في "مملكة المساكين".. ظلم وقهر وثعابين وعقارب تنهي حياة المواطنين (تقرير فيديو)

مواطن من الدويقة
مواطن من الدويقة


عندما تحذو خطواتك الأولى داخل "مملكة المساكين"، تعتقد لوهلتك الأولى أنك في أحد مدن سوريا، أو أن صاروخًا ضرب المكان، ليطرحه أرضًا بلا حياة سوا للعقارب والثعابين.


ما أثار الحديث حول منطقة الدويقة هذه المرة، ليس كونها منطقة عشوائية، فالحديث حول هذا الموضوع لا يدر علينا جديدًا، ومازالت آذان المسؤولين صماء، ولكن وفاة أحد المواطنين أمام حي الدويقة، هو ما أعاد لتلك المنطقة حياتها من جديد، حول حديث الإعلام ومسامعه.

اتخذنا قرار التحرك للدويقة، بعد ورورد بيانات تفيد بتحرك حملة للإزالات لمناطق شديدة الخطورة بها، بعد سماعنا أنباءً تشير إلى وفاة أحد المواطنين إثر تعرضه لأزمة قلبية، من الحسرة والألم، بعد وعود تلقاها من الحي بحصوله على منزل جديد بعد هدم منزله، إلا أن رئيس الحي كافئه بإلقائه خارج أروقة الحي في العراء، وألقى بجواره أوراقه التي تؤكد ملكيته للمنزل لأكثر من ثلاثين عامًا، وأنه يعول أكثر من أسرة.

وبصوت يملأه الحسرة، يتحشرج داخل حنجرة إحدى ساكنات منطقة الدويقة، قالت لـ"الفجـر": إحنا كان المفروض نتحرك بجنازة عم فوزي كلنا في مظاهرة لحد ميدان التحرير، إحنا لينا حق، ومحدش بيسمعنا، والراجل اللي مات دمه في رقبة رئيس حي الدويقة، بيهدوا بيوتنا ويوعدونا ببيوت تانية ويرمونا في الشارع.

توقف قلب الرجل الستيني "عم فوزي" عن النبض، بعد محاولات منه أن يخرج من "كبوة الأحياء الأموات" لحياة أفضل، إلا أن لعنة العشوائيات أبت ذلك، وقررت أن يولد وتقبض روحه فيها، ولفظ أنفاسه الأخيرة، وهو يشعر بالظلم والقهر على رصيف حي الدويقة، دون أن يلتفت له رئيس الحي. أو أحد المسؤولين.

أطفال صغار بدأ العجز يخط ملامح وجوههم، وتخرج تشققات وتصدعات المنازل القديمة لتخط في كل وجه من أوجه تلك الأطفال الفقيرة، خطًا يعبر عن مآس في الدنيا يعيشون كل يوم ينتظرونها، لا يحلمون سوا بألا يمسك أحد أسلاك الكهرباء الساقطة في مياه الصرف الصحي بأرجلهم، لينهي حياة أحدهم، أو بألا يخرج على مضاجعهم مساءً أحد الثعابين التي تتسلل إليهم ليلًا مثل اللص الذي يتسلل إلى أحلامهم كل يوم، ليحولها إلا كابوس.

لطالما كان يعلم المسؤلون أن المناطق العشوائية بمصر، قد تسبب كوارث لا تحمد عقباها، وعندما قررت الحكومة أن تبدأ في إيجاد حل لذلك، أنهت العشوائيات وصنعت عشوائيات أكثر ظلمًا وقهرًا، وهي الخيام التي ينام بها سكان الحي، بعد هدم رئاسة الحي لمنازلهم الفقيرة، وحلت إحدى الأزمات بأزمة أكبر منها.

وقال أحد الشباب: "هم اللي بيصنعوا الإرهاب، بيقتلونا على قيد الحياة، والمفروض نسكن عشرين في شقة أو نترمي في الشارع أو نموت أحسن، سايبين شغلنا عشان نحرس عيالنا من الحرامية والتعابين".

وعلى الرغم من إطلاق أسم شارع عمر هاشم بالدويقة على أسمه، باعتباره أول القاطنين به منذ عام 1980، إلا أن الظلم لم يعذره أيضًا، وهدم منزل محمد عمر هاشم، أقدم ساكني حي الدويقة، وألقت به الظروف في عراء الطريق بأمتعته الفقيرة، يدعون أنها إزالات لمساكن عشوائية، ولكنها في الحقيقة إزالة لحياة وأحلام مئات "الغلابة".
 
قد تعتقد نفسك في كابوس، عندما تتناول طعامك، لتجد منزلك يسقط فوق رأسك، وتتساقط معه أحلامك البسيطة.. يوم ككل يوم، أو ربما تعتقده ذلك في بدايته، ولكنه يوم قررت فيه الحكومة أن تكتب شهادة وفاتك وشهادة وفاة ذكرياتك وأحلامك البسيطة في "مملكة المساكين".