د. رشا سمير تكتب: "البوكر".. تاريخ مشرف ومستقبل تهدده المصداقية

مقالات الرأي



■ القائمة الطويلة لـ2017 تضم 16 اخترنا روايتين للعرض

■ "فى غرفة العنكبوت" تقتحم عالم المثليين.. و"منتجع الساحرات" تواجه المجتمعات المتخلفة


ينزوى الروائيون فى هذا الكهف البعيد الذى يهرعون إليه باحثين عن الإبداع، كهف تحرسه جنيات الفكرة ويقف على أبوابه سحرة القبيلة ينتظرون الإشارة ليبدأ السحر، ينتظرون الهمسة لتتدفق الكلمات، يحبس الروائيون أنفسها وأنفاسهم داخل هذا الكهف البعيد فى انتظار هطول الأفكار، ويخرجون منه بعد أيام وربما سنين برواية، تتلقفها الأيدى وتتداولها الأرفف، لينتظر الروائيون من بعدها جائزة هذا الإبداع، وهى إما «البوكر»، «ساويرس» «كتارا» أو «الشيخ زايد»


1- تاريخ البوكر

«البوكرمان» الإنجليزية هى جائزة عالمية، تأسست عام 1968 وخصصت للأعمال الروائية باللغة الإنجليزية، وعلى غرارها تأسست جائزة البوكر العربية عام 2007 فى أبو ظبى بدولة الإمارات العربية المتحدة، وتم تنظيمها بتمويل من هيئة أبوظبى للسياحة والثقافة وبدعم من مؤسسة جائزة «بوكر» البريطانية، وتمنح الجائزة فى مجال الرواية حصريًا، حيث يتم ترشيح ستة عشر عملا روائيا فى القائمة الطويلة، وهى التى تتم تصفيتها إلى ست روايات فى القائمة القصيرة، لتتنافس فيما بينها على الجائزة، وتمنح الرواية الفائزة خمسين ألف دولار أمريكى بالإضافة إلى عشرة آلاف دولار لكل الروايات الست المرشحة للفوز بالجائزة.


2- جائزة الحُلم وحُلم الجائزة

الجوائز كانت ومازالت هى حُلم الكثير من الروائيين، فهم يبدعون وينتظرون أن تعتلى أعمالهم قوائم الجوائز من أجل الربح الأدبى قبل المادى، ولكن.. ماهى شروط الفوز، وهل تستحق كل تلك الأعمال الوصول إلى قوائم المبدعين؟

للبوكر تاريخ مشرف ولكن وبكل أسف ظهرت الكثير من علامات الاستفهام مؤخرا على مصداقية الجائزة، تلك التى جعلت ثقة المبدعين تهتز قليلا فى أحقية تلك الأعمال التى تصل إلى القمة، لقد حضرت بنفسى مناقشات عدة بين مبدعين ونقاد يرون أن الجائزة تسلل إليها نوع من المجاملات ولم تعد الأعمال التى تترشح على قوائمها هى الأفضل، بل وبكل أسف تخرج من السباق أحيانا روايات أكثر أهمية وذات محتوى جاد من تلك التى تفوز.

من الجانى ومن المجنى عليه، هل تستحق كل العناوين المطروحة الفوز، أم أن للحكاية وجه آخر؟ أسئلة كثيرة لن يجيب عنها سوى قراءتكم للأعمال التى وصلت إلى القائمة الطويلة.


3- القائمة الطويلة لجائزة البوكر 2017

روايات «فهرس» لسنان أنطون «العراق - منشورات الجمل»، «السبيليات» لإسماعيل فهد إسماعيل «الكويت - نوفا بلس للنشر والتوزيع»، «زرايب العبيد» لنجوى بن شتوان «ليبيا- دار الساقى»، «المغاربة» لعبد الكريم جويطى «المغرب - المركز الثقافى العربى»، «سنة الراديو» لرينيه الحايك «لبنان - دار التنوير»، «مذبحة الفلاسفة» لتيسير خلف «سوريا - المؤسسة العربية للدراسات والنشر»، «أولاد الغيتو - اسمى آدم» لإلياس خورى «لبنان - دار الآداب»، «مقتل بائع الكتب» لسعد محمد رحيم «العراق- دار ومكتبة سطور»، «باولو» ليوسف رخا «مصر- دار التنوير»، «منتجع الساحرات» لأمير تاج السر «السودان- دار الساقى»، «فى غرفة العنكبوت» لمحمد عبد النبى «مصر - دار العين»، «هوت ماروك» لياسين عدنان «المغرب - دار العين»، «سفاستيكا» لعلى غدير «العراق - دار ومكتبة سطور»، «أيام التراب»  لزهير الهيتى من العراق، «موت صغير» لمحمد حسن علوان «السعودية - دار الساقى»، و«غرفة واحدة لا تكفى» للروائى سلطان العميمى «الإمارات - منشورات ضفاف». من بين هذا وذاك.. ومن الشرق إلى الغرب.. ومن بين الأفضل والأسوأ.. سأعرض لكم روايتين ولكم الرأى.


