طلاق شفوى بين الرئاسة والأزهر

العدد الأسبوعي

الرئيس السيسي - الدكتور
الرئيس السيسي - الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر


قرار هيئة كبار العلماء.. باطل


«الأزهر لن يجدد الخطاب الدينى»، تلك النتيجة الواضحة انفردت بها «الفجر» فى عددها السابق، قبل صدور قرار هيئة كبار العلماء، بأن الطلاق الشفوى أصل لا يجوز الالتفاف عليه، فى رفض واضح للاستجابة لدعوة الرئيس عبد الفتاح السيسى، للمؤسسة الأزهرية بتجديد الخطاب الدينى، وإن غسل الأزهر يده من طلب الرئيس منع الطلاق الشفوى، بالقول من حق أولى الأمر والمشرع إصدار القوانين التعزيرية فى هذا الشأن.

بيان هيئة كبار العلماء، التى اجتمعت لدراسة مسألة الطلاق الشفوى، جاء مطابقاً لكل كلمة قالتها «الفجر» من أن الطيب لن يجدد الخطاب الدينى، لا وهو ولا معظم علماء الأزهر، وإن كان هناك آخرون يسعون ويحاولون إلقاء حجر فى بحر تجديد الخطاب الدينى الميت.

منذ مطلع الأسبوع الجارى شهدت مشيخة الأزهر حراكاً ونشاطاً جديداً عليها، بداية من الدعوة لعقد اجتماع طارئ لهيئة كبار العلماء، للرد على طلب الرئيس السيسى، من الأزهر ممثلاً فى شيخه الدكتور أحمد الطيب، بإيجاد حل للطلاق الشفوى، وضرورة أن يكون التطليق من خلال المأذون، ووفقاً لمصادرنا فإن اتصالات كثيرة دارت بين الأزهر ومؤسسة الرئاسة لحل تلك الأزمة، فرمى الطيب الكرة فى ملعب هيئة كبار العلماء لتقرر ما تراه.

جميع قرارات الهيئة باطلة من الناحية القانونية، ولا يعتد بها خصوصاً أن نصابها القانونى غير مكتمل، لأنه يتم بحضور وتصويت 26 عالماً يمثلون أكثر من ثلثى العدد القانونى لها والذى يصل لـ40 شيخاً، فيما يصل عدد أعضاء الهيئة حالياً لـ14 فقط، حيث توفى أكثر من 8 علماء واستقال آخرون، ولم يقم الطيب بتعيين آخرين لاستكمال العدد.

بدأت الأزمة فى 24 يناير الماضى عندما قال الرئيس السيسى جملته الشهيرة، «تعبتنى يا مولانا» فى إشارة إلى عدم قيام الطيب بدوره فى تجديد الخطاب الدينى رغم تكرار الطلب، وفى صباح اليوم التالى خرج الدكتور عباس شومان، وكيل مشيخة الأزهر، الأمين العام لهيئة كبار العلماء، وأعلن أن هناك لجانا فنية وعلمية من مجمع البحوث الإسلامية وهيئة كبار العلماء تبحث الملف، وفى الثانى من فبراير أعلن الدكتور شوقى علام مفتى الجمهورية، أن تخوف رئيس الجمهورية فى محله، من زيادة نسبة الطلاق وضرورة البحث عن حل ولو بإلغاء الطلاق الشفوى، وفى الخامس من فبراير الجارى، استدعت هيئة كبار العلماء المفتى لاجتماعها العاجل لاتخاذ قرار فى الموضوع.

انتظرنا القرار التاريخى، وإنا كنا فى «الفجر» علمنا بتفاصيله قبل صدور بيان الهيئة الذى ننشره نصاً لأنه حافل بالتناقضات والألاعيب السياسية للهروب من مسئولية تجديد الخطاب الدينى.

قالت الهيئة: «انطلاقًا من المسئوليَّة الشرعيَّة للأزهر الشريف ومكانته فى وجدان الأمَّة المصريَّة التى أكَّدها الدستور، وأداءً للأمانة التى يحملُها على عاتقِه فى الحِفاظ على الإسلام وشريعته السمحة على مدى أكثر من ألف عام من الزمن وانتهى الرأى فى هذا المجلس بإجماع العلماء على اختلاف مذاهبهم وتخصُّصاتهم إلى القرارات الشرعية التالية:

أولاً: وقوع الطلاق الشفوى المستوفى أركانه وشروطه، والصادر من الزوج عن أهلية وإرادة واعية وبالألفاظ الشرعية الدالة على الطلاق، وهو ما استقرَّ عليه المسلمون منذ عهد النبىِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وحتى يوم الناس هذا، دونَ اشتراط إشهاد أو توثيق.

