مى سمير تكتب: الانتخابات الفرنسية.. 5 وجوه تقلب موازين أوروبا

مقالات الرأي



لم ينتظر «دونالد ترامب» كثيراً قبل أن يؤكد للعالم أن مخاوفه منه فى محلها، وأكد الرئيس الأمريكى الجديد أنه لن يتردد كثيراً فى تنفيذ ما طرحه من آراء وأفكار فى حملته الانتخابية، والتى تحولت بوصوله إلى البيت الأبيض إلى قرارات تنفيذية كان من ضمنها منع مواطنى سبع دول عربية من الدخول إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

أتى هذا القرار ليؤكد أن اليمين المتطرف الأمريكى متمثلاً فى «ترامب» أصبح هو من يحكم «البيت الأبيض»، وفى نفس السياق يخوض اليمين المتطرف فى أوروبا معركة شرسة لكى يفرض وجوده على الساحة السياسية بالقارة العجوزة التى تشهد ثلاثة انتخابات كبرى هذا العام، الانتخابات البرلمانية فى هولندا بشهر مارس، الانتخابات الرئاسية فى فرنسا فى إبريل، وفى نهاية هذا العام تعقد الانتخابات الفيدرالية فى ألمانيا، فيما تستعد إيطاليا لانتخاباتها البرلمانية فى بداية 2018.

مركز «ستراتفور» الأمريكى للأبحاث الاستخباراتية والأمنية أشار فى تقريره بشأن أهم التوقعات السياسية لعام 2017 إلى أن هذه الانتخابات، وما تسفر عنه من نتائج قد تكون المشهد الأول فى مسلسل نهاية الاتحاد الأوروبى.

لكن تبقى الانتخابات الفرنسية هى الأهم، لا لشىء إلا بسبب الوجوه الخمسة التى تخوض السباق، ويحمل كل منها رؤية مثيرة قد تؤدى إلى قلب الموازين فى أوروبا.


1- فرانسوا فيون.. السياسى المخضرم

تاريخ طويل من العمل السياسى تنقل خلاله «فرانسوا فيون» بين العديد من المناصب السياسية سواء كنائب فى البرلمان أو كوزير فى حكومات اليمين. 

بدأ « فرانسوا فيون» مشواره السياسى كملحق برلمانى للنائب «جويل لو تول» صديق والديه، وعندما تولى لوتول منصب وزير النقل ثم وزيرالدفاع، أخذ «فيون» معه وعينه فى منصب مكلف مهمات.

وفى عام 1981، بدأ «فيون» مشواره السياسى المستقل حيث تم انتخابه نائبا فى الجمعية الوطنية ليكون أصغر نائب يدخل البرلمان. وفى عام 1983، فاز فى الانتخابات المحلية ببلدة سابلى سور سارت بمنطقة سارت، ومع التسعينيات دخل «فيون» عالم المناصب الحكومية، حيث شغل منصب وزير التعليم العالى فى حكومة «إدوار بلادور» فى الفترة من 1993 إلى 1995، وحافظ على هذا المنصب فى حكومة «آلان جوبيه» عقب فوز «جاك شيراك» بالرئاسة. فى 2003، تم تعيين «فرانسوا فيون» فى منصب وزير الشئون الاجتماعية ثم وزيرا للتربية الوطنية فى حكومة جان بيار رفران.

لكن فى عام 2005 تم إبعاده عن منصبه كوزير للتربية الوطنية، بسبب المظاهرات التى أثارها مشروعه لإصلاح النظام الدراسى، وبعدها خاض انتخابات مجلس الشيوخ ونجح فى الفوز بعضويته فى الفترة من 2005 إلى 2007.

ومع انتخاب «نيكولا ساركوزى» رئيساً لفرنسا فى مايو 2007، أصبح «فيون» رئيساً للحكومة الفرنسية على مدار خمس سنوات، وبعد فشل «نيكولا ساركوزى» فى الانتخابات الرئاسية فى 2012، قرر «فرانسوا فيون» المشاركة فى الانتخابات التشريعية وانتخب نائبا فى الجمعية الوطنية ممثلا عن الدائرة الثانية للعاصمة باريس.

فى مارس 2015، أكد «فرانسوا فيون» فى مقابلة صحفية مشاركته فى الانتخابات التمهيدية لأحزاب اليمين والوسط، ونجح فى النهاية بالفوز بترشيح اليمين. ويركز برنامجه الانتخابى على إجراء إصلاحات اقتصادية ليبرالية، وعلى الرغم من أنه يحرص على تقديم نفسه فى صورة الرجل الهادئ الرصين، إلا أن عددا من الفضائح المالية والأخلاقية تواجهه من ضمنها فضيحة منحه لزوجته وظيفة وهمية عندما كان نائبا فى مجلس الشيوخ وحصولها على راتب دون قيامها بعمل فعلى. أما فيما يتعلق بموقفه من الإسلام، يعتبر «فيون» أن بلاده لديها مشكلة مع الإسلام، وطالب بأن يقبل الدين الإسلامى ما وافق عليه الآخرون فى الماضى، بأن التطرف والاستفزاز لا مكان لهما فى فرنسا، على حد قوله، كما أنه يسعى لتوطيد علاقة فرنسا مع موسكو وكسر حالة البرود التى تسيطر على العلاقة بين البلدين، كما يدعو «فيون» إلى تأسيس تحالف مع بوتين ونظام بشار الأسد لمواجهة داعش.