4- أولا: "فى غرفة العنكبوت"

فى روايته الأولى بعد عدة مجموعات قصصية، يدخل الروائى المصرى محمد عبد النبى على غير المتوقع القائمة الطويلة لجائزة البوكر لعام 2017، عن روايته الصادرة عن دار عين فى 348 صفحة.

الرواية تدخل إحدى المناطق الشائكة أو المحظورة فى عالم الأدب، وهى منطقة المثليين، فالرواية مبنية على أحداث واقعية حقيقية، وهى قضية القبض على مجموعة شواذ فى قضية «كوين بوت» التى تم القبض فيها على ٥٠ شاذا جنسيا وكانت قضية رأى عام فى ٢٠١٠ بالقاهرة.

يبدأ «عبدالنبى» روايته بالحدث الرئيسى لها، وهو تعريف القارئ بشخصية البطل هانى محفوظ، صفحتان يروى فيهما الكاتب الحدث الرئيسى للرواية، وهو من وجهة نظرى كقارئة ما أفسد على القارئ متعة الترقب لانتظار الحدث الأكبر بأى رواية، وهو ما يطلق عليه دراميا الـmaster scene.

القارئ يبدأ بالصعود تدريجيا مع أحداث الرواية حتى يصل إلى هذا المشهد، لتصبح كل الخيوط فى يده، ولكن عبد النبى يبدأ الرواية بواقعة القبض على هانى محفوظ فى ميدان التحرير وهو المشهد الذى تنسج حوله الأحداث، وتعود الرواية بنا بطريقة «الفلاش باك» لتنسج الحكاية بين ذكريات «محفوظ» عن والدته الفنانة المعتزلة وعن أصدقائه وعن حياته البسيطة.


5- خيوط العنكبوت تغزل العنوان

فى أحد مشاهد الرواية يطرح علينا المؤلف سبب اختياره لعنوانها، وهو ما يفعله الكتاب عادة، إما بشكل واضح مثلما فعل «عبدالنبى»، وإما بأن يترك القارئ ليتخيل أو يتوصل إلى قصة العنوان إن لم يكن ظاهرا.

يقول عبد النبى وهو يحكى عن منام مخيف داهمه يوما:

«ثم ظهر أول عنكبوت أسود هائل، لا أدرى من أين انبعث فجأة متوجها نحوى، ومن خلفه يدب اثنان آخران، ثم خمسة، ثم لم أعد قادرا على عد جيش العناكب الجرار، ولا أدرى أين أختبئ منه، حتى شعرت بأول واحد منها يصعد على بدنى العارى فصرخت دونما صوت، وأفقت على منظر الوجوه المذعورين للمحبوسين معى».

وفى مشهد آخر يحدثنا المؤلف عن ائتناسه بالعناكب، وظهور صداقة وثيقة العُرى بينه وبينها فى كلمات مختصرة يقول فيها:

«وأمسكت بالعنكبوت الكبير بين يدى وأردت أن أتحدث إليه، وأن أسأله لماذا يطاردنى هو وعشيرته كلها، أنا تحديدًا من بين جميع الناس، منذ أن كنت طفلا.. كأنه عنكبوت واحد ينسج خط حياتى منذ مولدى وحتى الآن ولن يرحل إلا بموتي».