ثانيًا: على المطلق أن يبادر فى توثيق هذا الطلاق فَور وقوعِه؛ حِفاظًا على حُقوقِ المطلَّقة وأبنائها، ومن حقِّ وليِّ الأمر شرعًا أن يَتَّخِذَ ما يلزمُ من إجراءاتٍ لسَنِّ تشريعٍ يَكفُل توقيع عقوبةً تعزيريَّةً رادعةً على مَن امتنع عن التوثيق أو ماطَل فيه؛ لأنَّ فى ذلك إضرارًا بالمرأة وبحقوقها الشرعيَّة.

وترى هيئة كبار العلماء أنَّ ظاهرةَ شيوع الطلاق لا يقضى عليها اشتراط الإشهاد أو التوثيق، لأن الزوجَ المستخفَّ بأمر الطلاق لا يُعيِيه أن يذهب للمأذون أو القاضى لتوثيق طلاقه، علمًا بأنَّ كافَّة إحصاءات الطلاق المعلَن عنها هى حالاتٍ مُثبَتة ومُوثَّقة سَلَفًا إمَّا لدى المأذون أو أمام القاضى، وأنَّ العلاج الصحيح لهذه الظاهرة يكون فى رعاية الشباب وحمايتهم من المخدرات بكلِّ أنواعها، وتثقيفهم عن طريق أجهزة الإعلام المختلفة، والفن الهادف، والثقافة الرشيدة، والتعليم الجادّ، والدعوة الدينية الجادَّة المبنيَّة على تدريب الدُّعاة وتوعيتهم بفقه الأسرة وعِظَمِ شأنها فى الإسلام؛ وذلك لتوجيه الناس نحوَ احترامِ ميثاق الزوجية الغليظ ورعاية الأبناء، وتثقيف المُقبِلين على الزواج.

كما تُناشِد الهيئةُ جميعَ المسلمين فى مشارق الأرض ومغاربها الحذَر من الفتاوى الشاذَّة التى يُنادى بها البعض، حتى لو كان بعضُهم من المنتسِبين للأزهر؛ لأنَّ الأخذَ بهذه الفتاوى الشاذَّة يُوقِع المسلمين فى الحُرمة.

وتهيب الهيئة بكلِّ مسلمٍ ومسلمةٍ التزام الفتاوى الصادرة عن هيئة كبار العلماء، والاستمساك بما استقرَّت عليه الأمّةُ؛ صونًا للأسرة من الانزلاق إلى العيش الحرام.

وتُحذِّرُ الهيئة المسلمين كافَّةً من الاستهانة بأمرِ الطلاق، ومن التسرُّع فى هدم الأسرة، وتشريد الأولاد، وتعريضهم للضَّياع وللأمراض الجسديَّة والنفسيَّة والخُلُقيَّة، وأن يَتذكَّر الزوجُ توجيهَ النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّ الطلاق أبغَضُ الحلال عند الله، فإذا ما قرَّر الزوجان الطلاقَ، واستُنفِدت كلُّ طرق الإصلاح، وتحتَّم الفراق، فعلى الزوج أن يلتزم بعد طلاقه بالتوثيق أمام المأذون دُون تَراخٍ؛ حِفظًا للحقوق، ومَنعًا للظُّلم الذى قد يقعُ على المطلَّقة فى مثلِ هذه الأحوال.

كما تقترحُ الهيئة أن يُعادَ النظرُ فى تقدير النفقات التى تترتَّب على الطلاق بما يُعين المطلَّقة على حُسن تربيةِ الأولاد، وبما يتناسبُ مع مقاصدِ الشريعة.

وتتمنَّى هيئةُ كبار العلماء على مَن «يتساهلون» فى فتاوى الطلاق، على خلاف إجماع الفقهاء وما استقرَّ عليه المسلمون، أن يُؤدُّوا الأمانةَ فى تَبلِيغ أحكامِ الشريعةِ على وَجهِها الصحيح، وأن يَصرِفوا جُهودَهم إلى ما ينفعُ الناس ويُسهم فى حل مشكلاتهم على أرض الواقع؛ فليس الناس الآن فى حاجةٍ إلى تغيير أحكام الطلاق، بقدر ما هم فى حاجةٍ إلى البحث عن وسائل تُيسِّرُ سُبُلَ العيش الكريم.

