محمد حسن عبد الله يكتب: اختلافكم رحمة .. واتفاقهم لعنة

ركن القراء

محمد حسن عبد الله
محمد حسن عبد الله


( جرة ربابة )
اختلافكم رحمة .. واتفاقهم لعنة 
 العبارة الأولى مستدعاة من تراثنا الفقهي الذي رأى – في حالات كثيرة – أن اختلاف الفقهاء في بعض الأحكام بين متشدد يأخذ بالعزيمة ، ومتسامح يأخذ بالرفق والممكن ، يعطي فرصة لمستويات القدرة على الأداء أن تكون في حدود الاستطاعة ، إذ ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) وقد اختلفت استجابات الأصدقاء من قراء ومضة سابقة عن إغفال أسماء المشاركين في حادثة ما ، أو التصريح بالأسماء الذي قد يأول تحت بند : قصد الإساءة ، أو ما يصدق عليه قول الشاعر : وإذا خلا الجبان بأرض طلب الطعن وحده والنزالا
وأعوذ بالله ، وأعيذ الأصدقاء أن نكون من هؤلاء . 
 أما اتفاق اللعنة ، فإنني أشير إلى حادثة مختلفة ، اتفقت الأطراف فيها على إهمالها ، ( وإنني – بالفطرة – أخشى مزاعم الإجماع ، وأراها قريبة من التدبير والكيد ، حتى وإن كانت حول وقوع الطلاق الشفوي ) !! 
 حين رأيت أن موعد مغادرة جامعة الكويت قد حان ، وأن العودة إلى الوطن قد وجبت ، إذ انضم اثنان من أولادي إلى التعليم في مصر ، إذ انتظم ( وائل ) في الفنية العسكرية ، وتبعه ( هاني ) في هندسة القاهرة ، وكنت حريصا على دراسة أبنائي في مصر ، لأن هذا أقوى " جذر " يغذي شجرة الانتماء التي حرصت عليها دائما . كان ذلك عام 1987 ، وحين وقعت على قرار عدم الرغبة في تجديد العقد مع الجامعة ، سارعت " رابطة أدباء الكويت " بإصدار عدد خاص – لأول مرة منذ تكوينها – تضمن مقالات ودراسات عن نشاطي الثقافي ، وما ألفت عن الكويت بصفة خاصة .. أدبها وفكرها ، وصحافتها ، ومسرحها ، وفنها ... إلخ . العدد الخاص صدر أول مايو 1987 وهو الشهر الذي غادرت فيه الكويت منهيا علاقة الوظيفة ، وكانت صورتي على الغلاف ، كما كانت مقدمة العدد التي كتبها الدكتور سليمان الشطي ، خاصة بما أنجزت من دراسات ، وفهرسها ، ردا على ما فهرست به صحافة الكويت ، منذ نشأتها وحتى سبتمبر 1972 . أما كُتاب العدد ما بين باحث ومجامل ومهنئ ، فقد كانوا من الكويت ولبنان وفلسطين والعراق ( فلم يطلبوا من مصري واحد بأن يشارك ) وصدر العدد ، ورأى الدكتور سليمان الشطي ، أن يجلد بعض النسخ ويرسلها مع خطاب مختصر إلى الشخصيات المؤثرة في الحياة المصرية ( الرسمية ) ويقول خطاب التغطية : إن ( فلان ) عمل معنا ربع قرن ، وأسدى إلى الحياة الثقافية في الكويت الكثير من الإنجاز العلمي ، كما كان ( إنسانا ) متسقا مع نفسه ، يقدم صورة طيبة عن وطنه مصر ، الذي لا يزال ينجب العقليات الكبيرة ، والأداء الشريف .
 أرسل الخطاب مع النسخ المجلدة في ذلك الشهر نفسه إلى : " رئيس الجمهورية – رئيس الوزراء – وزير التعليم العالي – وزير التربية – وزير الثقافة " وجلس أدباء الرابطة ينتظرون ، ولكنهم لم يتلقوا رداً واحداً ، وكأن هذه الصيحة كانت في وادي العدم ، مع أن واحدا من هؤلاء الوزراء كان يعرفني ويقربني مثلما كان يعرف أخاه ويقربه !! مع هذا لم يرد شأن الآخرين ، واكتفى بأن يقول عندما رآني عقب عودتي : " مبروك يا فلان .. لم أصدق أن هؤلاء يمدحون أحداً ، أو حتى يتركونه في شأنه ، وهذا معناه كبير بالنسبة لك " لزمت الصمت . 
 أما في الكويت فإنه بعد طول انتظار ، وامتداد الصمت ، قال لي رئيس التحرير ( سليمان الشطي ) : " كان الرئيس جمال عبد الناصر حين يتلقى مطبوعاً من أي أحد – يحيل الرد عليه إلى مدير مكتبه ، الذي يدون عبارة شاكرة مهذبة ، معلنا أنها تحمل معنى الشكر من الرئيس إلى صاحب المطبوعة " . وأكمل سليمان الشطي عبارته بجملة حارقة موجعة : " هب أن كبراء بلدك لا يريدون أن يروك ، ولكن ما ذنبنا نحن في هذا الموضوع ؟!! " 
ولم يكن عندي رد !!
 وللآن : ليس عندي رد .. وأملي أن تقبل هذه الأسطر – ليس على أنها تجديد لشكوى – وإنما محاولة لتصحيح المسار ، وتسديد الرؤية !!