صوفيا إسماعيل تكتب: بيعة المسروق

ركن القراء

صوفيا إسماعيل
صوفيا إسماعيل


الفرقة بتبيعني "بيعة المسروق".. أبخس ثمن في السوق، كلمات بسيطة للشاعر ممدوح فوزي، فهذه الكلمات على الرغم من بساطتها، لكنها موجعة إلى درجة كبيرة، لأنها تشبه حال الكثير منا، فالفراق يجعل القلب كالثوب القديم الذي تأثر بالزمن، وتمكنت "العتة" منه، فأصبح دايب، كلما اقتربت منه اتمزع، فالقلب كهذا الثوب، كلما اقترب منه شخص، وابتعد عنه دون ابداء أسباب واضحة، تمزع القلب، وانفطر من ألم الفراق.

تخيلت للحظات الصورة البديعة التي رسمها الشاعر في وصف الفراق، ووجدت نفسي أتخيل، أفعال الفراق على الروح، فالفراق يصنع بالروح ما يصنعه التاجر مع البضاعة المسروقة، يبيعها بأبخس ثمن، فالفراق يسرق الروح والبهجة والأمل ومتعة الحياة، الفراق يزرع بداخل القلب صبار، من كثرة الصبر والانتظار، فالصبار مر كطعم الفراق، واطرافه شائكة تجرح من اقترب منها دون عناية، وهي أيضا تشبه ألم الفراق، فالصبار يحول القلب لتربة صالحة لنمو الأمراض النفسية والعضوية، وهذه الحياة أجمل وأفضل من أن تضيع بين الأنتظار والاحزان.

أرى من وجهة نظري إن فراق الأحبة بالموت أهون بكثير من فراقهم والابتعاد عنهم لأسباب يمكن التغاضي عنها لتسير مركب الحياة، "فالجزع الشديد والحسرة عندما يرى العاشق إعراض معشوقه"، كلمات كتبها الشاعر الأندلسي الذي تحدث عن الحب في كتابه "طوق الحمامة".

قرار الفراق أعرف جيدا إنه قرار صعب، ولكن الأصعب ، هو أن تعيش بدون أمل ، بدون ملامح واضحة لحياتك، فتشعر وكأنك مع شريك الحياة على سطح مركب، في وسط بحر طامي، وفجأة يقرر أحد منهم الرحيل دون أن يخبر الطرف الآخر بأن هذه النقطة هي لحظة انفصال ارواحهم عن بعض، أو إنه سيعود مرة أخرى، وهذا هو الطامة الكبرى لأن الطرف الآخر سيظل في انتظار محبوبه بدون أمل، وسيحارب الجميع من أجل الانتصار في معركة خاسرة، "وكأنه يطارد خيط دخان"، كما قال نزار قباني في قصيدة قارئة الفنجان.

ياأيها الناس لا يوجد على هذه الأرض شيئا يساوي ابتسامة ورضا وأمل في الحياة، مع شريك الحياة، فحافظوا على من تحبون قبل فوات الأوان، حافظوا على قلوبكم خضراء، وابتعدوا عن الشرور والأحقاد والفراق، حتى لا يتحول القلب الأخضر الشاب، إلي قلب جاحد أجوف، وأرض بور لاينبت فيها زرع ولا يجري بها ماء.