وقد شفى تماما من الاكتئاب بل وقد صار أكثر نشاطا وحيوية. 

عندما طلبت تفسيرا علميا من الدكتور محمود عبد العاطى رئيس  قسم الرياضيات وتكنولوجيا المعلومات بمدينة زويل قال لى بالحرف الواحد (لكل فعل رد فعل مساو له في المقدار ومضاد له فى الاتجاه).. وبالتالى فإن اى عمل تطوعى يرجع لك وعليك بالسعادة بل وتزداد نقودك من حيث لا تدرى فى الاتجاه المعاكس لما انفقته فإن أنفقت عشرا جاءت لك عشرة وربما أكثر وإن قضيت ساعة فى العمل التطوعي فقد كسبت ساعة كنت ستخسرها فى عمل لن تنجزه. .!!.. هنا تذكرت قول الله تعالى (من ذا الذى يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له اضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون)، والمضاعفة فى الآية عوض مادي والقبض والبسط  له المدلول النفسى والمعنوي الذى شعر به بيل جيتس وغيره من المتطوعين والمتصدقين.

إذن نحن أمام قضية دعا إليها الإسلام ذاته ففى الحديث الشهير (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث. .منها وصدقة جارية)، وقوله عز وجل (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها)، أي أن الصدقة تطهر النفس وتزكى الوجدان، وبدلا من أن يدفع جيتس الأموال الطائلة للعلاج والاستشفاء ويقضى شهورا طويلة بدون عمل، كافاه الله لما تصدق على عيال الله.. ففى الحديث (الخلق عيال الله).. أى أن الله يعولهم والله يحب من ينفع الناس (عيال الله).. إذن نحن أولى من الأوربيين والغربيين بهذا العمل التطوعي ليس فقط لأنه يعالج الأمراض النفسية ويقضى على العلل الروحانية ويزكى النفس ويثرى الأموال بل لأنه أمر من الله فى كتابه الكريم وهدى رسوله الكريم.. قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما رزقناكم).. وقد عبر بالطيبات للدلالة على أفضل وأطيب ما تقدم من مال وعلم ووقت ومجهود، وهو ما تؤكده الآية الأخرى (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون).. وقوله عليه الصلاة والسلام (صنائع المعروف تقى مصارع السوء).. وقوله (الصدقة تطفئ غضب الرب).. إلا أن هناك ملحظا خطيرا عرفته لما قابلت الدكتور محمد بو حجى وزوجته عندما قدما إلى مصر ليقدما فى مدينة زويل رائعة من روائع القرن العشرين بما يسمى (البحث عن الملهمين).

فإن كانت المحاضرات تتناول الهام الاقتصاد إلا أن الرجل كان يبحث عن أولئك الملهمين ليحفزهم ويساعدهم بل ويبزر بزور الإلهام لدى أولئك المغمورين وكأنه الفلاح صاحب الخبرة الثاقبة فى أمور الأراضى حيث يعيد الحياة إلى أراض بور ظن أصحابها فيها الموات!!.. ظل بوحجى يحيى تلكم النفوس المحبطة بأن زرع فيها الإلهام عن طريق العمل التطوعي طوال عقد كامل من الزمان!!.. فقد أثبت الرجل بما لا يدع مجالا للشك أن العمل التطوعي يقدح زناد الالهام فيثرى في الإنسان طاقة تستوعب من حوله ليكون مؤثرا ونافعا ليس لقومه وعشيرته فقط بل للإنسانية جمعاء!!.. وهكذا ينبثق عن هذا الالهام طاقات مادية ومعنوية تغير مجتمعات بل و تحيي شعوبا بأكملها.. وفى كتابه الرائع (البحث عن الملهمين)الذى اذيل له رابطه أسفل الصفحة يسرد بوحجى بصورة فريدة قصص أولئك الفاشلين الذين حولوا فشلهم إلى نجاح غير وجه الإنسانية..!!.

بدت لى صورة محمد بوحجى البحرينى الجنسية والذى حصل على الدكتوراة من جامعة برونل بالمملكة المتحدة  الصورة النموذجية للمسلم العربى العالم المناضل الغيور  الذى مزج ما بين العلوم الانسانية والمعانى القرآنية فى مؤسسة رائدة في أوروبا بل والعالم لالهام الاقتصاد.. الذى يبحث دائما عن الملهمين..

تحية لمحمد بو حجى الإنسان المُلهَم المُلهِم 
وتحية لكل ملهِم يفيد الأكوان 
وتحية لأولئك الذين يتحلون بجوهر الدين.. فما أحوجنا لتصحيح صورة الإسلام الذى دعا إلى الإلهام والعمل التطوعي قبل الأوربيين والآسيويين منذ أكثر من ألف عام من الآن!!.