2- بونوا هامون .. رجل التغيير

فاز وزير التربية الفرنسى السابق «بونوا هامون» فى الجولة الثانية من الانتخابات التمهيدية لليسار ليصبح مرشح اليسار للانتخابات الرئاسية الفرنسية، ومثل أغلب المرشحين لدى «هامون» تاريخ طويل من المناصب السياسية فهو نائب أوروبى سابق، ومتحدث سابق باسم الحزب الاشتراكى ونائب فى الجمعية الوطنية منذ 2012، هذا إلى جانب كونه وزيرا للتعليم فى حكومة فالس. ويدخل هامون الانتخابات الرئاسية محملا بإرث رئاسة «فرنسوا هولاند» الذى يعد أقل رؤساء فرنسا شعبية على مدار التاريخ، ولعل هذا يفسر الهجوم الشديد الذى شنه «هامون» على حكومة فالس وإدارة «هولاند» وعلى الحزب الاشتراكى منذ خروجه من الحكومة.

فى هذا الإطار قدم «هامون» مشروعا انتخابيا يتضمن الكثير من الإصلاحات والتغيير، حيث يعتزم بمجرد وصوله للإليزيه إلغاء قانون العمل الجديد الذى أقرته حكومة «مانويل فالس»، لأنه من وجهة نظره يحث العمال على العمل أكثر براتب أقل، كما يعتزم فرض راتب عام بقيمة 750 يورو فى الشهر كحد أدنى لكل الفرنسيين البالغين سواء كانوا يعملون أم لا.

ومن ضمن برنامجه الانتخابى تأسيس جمهورية سادسة، حيث يرى أن مؤسسات الدولة الفرنسية والجمهورية الخامسة لم تعد تتماشى مع العصر الحديث، مشيراً إلى أن الجمهورية السادسة يجب أن تعطى أهمية أكبر للبرلمان وتنهى نظام الجمهورية الملكية والامتيازات الكبيرة التى يحظى بها رئيس الجمهورية.


3- إيمانويل ماكرون.. بروتوس الجديد

إيمانويل ماكرون هو الحصان الأسود السابق فى الانتخابات الرئاسية، فقد نجح هذا الشاب الذى شغل من قبل منصب وزير الاقتصاد فى الفترة من 2014 إلى 2016 فى كسب أرضية واسعة بين الشباب الفرنسى عبر تأسيسه حركة «إلى الإمام»، وعلى نحو مثير لدهشة أغلب المحللين السياسيين فإن فرص «ماكرون» فى الفوز بالانتخابات الرئاسية كبيرة إلى حد تجعله منافسا لا يستهان به.

تفسر هذه الشعبية الكبيرة التى يتمتع بها «ماكرون» حالة الهجوم التى تشنها الأحزاب التقليدية عليه، حيث يصفه اليمين  بـالعميل، ويخشى من نجاح ماكرون فى التغلب على مرشحهم اليمين «فيون». بينما يطلق اليسار على ماكرون اسم «بروتوس الجديد» فى إشارة إلى ذلك السياسى الفيلسوف الذى شارك فى قتل الإمبراطور الرومانى يوليوس قيصر عام 44 قبل الميلاد، رغم أنه هو الذى صقل مسيرته ومنحه كل النعمات والخيرات، وترجع هذه التسمية إلى اعتقاد اليسار أن «ماكرون» خدع الرئيس «فرانسوا هولاند» الذى عينه وزيرا للاقتصاد فى 2014، بعدما عمل مستشارا له فى قصر الإليزيه فى 2012. لكن فى أغسطس 2016، قرر ماكرون مغادرة الحكومة كى يخوض انتخابات الرئاسة الفرنسية.

تعد الحياة الشخصية لماكرون أحد أهم عوامل الجذب لهذا الشاب الذى يبلغ من العمر 39 عاما، ففى السادسة عشرة من عمره وقع «ماكرون» فى غرام مدرسة للغة الفرنسية تدعى «برجيت ترونيو» والتى كانت تكبره سنا بعشرين سنة. بوصوله للعشرين من عمره تزوج ماكرون من برجيت التى وقفت بجواره فى مشواره السياسى الممتلئ بالمحطات المهمة. بعد تخرجه فى المدرسة العليا للإدارة فى 2004، عمل كمفتش عام للمالية لمدة ثلاث سنوات، ثم انتقل بعد ذلك ليعمل فى لجنة مهمتها إيجاد سياسة مالية تدعم الاقتصاد الفرنسى.

وفى عام 2008، دخل عالم البنوك والأعمال والتحق للعمل فى بنك روتشيلد، ويؤكد ماكرون فى حواراته الصحفية أن هذه الفترة من حياته ساعدته على فهم عالم المال والأعمال بشكل أعمق.

