منال لاشين تكتب: ضرب مصر بشائعة الإفلاس

مقالات الرأي



■ الهدف المشبوه لمثل هذه الأكاذيب هو تخويف المصريين سواء فى الداخل أو الخارج.. واستهداف البنوك المصرية بشكل خاص..لأن مصر تمتلك جهازا مصرفيا قويا ويمثل عصب الاقتصاد المصرى

■ مصر طرحت سندات دولية بالدولار يتهافت المستثمرون عليها وهذا أكبر دليل على ثقة الأجانب والمؤسسات فى الاقتصاد المصرى

■ الشائعة تطل من حين لآخر بعد ثورة 30 يونيو وعلى مواقع الإخوان وصفحاتهم

■ الهدف من الشائعة ضرب البنوك والودائع المصرية سواء بالجنيه أو بالدولار

■ مصر عاشت خمس سنوات دون احتياطى نقدى وكانت مديونة لنادى باريس ولم تشهر إفلاسها


خرج الإخوان من الساحة السياسية أو بالأحرى فشلوا على أرض الواقع، لم يعد لديهم قدرة على الحشد لمظاهرة.ولكنهم يحاربون مصر وشعبها بحيل أخرى قذرة، لا أقصد الإرهاب فقط، فهناك ما هو أخطر من الإرهاب.

نحن أمام إرهاب اقتصادى على الإنترنت. إرهاب لا يستهدف البشر ولا يترك وراءه دما طاهرا.. ولكنه يستهدف المؤسسات الاقتصادية خاصة البنوك. هذا الخطر يطل برأسه من حين إلى آخر. ومن المؤسف أن تتورط فى هذا الفخ صحف مصرية، وأن يتورط بعض الأذكياء فى فنكوش اسمه إفلاس مصر. وأن يقعوا فى فخ إخوانى حقير. فخ يحاولون أن نقع فيه أنا وأنت وكل مصرى. فخ يستهدف البنوك المصرية والعلاقة بين المصرى والجهاز المصرفى.

هذه خطة حقيرة لإثارة فزع المصريين، ولا يجب الانقياد وراءها أو السكوت عليها. وإن كنت أثق أن المصريين أكثر ذكاء من الوقوع فى الفخ، ولكن أتناول فنكوش إفلاس مصر الذى يطل برأسه من حين لآخر منذ ثورة 30 يونيو.


1- تاريخ من الكذب

آخر فنكوش إفلاس مصر ظهر عبر موقع إخوانى، ونسب حكاية إفلاس مصر إلى تقرير سرى للغاية. التقرير المزعوم صادر عن خبراء فى البيت الأبيض ولجنة الشئون الخارجية بالكونجرس الأمريكى. ولم تشر ولا جريدة أو موقع إخبارى أجنبى لهذا التقرير لا من بعيد ولا من قريب.

والتقرير السرى للغاية حصل عليه موقع عربى صغير من على مكتب ترامب أو اخترقوا الكونجرس أو البيت الأبيض.

وحكاية التقرير السرى للغاية لها سبب وجيه، ووراءها قصة طريفة.

فقد اعتادت المواقع والصفحات الإخوانية أن تنسب شائعة إفلاس مصر لتقارير مؤسسات دولية أو صحف شهيرة، ولكن سرعان ما كان المصريون والمهتمون بمتابعة الاقتصاد يكشفون زيف وكذب هذه التقارير. فبمجرد الدخول على موقع المؤسسات المالية أو الصحف المشار إليها فى تقارير الإخوان المزعومة لا تجد أى أخبار أو تقارير عن إفلاس مصر. ولذلك لجأ الإخوان إلى حكايات التقرير السرى للغاية الذى على مكتب ترامب.

ومن الحكايات والنوادر أن موقعا إخوانيا شهيرا نسب تقريرا عن إفلاس مصر لموقع أجنبى يختص بالفضائح الجنسية ولا علاقة له بالاقتصاد من قريب أو بعيد. وقد تكررت هذه اللعبة عدة مرات. وفى بعض المرات كانوا يضعون فيديو لوزير أو مسئول مصرى ويكتبون مع الفيديو الوزير الفلانى يعترف: مصر على وشك الإفلاس أو شفا الإفلاس. وإذا فتحت الفيديو تجد كلاما آخر للوزير لا علاقة له بحكاية الإفلاس، بل تجد الوزير يؤكد متانة الاقتصاد المصرى وقوته. ونسبوا أيضا لوكالات مالية محترمة مثل بلومبرج حكاية إفلاس مصر، ولم يحدث أن تحدثت هذه المؤسسة أو غيرها من مؤسسات التصنيف المالية عن إفلاس مصر.