6- رحلة اكتشاف الذات

يقص علينا الروائى ببراعة شديدة كيف يكتشف أى رجل عادى أنه شاذ، أو كيف يتحول من غرام الجنس الناعم إلى الجنس الخشن، فيكتب كيف كان هانى محفوظ يتلصص على أعضاء المتبولين، وكيف كان كثيرًا ما يصنع من مخيلته رجلا ما ويحاول أن يدفن نفسه بداخله، ويتكور على سريره منكمشا إلى أقصى درجة ويتمنى لو صار صغيرا جدا حتى يتسلل إلى داخل هذا الرجل ويعيش بقية حياته تحت جلده، حتى إنه فى أحيان قليلة كان يعتقد أن هذا الرجل أبوه!.

ثم ينتقل السرد من بعد ذلك إلى وقوع هانى محفوظ فى قبضة أول رجل يشعر بمثليته، فيستدرجه بكل ترحاب منه وتبدأ حكاياه فى عالم المثليين، حيث يظهر الكاتب لنا هذا العالم الذى أعتقد أنه قد عايشه، إما عن طريق أحد أصدقائه أو شخص ما حكى له تلك التفاصيل أو ربما من محاضر الشرطة فى تلك القضية الشهيرة التى زُج فيها بأسماء كبيرة، إنهم يلتقون فيتعارفون فيستحلون بكل بساطة تلك الفعلة التى يهتز لها عرش الرحمن.. لا تختلف الرواية كثيرا من بعد سقوط هانى محفوظ فى قبضة الحرام.


7- أحداث بطيئة وسرد قوى

تظهر مجموعة من الشخصيات تباعا، وهى تلك المجموعة التى تنسج الشبكة التى صنعت دائرة حول هانى محفوظ، فمن رأفت إلى عبد العزيز والبرنس وكريم ومحمد سكر، تتبدل الأشخاص ولكن لا تتنوع الأحداث، فالمشاهد واحدة.

المشهد الذى تكرر فى أغلب الصفحات هو مشهد لقاء «محفوظ» برجل أحبه أو تمناه أو حتى رجل سقط فى فخه، وهو ما رأيته ابتذالا من نوع جديد، فأنا لست ضد توظيف مشاهد الجنس فى أحداث أى رواية، فقط لو كانت تضيف للأحداث أو تصفها بشكل أكثر وضوحا، ولكن أن يتم الحكى بسفور شديد وكلمات تحمل السوقية عنوانا تحت عنوان الواقعية، هو ما أراه مرفوضا على الأقل بالنسبة لى كقارئ وليس كناقد.

وعلى الرغم من أن الروائى يمتلك لغة عربية سليمة وقوية إلا أن وصف المشاهد الجنسية تم بشكل مباشر وبكلمات أقل ما يقال عنها أنها بذيئة، بالإضافة إلى أن توضيح فكرة أن هانى محفوظ هو شاب مثلى كان من الممكن أن تتم من خلال مشهد أو اثنين أو ربما ثلاثة، ولكن أن تنتقل الرواية بين مشاهد كلها بنفس الشكل والأسلوب والألفاظ وكأنها حالة من الاستنساخ الأدبى أو تكرار المشهد بنفس الطريقة، فهذا ما رأيته غريبا ولم يجد لدى استحسانا.

لا توجد أى أحداث جديدة فى الرواية، فلا الأحداث متلاحقة ولا حتى بطيئة، فى الحقيقة أنها رواية بلا أحداث، اللهم إلا مشاهد التعذيب التى لاقاها محفوظ وشلته قبل إلقاء القبض عليهم فى قسم الأزبكية، وهى محاولة من الكاتب لتسليط الضوء على ممارسات الشُرطة، وخصوصا فى تلك القضايا التى يصبح من السهل إجبار المتهمين فيها على الاعتراف سواء بالحقيقة أو بتلقينهم الاعترافات حتى لو لم تكن حقيقية، ومن ثم الوصف الدقيق لحالة الإنسان الذى يقع فى قبضة قضية سواء كان مُدانا فيها أم غير مدان، ولكنها تترك على عينيه الشريطة السوداء حتى بعد إثبات براءته.

تنتهى الرواية كما بدأت بنفس المشهد، مشهد القبض على هانى محفوظ وإطلاق صراحه، ولم يعد أحد يسأل عنه، وما إذا كان يعيش بحق أم أنه كان مجرد اشتباه؟، تستعرض الرواية على هامش الأحداث مثلا، قصة زواج هانى محفوظ من شيرين وإنجابه طفلة منها، على الرغم من أن الروائى وصفه بأنه «سلبى»، الغريب حقا أن الروائى مر على تلك الزيجة مرور الكرام، على الرغم من أنى أراها قصة كان من الممكن أن ينسج منها أحداثا كثيرة أكثر تشويقا قد تصنع بُعدا أكثر إنسانية لو تم تناولها بشكل أكبر.