شهد عام 2012 النقلة الحقيقية فى حياته السياسية عندما وقع اختيار الرئيس الفرنسى عليه كى يعمل كمستشاره الاقتصادى. وفى عام 2014 عينه هولاند بعد ذلك وزيرا للاقتصاد، ونجح على مدار سنتين فى تحقيق انتعاشة للاقتصاد الفرنسى وخفض نسبة البطالة.

أما فيما يتعلق بالإسلام فقد صرح ماكرون بأن فرنسا ارتكبت أخطاء فى بعض الأحيان باستهدافها المسلمين بشكل غير عادل مشيرا إلى أن الدولة يمكن أن تكون أقل صرامة فى تطبيق قواعده بشأن العلمانية، وأضاف قائلاً: أى دين لا يمثل مشكلة فى فرنسا فى وقتنا الحالى لأن الدولة يجب أن تكون محايدة لكى تتماشى مع العلمانية.


4- ماريان لو بان.. المعادية للإسلام

«ماريان لوبان» الرئيسة الحالية لحزب الجبهة الوطنية الفرنسية المعارض وابنة «جان مارى لوبان» مؤسس حزب الجبهة الوطنية وزعيمه الساب، وتشير أغلب استطلاعات الرأى بتمتعها بشعبية كبيرة فى الشارع الفرنسى ما يجعلها قريبة من قصر الإليزيه.

تخرجت لوبان فى كلية الحقوق وعملت لفترة كمحامية وبعد فشل زواجها الأول ارتبطت بالمحامى لوى آليو، الذى كان يشغل منصب الأمين العام فى حزب الجبهة الوطنية، وبدأت مشوارها السياسى فى عام 1998 بالعمل ضمن أعضاء الفريق القانونى لحزب الجبهة الوطنية.

فى عام 2005 بدأ الخلاف بينها وبين والدها الذى دافع عن الاحتلال النازى لفرنسا، وبدأت «ماريان لوبان» فى التخطيط لعزل والدها من رئاسة الحزب، وبالفعل أعلن والدها فى 2010 تنحيه عن رئاسة الحزب لترأسه ابنته التى خاضت انتخابات الرئاسة فى 2012 وحصلت على 17% من الأصوات وهى أعلى نسبة يحصل عليها حزب الجبهة الوطنية طوال تاريخه.

المثير أن ماريان لوبان دعت الحزب إلى التصويت فى عام 2015 من أجل إلغاء منصب الرئيس الشرفى للحزب الذى يشغله والدها لتنفرد لوبان بزعامة الحزب.

فى حالة وصولها لقصر الإليزيه سوف تعمل «لوبان» على تجميد جميع مشاريع بناء المساجد فى فرنسا إلى أن يتم التحقق من مصادر تمويلها، وتوسيع قانون منع ارتداء الرموز الدينية فى المدارس ليشمل الأماكن العامة، ومنع الحجاب وليس النقاب أو البرقع فقط، وستعمل أيضا على منع ذبح الحيوانات وفق الشريعة الإسلامية، وترحيل الذين لا يقيمون فى فرنسا بصفة غير قانونية، فوراً، وإمهال الأجانب الذين لا يجدون عملا ثلاثة أشهر لإيجاد وظيفة أو الرحيل، إن كانوا مقيمين بطريقة شرعية، كما تدعو إلى خروج تدريجى من منطقة اليورو والعودة إلى الفرنك الفرنسى.


5- جون لوك ميلانشون.. الفيلسوف الراديكالى

رغم أنه عضو فى الحزب الاشتراكى منذ عام 1976، إلا أن «جون لوك ميلانشون» يخوض انتخابات الرئاسة الفرنسية بشكل مستقل وبعيداً عن إطار الحزبى ممثلاً لحركة فرنسا المتمردة.

عند الإعلان عن ترشحه، صرح قائلاً: «أدعوكم إلى حملة لا تهدف فقط إلى الإعلان عن وجود، أدعوكم إلى حملة لتولى السلطة».

«ميلانشون» خاض انتخابات الرئاسة الفرنسية عام 2012 تحت شعار «جبهة اليسار» مع الشيوعيين، حيث حاز ميلانشون 11 % من الأصوات فى الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية السابقة فى 2012، وتظهر استطلاعات الرأى أنه سيحصد 12 % من الأصوات فى انتخابات الرئاسة.

بعد حصوله على شهادة البكالوريوس فى الفلسفة، انضم للحزب الاشتراكى فى عام 1976، وانتخب عضو مجلس بلدية عام 1983، ثم عضو المجلس العام لدائرة إيسون عام 1985، وعضو مجلس الشيوخ عام 1986، أعيد انتخابه فى 1995 و2004 . كما شغل منصب وزير التعليم المهنى المفوص 2000 و2002.

كزعيم لحزب اليسار، انضم إلى التحالف الانتخابى لجبهة اليسار قبل الانتخابات الأوروبية عام 2009، وانتخب عضوا فى البرلمان الأوروبى عن الدائرة الجنوبية الغربية، وأعيد انتخابه فى عام 2014.