2- الإفلاس والكوارث الطبيعية

المثير أن التقرير السرى المزعوم نفسه يفطس من الضحك. لأن القراءة المتأنية له تكشف أنه تقرير إخوانى. فالتقرير يزعم أن توتر العلاقة بين مصر وبعض دول الخليج سببه سيطرة الجيش على الاقتصاد. وهذه القصة تزعج الإخوان لا إخواننا فى الخليج. كما أنه يحاول أن يبدو منطقيا لأن الأرقام التى يعرضها لا تؤدى إلى الإفلاس. فيقول: «رغم الطول الزمنى اللازم لحدوث الأزمة فإن الإحساس بعواقبها سيكون سريعا. ولم يستطع المصريون شراء الوقود أو السلع الغذائية».

وهذا خلط كبير بين الإفلاس والأزمات الاقتصادية التى تمر بها مصر ويعترف بها الجميع وعلى رأسهم رئيس الجمهورية نفسه.

ويتحدث التقرير عن أن الكوارث الطبيعية ممكن أن تسرع من الوصول للإفلاس. وهو بذلك الأمر يجزم بوقوع كوارث طبيعية فى مصر. لأن المطلوب - كل المطلوب - هو حبكة اقتصادية درامية بأن الإفلاس قادم قادم.

وعندما يتحدث التقرير عن الاحتياطى النقدى فيقول إن جزءا كبيرا منه منح خليجية. وهناك بالطبع نسبة مهمة من الاحتياطى منح خليجية. ولكن بعد التعويم ارتفعت مرة أخرى تحويلات المصريين فى الخارج. وكمثال على هذا الارتفاع فإن الزيادة بلغت 15% فى شهر ديسمبر مقارنة بالعام الماضى. فمن بين فوائد التعويم القليلة جدا أنه قضى على السوق السوداء وأصبح المصريون فى الخارج يقومون بتحويل الدولار عن طريق البنوك. والبنوك حصلت على أكثر من 7 مليارات دولار بعد ثلاثة أشهر من التعويم. ولكن التقرير المزعوم يتجاهل أثر انتهاء السوق السوداء فى مصر على ضبط الدولار.

تقرير فنكوش الإفلاس يتجاهل أن مصر عاشت خمس سنوات دون احتياطى نقدى نهائى وذلك فى فترة أوائل التسعينيات، وكانت مصر مديونة ولم تشهر إفلاسها.

بل إن مصر شهدت فترتين فى الثمانينيات من القرن الماضى أيام عاطف صدقى. وكانت الفترتان قد شهدتا مؤشرات اقتصادية ومالية أسوأ من الآن. وذلك من حيث زيادة عجز الموازنة أو الدين الإجمالى. وفى إحدى المرات كان الدين الإجمالى يتجاوز الناتج المحلى بـ120%. ودخلت مصر اتفاقا مع صندوق النقد للحصول على قرض. ولم تتحدث الصحف الدولية أن مصر تشهر إفلاسها أو تبحث المؤسسات الدولية إفلاس مصر.


3- خدعة اليونان

فى التقرير المزعوم هناك إشارات للوضع الاقتصادى لليونان ومقارنات بين اليونان ومصر أو بالأحرى إفلاس اليونان وإفلاس مصر.

وهذه المقارنة تنم عن الجهل الشديد أو الخبث الشديد. فمصر تعانى بالفعل من أزمة اقتصادية شديدة، ولكن لا يوجد تشابه بين النموذج اليونانى والأزمة المصرية. وذلك لاختلاف هيكل الديون بين كل من اليونان ومصر. وهيكل الديون أحد أهم الفروق والعوامل فى إمكانية السداد. كما أن اليونان لم تكمل خطة تقشف مثل الخطة المصرية التى بدأت مصر بها. من ناحية أخرى، فإن اليونان. رفضت إكمال تعهداتها مع الدائنين الأوروبيين. والحقيقة أن التجربة اليونانية مهمة لأسباب أخرى، وإن كان يصعب الحديث عن الأزمة اليونانية فى بعض سطور.

وعلى الرغم من ارتفاع حجم الدين الخارجى لمصر ليصل إلى 60 مليار دولار فإن نسبة كبيرة من هذه الديون لمؤسسات دولية من البنك الدولى والصندوق والقروض يتم سدادها على 30 عاما ولذلك لم تعجز مصر عن سداد أقساط هذه الديون. والمنح والسندات الخليجية فى حدود آمنة مقارنة بالتدفقات الدولارية المتوقعة فى العامين القادمين. خاصة مع اقتراب ظهور إنتاج الغاز من حقل «ظهر» وتصديره. وهذا الأمر سيوفر ثمن الغاز الذى تشتريه مصر الآن من ناحية، ويوفر عملة صعبة واحتياطى نقدى لمصر من ناحية أخرى.