انتهى البيان الذى يؤكد أن الأزهر لن ولم يجدد الخطاب الدينى، وأن البيان السابق دليل على وقوع الطلاق الشفوى بين مؤسستى الرئاسة والأزهر.

حسب مصادر كان هناك خلاف واضح داخل هيئة كبار العلماء نفسها فى مسألة الطلاق الشفوى، وخلاف بين دار الإفتاء ووزارة الأوقاف» .

ألقت هيئة كبار العلماء، الكرة فى ملعب الرئيس ومجلس النواب فى إصدار قوانين تلزم المطلق بتوثيق الطلاق، وأكدت فى الوقت نفسه شرعية الطلاق الشفوى، ما يوضح عمق الخلاف بين الشيخ والرئيس مفادها أن الطلاق الشفوى شرعى، أما إصدار قانون يلغى شرعيته فالرئيس والبرلمان هما المختصان بهذه المسألة وكان الطرف الثانى يريد تحريم ما أحلته هيئة كبار العلماء.

هذا البيان وإن كان فى ظاهره يدل على إجماع العلماء، فإن كواليسه شهدت هناك خلافاً حاداً حيث رأى الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية الذى تم استدعاؤه لحضور الاجتماع، أنه لا مانع من توثيق الطلاق طالما تقتضى الضرورة ذلك وهناك فتاوى صادرة عن دار الإفتاء تبيح الطلاق المكتوب والموثق عند مأذون أو قاض، ولكنه فى النهاية وافق على إجماع الهيئة، خصوصاً أن استدعاءه للحضور حتى تلتزم دار الإفتاء بقرار الهيئة لا أكثر ولا أقل.

نفس الأمر انطبق على الدكتور على جمعة، مفتى الجمهورية السابق، عضو هيئة كبار العلماء، والذى رفض فكر اعتبار الطلاق الشفوى أصلاً ولكن يجب شرعا إلزام المطلق بالتوثيق واعتبار الطلاق الموثق هو الواقع حفاظا على العائلات وتجنبا للوقوع فى الشبهات وفى المحرمات، والضرورات تبيح المحظورات.

وهناك من أعضاء الهيئة من اعترض واعتبر أن الطلاق المكتوب يفتح باب الشبهات والوقوع فى الزنى والمحرمات بين الزوجين لأن عدم الاعتداد بالطلاق الصادر من الزوج ذنب عظيم لا يستطيع أن يقابل به الله خصوصاً أن التوثيق أمر لم يقل به الرسول «ص» ولا الأئمة السابقين على اتساع مذاهبهم وإن كانت هناك أقوال شاذة، وهو ما وافق عليه كل من الدكتور عباس شومان والدكتور أحمد عمر هاشم، وفى النهاية خرج البيان بهذا الشكل بعد لغط كبير خصوصا أن الدكتور الطيب لن ولم يستطع مواجهة كل التقارير الفنية التى وردت له من مجمع البحوث الإسلامية واللجان الفقهية بالمشيخة وجامعة الأزهر التى أيدت فكرة الطلاق الشفوى ورفضت الطلاق المكتوب رفضاً قاطعاً.

على صعيد متصل رفض كثير من أساتذة جامعة الأزهر وعلماء المشيخة التعليق على ما اعتبروه فتنة الطلاق الشفوى إما خوفاً من معاقبة الأزهر إداريا لهم لخروجهم على النص أو لتجنب البلبلة ولم يخرج سوى رجل واحد وهو الدكتور سعد الهلالى الذى اعترض على قرار الأزهر ورفضه للطلاق المكتوب والموثق وأدلى بدلوه فى تلك النقطة على شاشات الفضائيات .

لكن هناك مواقف مغايرة ليست للأساتذة ولكن لمؤسسات دينية تعمل تحت إشراف الأزهر على رأسها وزير الأوقاف الذى قام فور صدور بيان هيئة كبار العلماء، بتوزيع كل واعظى الوزارة على المساجد المختلفة للحديث عن الطلاق المكتوب والموثق وأنه ضرورة لحماية الأسرة وأن الطلاق الشفوى يفتح باب الشبهات، فيما خصصت دار الإفتاء أبوابا خاصة للرد على كل فتاوى الطلاق للرد عليها ورفض الطلاق الشفوى، ويبقى سؤال واحد أين الدكتور أسامة الأزهرى المستشار الدينى لمؤسسة الرئاسة من تلك الأزمة؟