عمر أبو المجد يكتب: memento.. أثقلت علينا التعقيد يا نولان

ركن القراء

فيلم Memento
فيلم Memento


"يا من تقرأ موضوعي هذا وتظن أنها المرة الأولى تأكد أنك قرأته منذ دقيقتين ولكنك نسيت".. "Memento" أو "التذكار" للمخرج كريستوفر نولان.

رؤية عامة:
يعتبر فيلم memento من الأفلام المعقدة من حيث الإخراج والتى يصعب على المشاهد فهمها من أول مرة، استطاع  نولان  أن يحول الرواية المستقيمة إلى سيناريو صعب باستخدام ما يسمى التسل الزمني العكسي والذي يعتبر أسلوب استحدثه. 

وقصة الفيلم الأصلية مأخوذة من رواية "memento mori"، للكاتب جونثان نولان.
كان من الممكن للرواية أن تكون فيلماً سهلًا، مثلما حدث في نسختها المصرية الذي تحولت لفيلم "فاصل ونواصل"، من إخراج أحمد نادر جلال وبطولة كريم عبد العزيز، إلا أن النسخة الأجنبية من الفيلم وقعت في يد كريستوفر نولان والذي حولها، لإمرأة عفيفة صعبة المنال، ولا تشكك بذكائك عزيزي مشاهد الفيلم إن خانك عقلك، وانتهى الفيلم وأنت مصاب بالدوار ولا تعرف حتى من أنت.

إذن، ماذا فعل نولان ؟ قسم نولان الفيلم لعدة أجزاء يتكون كل منهم إلى خمس دقائق - ثم تحرش بالمشاهدين - حيث عكس الأجزاء من الأمام للخلف وبدأ بالجزء الأخير "نهاية الفيلم" ثم ما قبله ثم ما قبله حتى وصل بك لبداية الأحداث في نهاية الفيلم.

لم يكن نولان يريد تعقيد الفيلم لمجرد التعقيد، ولكنه أراد أن يسحبك داخل الفيلم لتعيش مقام البطل "ليوناردو"، فيصيبك التشتت مثله، فقد لعب على ذاكرتك لتعاني مثله، فإن كان البطل بحاجة لتركيز شديد للوصول لمبتغاه، فأنت أيضًا تحتاج التركيز لفهم ترابط الفيلم، وإن أردت فهم الفيلم كما أراده نولان دون مبالغة فإليك النصيحة: اكتب كل شئ مثل البطل حتى وإن اضطررت للكتابة على جسدك.


ومن الملاحظات التي تجعلك تنتبه لما أراده المخرج أنه:

1- بدأ الفيلم بمشهد قتل "تيدى" بصورة بلوريد واضحة، تبدأ في التلاشي شيئًا فشئ حتى تبيض وتعود للكاميرا وتلتقط الصورة ويأتى له السلاح وتعود له طلقته وتخرج الطلقة من رأس "تيدي" وتعود في ماسورة المسدس مع كلمة on عكس no وتعتبر بداية الفيلم الحقيقية من بعد كلمة on  لتكون دلالة لبداية الخيط الذي تمسك منه جواد نولان الشارد، وأيضاً تعتبر البداية إشارة لكيفية سير الفيلم بطريقة التسلسل العكسي الذي سيصاحبنا طوال الفيلم.
 
2- استخدام الألوان في الدراما، فليست الدراما في كلام عميق يثير المشاعر فقط ولكن "نولان" أثبت بمساعدة المونتير "دودوى دورن" أن للمونتاج أدواته التي نستطيع أن نعمق بها أعمالنا فجعل استخدام المشاهد الملونه هي تلك المرحلة التي يرسمها "ليو" لنفسه بعيدا عن الحقيقة وأن المشاهد التي تأخذ طابع الأبيض والأسود هي ما حدث معه بالفعل.

 في المشهد الأخير وهو في المخزن وبعد أن قتل من يظنه مغتصب وقاتل زوجته يتحول طابع الألوان من الأبيض والأسود إلى الألوان لنعلم أنه سيبدأ في رسم حياة جديدة يعيشها بعد أن وصل لمبتغاه.

3- جعل خط سير الفيلم في المشاهد الملونة بالتسلسل الزمنى العكسي والمشاهد الأبيض والأسود بالتسلسل الزمني المستقيم ليخبرنا بأن التشويش كله فيما يصنعه هو ويضيفه لنفسه وليس مرضه فقط .

4- كانت شخصية "ليوناردو" قوية جدًا، حذرة غاضبة وذكية لا تستميل المشاهد لتتعاطف معها رغم مرضه وإعاقته فلم يبكي "ليو" في مشهد واحد لأن البكاء والحزن مشاعر ناتجة من القلب وليس العقل، والأزمة كلها في عقل "ليوناردو" وليس قلبه فظهر بقوته هذه حتى عندما انهار في بيت "ناتالى" تحول لشخص عصبي فقط .

5- أراد "كريستوفر نولان" أن يعرفك على مدى صعوبة التعايش مع هذا المرض في مشهد المطاردة مع "تود" والتي كان يظن بطلنا "ليوناردو" أنه يطارد "تود" ليتفاجأ أن "تود" من يطارده ولكنه كان قد نسى.

هدف الفيلم الواضح هو "الإنتقام الأبيض" في ثوبٍ جديد، لا لإرضاء رغباتك، وإطفاء نارك، ولكن لاستعادة حق شخص تحبه، حتى وإن كنت لن تتذكر أنك انتقمت من أجله بالفعل، لأن "ليوناردو" يعلم بمرضه ويتفهمه تماما، وهو ما دلل عليه بقوله "تستحق زوجتي الإنتقام لأجلها.. لا يهم إن كنت أعرف أم لا".

ويحمل الفيلم عدة أهداف غير مباشرة منها على سبيل المثال، لا الحصر:
- إن كنت تريد ألا تنسى شعورك تجاه حدث أو موقف أو شخص معين يجب أن تُحدث نفسك بهذا الشعور وتكتبه وتجعله أمامك فليس النسيان نعمة دائما فهذا "ليوناردو" يخرج من غرفته في أول الفيلم في حالة من الغضب لأنه استعاد أحداث مقتل زوجته من خلال التذكار وهو دائما هكذا.
- ابحث عن الحقيقة بنفسك لا تسأل أحدًا لأن الذاكرة تخون الجميع فلا تعتمد عليها إلا إذا بحثت عنها ووجدت ضالتك وسجلتها بنفسك في دفتر أو على حائط وإن لم تجد فاكتب مرة أخرى على جسدك "فعقولنا ليست دفترا".

- ليس كل من يضحك ويسخر منك ومن حالتك فهو عدوك، وليس كل من يبكى عليك ويهتم بك صديق، هي ليست قاعدة ولكن ربما يكون العكس وهذا يظهر في الصراع مع شخصيتي "تيدي" و"ناتالي". 

- مهما كانت حياتك صعبة ومشتتة وضائعة لن تستطيع العيش إلا إذا كنت تملك هدفًا حقيقيًا وإن لم يكن لديك هدف فاصنعه لنفسك شريطة أن يكون هدفا نبيلاً تستطيع تحقيقه لكي لا تخطئ المسار السليم وهذا يظهر في المشاهد الأخيرة.

- ليست المشكلة أن تنسى ولكن الكارثة أن تتعمد نسيان بعض الأشياء، لأنك ستصطدم معها يوماً ما.