ولا يسعنى فى النهاية إلا أن أصف تلك الرواية التى مازلت لا أفسر سبب وصولها للبوكر، إلا بالجُملة التى كتبها قارئ يصف فيها رأيه بكل عفوية وبساطة، إذ قال: «من الممكن أن نطلق على تلك الرواية تعبير مُحامى جيد وقضية خاسرة».


8- ثانيا: "منتجع الساحرات"

مازال الروائى السودانى أمير تاج السر قادرًا على الوصول إلى قوائم الأكثر مبيعا والأكثر تميزا وتفردا، فى عشرة إصدارات روائية استطاع أن يضع قدمه على أرض صلبة بين الروائيين، تأثر بمُناخ وطنه السودان وبمشكلات أبناء هذا الوطن، فاجتر من ذاكرة الوطن كل الفظائع والفجائع والهزائم الإنسانية، وما زال القمع واللجوء القسرى ومشاكل الأقليات هى السمة الغالبة لأغلب أعماله.

تدور رواية منتجع الساحرات الصادرة عن دار الساقى للنشر فى 178 صفحة عن حياة اللاجئين الوافدين إلى السودان من البلاد المجاورة، فى ساحة المزاد.. حيث عالم المحتالين والمجرمين، وحيث يعرض كل شيء للبيع، مبيدات القمل والصراصير، والأطفال اللقطاء، والدراجات النارية المستعملة، وأسرة المرضى بالمستشفيات التى نهبها المرضى أنفسهم، والنظارات الطبية النادرة، والتماثيل الخشبية المهربة.

يسلط «تاج السر» الضوء على منتجع الساحرات الذى كان سوقاً شعبيا، ثم أصبح موقفا لباصات السفر ولم تتغير تسميته بمرور السنين، «عبد القيوم دليل جمعة» السودانى الذى كان لقبه قبل أن يبلغ العشرين عبد القيوم النحيل، الشاب الذى أحب اللاجئة الإريترية «أببا تسفاى» حين حلّت كبائعة شاى بمنتجع الساحرات.

هذه اللاجئة التى وقع هو وغيره فى غرامها مثل قمزحاى تيرسو أو أبرهان لولى الشخصية الغامضة المتنقلة بين مفسر أحلام ومنتج سينمائى وصانع أحذية وينتهى سجينا مع عبدالقيوم، ومنهم أيضا مدير الموقف عبدالباسط شجر ومساعده ذو الرائحة الكريهة ناهوم عرجا، هذا الفتى الذى تنتهى أحداث الرواية بقيامه باغتصاب أببا وقتلها، وبعدها تتفتح له أبواب الهجرة مع عجوز جاءت لاستكمال دراسة بدأتها عن الروائح، ويعود عبد الباسط باحثا عن حبيبته المعلمة القديمة منذ 40 سنة ليلبسها الأصفر الذهبى الذى أغوته به ذات يوم أببا.


9- من السجن إلى الضياع

يخرج عبدالقيوم من سجنه بعد تهمة لفقها له عبد الباسط شجر وأتباعه، بعدما اتهموه بأنه حاول الاعتداء على مستورة، و ذلك كى يجدوا سبيلا لأببا بعيدا عنه وعن حراسته لها، يخرج من سجنه ولا يجد أببا فى كوخها فيحاول الانتحار لكنه يمتنع ويواصل سيره، فى تلك الأثناء تلجأ أببا إلى حى المرابيع الذى يضم كثيرا من اللاجئين أمثالها، هناك فى تلك الأجواء حيث تعود الكائنات إلى بدائيتها.

ويوضح الروائى بذكاء كيف أنه قبل أن تصل «أببا تسافى» كان المكان هادئا عاديا، لكن وصول اللاجئة الإريترية الحسناء أربك هذا النظام الذى تأسس على القمع والفظاعة، ويصفها بالآتى: «كان المكان بكل عمقه وسطحيته وتفكير أدمغته أو خمودها، إخوة أعداء.. إما فى حب إببا ومحاولات إخضاعها جسديا وروحيا لذلك الحب.. وإما فى كرهها ومحاولات إنهاء صنعتها كبائعة للشاى مميزة وذات رونق جاءت فجأة واستولت على الرزق كله».

