أحمد سلام يكتب: كان عليه الإجابة على سؤال ما هو أكثر شيء تخاف منه؟

ركن القراء

بوابة الفجر


لم يستدل سريعاً على إجابة محددة فقد كان الخوف يتمثل في كل شئ حوله.. كل شئ سواء كان كائن حي أو جماد ولكنه تذكر أكثر الأشياء رعباً بالنسبة له.. هو النوم.

اللجوء إلى النوم يستخدمه البعض منا كوسيلة للهروب من واقع مرير أو يوم طويل كئيب وربما لسوء حظ عنيد ..لكن يحدث العكس تماماً معه.. يستيقظ عقله الباطن ويكون كـ"البوجي-مان" محاولاً اصطياد فريسته.. تبدأ المطاردات مبكراً من لحظة لجوئه إلى السرير ويبدأ في محاولة نشر سمومه داخل عقله بداية من الخوف أن ينام ورأسه ناظرة إلى السماء خوفاً من أن يبتلع لسانه.

يهرب سريعاً إلى النوم على جانبه الأيسر ليرى ضوء الصالة وكأنه إطار مرسوم حول باب غرفته وتبدأ السموم الانتشار أكثر وأكثر حتى يفتح عينيه على مصراعيها ليركز في حركة الضوء .. هل سيتحرك أحدهم خارج الغرفة ويكسر ذلك الضوء؟ فكان يخبر نفسه دوماً بأنهم نعم سوف يمرون الآن .. ثم يُهيئ له بعض من الظلال المارة خارج الغرفة.. يبدأ حينها الأدرينالين بالانتشار سريعاً داخل جسده ويحاول التفكير في كيفية التصرف.. ما هي وسائل الدفاع من حوله التي يمكن أن يستخدمها في تلك الحالة ثم تتسارع ضربات قلبه بلا هوادة.

لا يوجد أمامه سوى التقلب مرة أخرى إلى الجانب الأيمن في محاولة فاشلة للتماسك حتى تصطدم عينه بالسقف من فوقه.. ذلك السقف اللعين الذي دائماً ما يراوده إحساس بأنه سيسقط فوق رأسه قاتلاً ما بداخلها من سموم متملكة من عقله.. فيخبر نفسه بأنه ليس وقته فإنه يحاول الهروب ممن سوف يقتحمون عليه غرفته.

يخبر نفسه بأن عليه أن يهدأ ويشغل عقله بوقوع السقف إذ لم يكن لتهالك الأساسات فبالتأكيد سيأتي ذلك الزلزال الذي سيمحي هذا المبنى الواقف على قدميه منذ زمن ولكن هل سيلحق بأن يلملم شتات نفسه ويلملم ما يستطيع من مقتنياته ويحاول تحديد مكان أقرب الحقائب التي تستطيع احتواء كل ما هو عزيز على قلبه.

لم يهنئ بانخفاض معدل ضربات قلبه حتى زاد مرة أخرى كهجمة مرتدة سريعة حين انفجر في عقله فكرة أين سوف يختبئ عند حدوث ذلك الماس الكهربائي الذي قد يدمر المنزل بأكمله .. هل سوف يحميه أسفل السرير من هول تلك الفاجعة يريد فقط أن يصل إلى الأسفل سريعاً.. لكن هل بعد الهروب إلى الأسفل يمكن أن تكون الأمور بخير؟.. بالتأكيد سيكون هناك تسرب للغاز.. ستكون كالضربة القاضية بالنسبة له.

حان الأن وقت سماع تلك الأصوات التي ليس وجود من الأساس بداخل أذنه ..يقفز حينها فكرة المس الشيطاني.. بالتأكيد هناك الكثير والكثير من الشياطين التي تسكن في الشقة العلوية وتجلس في الغرفة الملاصقة لسقف غرفته منتظرة تلك اللحظة لكي تنقض عليه كفريسة سهلة المنال.

كان هناك الكثير والكثير من تلك المطاردات التي بكل تأكيد ليس لها أساس من الصحة ولكنها كانت تتغذى على عقله شيئاً فشيئاً .. كل ليلة يشعر بالموت البطئ لا يعرف كيف يتخلص من تلك الأفكار كالأسهم المسممة .. لم تكن تلك الحالة الوحيدة التي يطارده فيها "البوجي-مان".. كان كظله أينما ذهب في ذلك الشارع الخالي من المارة أو تلك المواصلات التي تعج بالناس أو غيرها التي تسير على طريق سريع فقد يقلقه تلك المنحنيات التي تمثل الموت مقلوباً رأساً على عقب.. يخاف من الذهاب لعمله ويخاف من الاختلاط بالناس.. لا يريد أن يرى نفسه في موقف الضعيف دائماً لوقوعه في حب الأشخاص سريعاً.

وقف في موقف لا يحسد عليه.. فهو الآن لا يستطيع التعامل مع أعباء الحياة ولا يعرف ما ينتظره بعد الموت.. أصبح شخص يخاف الحياة والموت معاً.

أجاب ضاحكاً : أنا مفيش حاجة  تخوفني.