نادر عبد النور يكتب: من أجل حفنة وزارات

مقالات الرأي

نادر فرانسيس
نادر فرانسيس


تحية إجلال وتقدير  لمولانا وحيد حامد الذي لن تزيده تحياتي قيمة على قيمته الهائلة، فنبؤات الكاتب العبقري مازالت تطرق بشدة  باب واقعنا لتزيح عنه حجاب تلك الألغاز المريرة التي ترسم ملامح مستقبل مجهول ، ولتظل شخصية فتحي نوفل أحد جناحي طيور الظلام هي الشخصية الرئيسية في كشف غموض  ذلك الواقع، فلكل وزير "فتحيه" و"نوفله"، الذي هو المصنع الحقيقي لإنتاج الوزراء والقيادات بشكل عام.

 لم يكن فتحي نوفل أبدا مجرد محامي أجاد القفز فوق ثغرات القانون ولكنه كان العاقل الوحيد الذي فهم مغزى وجود الوزراء في بلادنا المحروسة، والأسباب الحقيقة لاختيارهم، فبفضل بصيرته الثاقبة أدرك فتحي نوفل أن الوزير هو حامل لكل خطايا السياسات الموضوعة، فهو مجرد  توقيع لإعفاء الدولة من مسئولياتها.. بصمات على سكين يقطر بدماء شعب مطحون.

 علم فتحي نوفل منذ نعومة أظفاره ،أن في داخل الموكب المهيب والحراسات المشددة  يكمن إنسان لا حول له ولا قوة, قد يهابه جميع من حوله بفضل لقبه ولكنه يحمل على كتفيه مخاوف لا حصر لها, و كأن ضعف الوزير شرط لاختياره,  وليس كما يدعي البعض أن أهل الثقة هم أولى من أهل الكفاءة.. فالحقيقة المجردة عند تشكيل الوزارة يختفي منها أهل الثقة وأهل الكفاءة بل وأهل الدار أيضاً.

قلة محدودة في مصر، منهم فتحي نوفل تفهم مصطلح  "وزراء الأيدي المرتعشة".. فلذلك خلع روب المحاماة وارتدى بالطو الأطباء ليفهم أسباب ذلك الشلل الرعاش الذي يصيب الوزراء عند إتخاذ قرارما، فالوزير المسكين جل ما يرجوه أن يخرج من باب الوزارة إلى منزله دون المرور بمرحلة  "برش" طرة، إذ أن أغلب قرارات الوزراء لا تعبر عن رؤيتهم الشخصية لحل المشاكل الوزارية، فغالبيتهم مجرد أدوات لتنفيذ رؤية من هم أكثر علما ببواطن الأمور وظواهرها. 

وبالطبع فأنه ليس هناك ما يمنع من تحقيق بعض المكاسب الشخصية والتي يعد "لسان الوزراء" بالساحل الشمالي صرح صارخ في البرية يشهد بما حققوه وزراء هذه الحقبة.

وحتى أولئك الذين لم يحققوا مكاسب شخصية من وجودهم في مناصبهم كان    حرصهم على البقاء والاحتفاظ بالسيارة السوداء والمكانة المجتمعية أقوى من رغبتهم في الإنجاز وفي قول آخر فأن إرادة البناء لدى الوزير كانت مرهونة برغبته في البقاء على كرسيه.
 
لذلك لم يكن فتحي نوفل يدرك ما يريده وزيره فحسب، بل أنه كان يفهم تلك اللغة الصامتة لمن هم فوق الوزير، وهي اللغة التي لم يفهما كل من وطأت قدماه أرض هذه البلاد فاخترعنا تعبير "سياسة عليا" لتلخيص كل ما عجزت عقولنا عن إدراكه من هذه اللغة الصامتة، فالقرار وعكسه  يكتسبان شرعيتهما بمجرد وصفهما بأنهما "سياسة عليا"، حتى أصبحت هذه الكلمة هي الجدار الذي يحتمي به الجميع

و بالطبع فأنه لا توجد قاعدة، دون الاستثناء الذي يؤكد على صحتها, فشعبية أحمد رشدي وزير الداخلية الأسبق ما تزال راسخة في القلوب.. ومازال هناك من يتغنى بماهر أباظة وزير الكهرباء وعاطف صدقي رئيس الوزراء، وكذلك فأن اسم عبدالسلام محجوب مازال يرموز للعديد من معاني الإنجاز لأهالي محافظة الإسكندرية، وبالقطع فأن هؤلاء لم يكن خلفهم  فتحي نوفل أو "سياسات عليا" توجههم.. 

و الآن، وبينما ننتظر في ملل بالغ أسماء التشكيل الوزاري الجديد بعد أن فقدنا الرجاء في قدرة أي وزير على أحداث التغيير الذي نحلم به، فأننا نتوجه إلى السماء راجيين المولى عز وجل، أن يكشف لنا عن المعايير التي تم وضعها لاختيار هؤلاء الوزراء خاصة الأسماء الجديدة منهم.. أما  هؤلاء الوزراء القدماء فأننا نتضرع إلى "السياسة العليا" أن تشرح لنا ما قدموه في الماضي حتى يطلوا علينا بوجوههم مرة ثانية..