وهذا ما يوفره فضاء منتجع الساحرات، ذلك الفضاء الهامشى الشعبى الطافح بالأجناس والجنسيات حيث تختلط العلاقات وسير الناس بسير الحيوان، لا تسمع فيه إلا النابى من الخطاب حيث تسن فيه الخناجر وكإنما الفضاء ساحة للصراع من أجل البقاء، صراع مع الجوع والمرض والشر والبشاعة فى كل تجلياتها، مناخ خانق يجعلنا أمام صورة تستمد رتوشها من واقع اللاجئين والقرى الحدودية فى السودان، حيث يتكدس الغرباء بكل ما يحملون من بقايا هويات مختلفة وعقائد متباعدة تدفعهم إلى معركة فاصلة، يقررون خوضها من أجل البقاء.


10- أببا والمجهول

لم تكن اللاجئة الإريترية الجميلة تتصور أن الحرب التى هربت من نيرانها وأطرافها المتصارعة ستكون أهون عليها من الوجود القسرى فى منتجع الساحرات، هذا المكان المسكون بالعنترية الذكورية وقوامة الرجال الزائفة بالقوة، لم تكن اللاجئة الرقيقة تتوقع أنها ستقيم ثورة فى مملكة بائعات الشاى لتتحول حياتها إلى طريق آخر، طريق تسير فيه بخطوات المرأة التى تبحث عن الخلاص.

يصور أمير تاج السر فى «المنتجع» المرأة فى زمن اللادولة، أو زمن الانفلات الوحشى فى غياب القانون الذى عوضه قانون القوى، القوى الفردية وليست القوة المؤسسية، قوى لم يستمد قوته ولا الحق فى استعمالها من الشعب إنما هى قوة الفرد المستبد بالسلاح والعضلات، هنا يجب أن أقول أن الرواية تحتاج من القارئ تركيزا مخيفا حتى لا تتوه منه الشخصيات أو تنفلت من بين يديه الأحداث المتشابكة المتلاحقة.

لكن وبكل صدق، استطاع تاج السر كعادته أن يقوم بالسرد الدقيق الساحر الذى يغلف الرواية بقدر تداخل أحداثها وشخصياتها، ذاك السرد الذى يدفعك كلما تعثرت من صعوبة اللغة للغوص أكثر للبحث عن مزيد من الإسقاطات، فهو مثلا يقول بأسلوب ناعم ساحر وسط كم كبير من الإحباطات الحدثية: «فى حى المرابيع الذى يقع فى الطرف الشرقى للمدينة، مُحاطا بغابات المسكيت المالحة، وحكايات الجن الذى يتناسل فى تلك الغابات، ويغزو المدينة بأكملها فى الليالى المظلمة».


11- المرأة فى منتجع الساحرات

لا يمكن إلا أن نرى بوضوح ما أراد أن يقوله الروائى المخضرم أمير تاج السر، فهو منذ أول قطرة حبر يبدو عارى الأفكار أمام القارئ، أو بمعنى آخر يستطيع القارئ أن يقرأ شخصيته وتفاصيله الدقيقة فى السطور، فهو يتحدث عن النساء إيمانا منه بقضاياهن.

مؤخرا أصبحت المرأة العربية فى بعض بلدان ثورات الربيع العربى هاربة شاردة فى الحدود وفى المخيمات من بطش الحروب وتجار الرقيق والإرهابيين ومؤخرا داعش، فإما هى جارية تباع فى سوق النخاسة، وإما هى ميتة من البرد أو الجوع، وإما مطاردة من ذئاب جائعة فى ليل بهيم وإما ترسو جثة على شواطئ الهجرة غير الشرعية، هكذا لمحنا النساء فى ليبيا وسوريا وبكل أسف العراق.

الرواية تتجاوز الحديث عن المرأة السودانية وتتحدث بإشارات واضحة إلى المرأة فى دول العالم الثالث باضطراباته وغرقه فى العنصرية واضطهاد النساء فى زمن الحرب حيث ينهض جمال المرأة ضد قبح العالم وقسوته.. إنها بحق رواية تستحق القراءة.