المثير أن التقرير المزعوم لم يشر لاكتشافات الغاز فى مصر سواء حقل «ظهر» أو غيره، وزعم أن مصر لا تمتلك تفوقا اقتصاديا إلا فى قطاع الاتصالات فقط.


4- بعبع الإفلاس

علميا فإن الدولة تفلس أو تشهر إفلاسها إذا عجزت عن سداد أقساط الديون الخارجية. أو بالأحرى استمرت فى عدم السداد، لأن بعض الدول تلجأ إلى طلب إعادة جدولة ديونها بشروط وفوائد جديدة.

ومصر تتمتع بسمعة طيبة جدا فى المؤسسات الدولية فيما يتعلق بالديون، فمصر حريصة على سداد المديونيات فى مواعيدها رغم كل الأزمات الاقتصادية والمالية التى تمر بها مصر. حدث ذلك مع الودائع القطرية ومع وديعة تركيا ومع الوديعة السعودية. وأقساط ديون نادى باريس التى تسددها مصر مرتين سنويا بمنتهى منتهى الالتزام.

والأسبوع قبل الماضى كان هناك حادث مهم جدا يكذب بشكل عملى جدا فنكوش الإفلاس أو أى مخاوف دولية من الإفلاس.

فقد طرحت مصر سندات دولية بالدولار فى أسواق المال الدولية. وهى أسواق لا توجد فى قاموسها لا أخوة ولا دم ولا محبة. ولكنها أسواق تعتمد على البحث عن متانة الوضع المالى والاقتصادى للمؤسسة أو الدولة المصدرة للسندات. وكانت مصر تستهدف سندات بـ4 مليارات دولار كحد أقصى. ولكنها تلقت عروضا بأضعاف أضعاف هذا المبلغ. وحشدت المؤسسات والبنوك الدولية كل إمكانياتها للفوز بجزء من السندات الدولية. ومن غير المتصور أو المقبول أو المعقول أن تهرول أكبر المؤسسات المالية فى العالم على سندات دولة مقدمة على الإفلاس أو تنتظر الإفلاس. لأنه من غير المتصور أن تغامر هذه المؤسسات بأموالها فى دولة على شفا الإفلاس كما يردد التقرير المزعوم والذى جرى وراءه بعض الصحفيين مع الأسف الشديد.


5- الهدف المشبوه

هذا التقرير المشبوه المزعوم عن إفلاس مصر لا يستهدف الأجانب، لأن الأجانب لديهم مصادر معلومات تكشف هذه الأكاذيب. ولذلك لم يتأثروا بمثل هذا الفنكوش. كما أن الأجانب لا يستقون معلوماتهم الاقتصادية والمالية من المواقع الصغيرة وغير المتخصصة. ولكنهم يعتمدون على المؤسسات المالية والبحثية العالمية.

ولذلك فإن الهدف المشبوه لمثل هذه الأكاذيب هو تخويف المصريين سواء فى الداخل أو الخارج. واستهداف البنوك المصرية بشكل خاص. لأن مصر تمتلك جهازا مصرفيا قويا ويمثل عصب الاقتصاد المصرى وشريانه، والجهاز المصرفى يحظى بثقة خرافية لدى المصريين، خاصة بعد التعويم حيث عادت البنوك لعهدها فى تلقى أموال المصريين بالخارج. وهو أمر أزعج خصوم مصر وأعداءها.

ولذلك يجب ترويع المصريين بتقرير الإفلاس المضروب، فالهدف أن يصاب الناس بالفزع على ودائعهم فى البنوك. سواء كانت هذه الودائع بالجنيه أو الدولار. الهدف أن ينتشر الخوف والذعر من المستقبل. وأن يبتعد المصريون بأموالهم عن الجهاز المصرى الداعم والمساند للاقتصاد المصرى. الهدف هو محاولة إحياء السوق السوداء والدولرة مرة أخرى. لأن حالة الرعب قد تؤدى إلى أن يحاول البعض إخراج أمواله من مصر، ولذلك سيقوم بتحويلها للدولار أو عملات أجنبية أخرى. وسيلجأ للسوق السوداء وهذه الخطوة هى أحد أهداف الحملة المزورة والمشبوهة لمثل هذه الادعاءات والأكاذيب التى لا محل لها من الإعراب أو التصديق.

مرة تمر بالفعل بأزمة اقتصادية حادة، ولا يوجد عاقل أو حتى نصف مجنون ينكر الوضع الاقتصادى الحرج الذى تعيشه مصر. ولكن الأمر لا يتعلق بأى حال من الأحوال بالوصول للإفلاس. ولكنه يتعلق بأحوال صعبة مستمرة لعدة سنوات بالنسبة لمعيشة المصريين. الأمر يتعلق بقدرة مصر على المضى قدما فى مشروعات جديدة. فلا تتركوا آذانكم أو بالأحرى عقولكم لمثل هذا الفنكوش.