د. نصار عبدالله يكتب: سيد حجاب.. أحاديث وذكريات

مقالات الرأي



فى الفترة التى اقتربت فيها من سيد حجاب وزرته، كانت ابنته لا تزال طفلة، سألته عن اسمها فقال لى: ريم، كان رد الفعل التلقائى الذى يفرض نفسه حينما يسمع المرء كلمة ريم هو بطبيعة الحال أن يردد مطلع نهج البردة لأحمد شوقى: «ريم على القاع بين البان والعلم.. أحل سفح دمى فى الأشهر الحرم.. قالت ريم بعد أن سمعت المطلع : «لقد كرهت هذا البيت»!! قلت لماذا؟.. قالت: مللت من تكرار سماعه.. فكلما زارنا أحد من أصدقاء بابا وعرف اسمى باغتنى بقوله: «ريم على القاع بين البان والعلم».. قلت لها ولكنه مع هذا بيت جميل.. قالت: ولكننى كرهته! قلت: معك حق.. فالتكرار ممل.. أتعرفين أن أجمل ما فى أشعار أبيك أنه لا يكرر ما أنتجه الآخرون، وأنه دائما يقول شيئا جديدا.. قالت: هذا ما أقوله أنا عنه أيضا له.. قلت إذن أنت ناقدة جيدة رغم انك ما زلت صغيرة السن.. قال سيد: وعازفة جيدة أيضا : أسمعى عمو شيئا من عزفك يا ريم.. راحت ريم تعزف ببراعة، وما إن انتهت حتى صفقنا لها نحن الثلاثة : أمها، وأبوها، وكاتب هذه السطور.. كنت فى ذلك الوقت فى نهاية الثمانينيات أو مطلع التسعينيات فى القرن الماضى.. أتردد على سيد حجاب يصاحبنى أحيانا المخرج والممثل الموهوب أحمد عبدالعزيز الذى كان قد قرر أن يخرج للمسرح الحديث مسرحيتى : «الجفاف» لكنه طبقا للموضة السائدة فى تلك الفترة قرر أن تكون المسرحية مطعمة بالتابلوهات الغنائية التى تصور الجو العام للمسرحية، واقترح اسم سيد حجاب لكى يقوم بكتابة كلمات التابلوهات ووافقت.. وبدأ التنسيق بيننا (لم يقدر لهذا المشروع أن يكتمل لأسباب كثيرة فى مقدمتها الانشغال المفاجئ لأحمد عبدالعزيز ببعض المسلسلات التليفزيونية، وهو انشغال لم يكن بوسعه أن يعتذر عنه، إذ إن راتبه كمخرج فى هيئة حكومية كان يخضع لنفس لوائح الأجور الحكومية أى أنه لن يتجاوز بحال من الأحوال راتب موظف حديث التخرج وهو ما لن يكفى طبعا لسد رمقه!).. أتاح لى الاقتراب من سيد حجاب فى تلك الفترة أن أتعرف على الكثير من جوانب شخصيته، وأستطيع أن أشهد له وأنا مطمئن الضمير أنه من القليلين الذين يفرحون فرحا حقيقيا بأى موهبة جديدة فى أى مجال من المجالات، ويبذلون كل ما فى وسعهم من أجل دعمها ودفعها قدما للأمام، وقد أتيح لى بعد ذلك بسنوات عديدة أن أتزامل معه فى لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة، ولمست فيه مرة أخرى نفس تلك السجية الطيبة.. .وحتى بعدما استقلت من لجنة الشعر لأسباب صحية عندما وجدت نفسى غير قادر على السفر شهريا من مقر إقامتى فى سوهاج إلى القاهرة حيث تعقد الجلسات، حتى بعدما استقلت وانقطعت عن السفر إلى القاهرة ظل التواصل بينى وبين سيد حجاب قائما عبر الهاتف، وقد فاجئنى عندما سافر إلى كولومبيا ممثلا لمصر فى ملتقى الشعر الدولى الذى يعقد بمدينة ميدلين، فاجأنى بعد عودته باتصال تليفونى قال لى فيه: إننى أحمل لك سلاما حارا من كولومبيا.. إنهم ما زالوا يذكرونك رغم انقضاء ما يقرب من عشرة أعوام على حضورك نفس الملتقى الذى عدت أنا منه اليوم.. قلت له من هم: قال لى فرناندو منسق الملتقى، ومارى انطونييتا، وآخرون لا أذكر أسماءهم.. فقط كانوا يسألوننى بعد كل ندوة.. هل تعرف الشاعر فلان وأجيبهم بأننا أصدقاء أعزاء، ماريا طلبت أن أحمل السلام والقبلات أيضا.. وركزت جدا على القبلات! إيه الحكاية بالضبط؟ قلت له من المؤكد أنك عرفت الحكاية تفصيلا.. كولومبيا تعانى من الحرب الأهلية، وبقدر ما تعانى من الحرب فهى متعطشة إلى الحب الذى لا شك أنك قد نالك منه نصيب!.