حسام زيدان يكتب: عفوًا.. فلسنا من ركاب الميكروباص

مقالات الرأي

حسام زيدان
حسام زيدان


راكب الميكروباص في الأغلب يتحمل ما لا يطيق حتى يصل إلى مبتغاة، والميكروباص لمن لا يعرفه هو صندوق معدني يسير على أربع عجلات، وهو أنواع، فمنه "نصر ألترامكو" وهو ماركة شهيرة يعرفها سكان القاهرة جيداً وخصيصاً في مناطق مثل شارع مراد، وغيرها من شوارع الجيزة، ومنها الفاخر الخمس نجوم المكيف، وهو المعد للسفر مسافات طويلة مثل "ميكروباص اسكندرية"، ولكنه في النهاية ميكروباص، وهناك نوع آخر من الميكروباص ويُطلق علىه أهل شارعي فيصل والهرم "الفرخة البيضا"، وللحق هو يشبه الدجاج الأبيض إلى حد كبير بحجمه الصغير ولونه الأبيض وقدرته على حمل عدد يفوق إحتماله، وأيضاً في إستمراريته الغير معقوله فهذه العربات تسير في شوارع القاهرة منذ ثلاثين عام أو يزيد. 

بشكل عام تجد راكبي الميكروباص متعاطفين مع السائق، والركاب أنواع ودرجات، فالراكب المجاور للسائق تجده دائماً في صف السائق، يجمع له الأجرة، ويحرص حرص شديد على ألا يزعجه أحد الركاب، وقد يتطوع بأن ينادي للسائق على المنطقة التي إلىها يحمل ركابه، وبالتأكيد هو يحظي باهتمام السائق فهو دائماً ما يجعل المقدمة "محجوزة" له، ويقبل الراكب ذلك بكل أريحية بالرغم من أنه لو أتي ووجد آخر يحتجز المقعدين الأماميين فسيغضب وقد يثور، ولكن وهو بجانب السائق وقد استراح لكلمة "معلش محجوز" التي يرددها السائق لكل من يرغب بالركوب في المقدمة، يصبح السائق هنا وكأنه ملك متوج، ويصبح الراكب لمجرد أنه مقرب من القائد على استعداد أن يفعل أي شيء لترضيته.  

وتجد ركاب الميكروباص يلتمسون للسائق العذر دائماً، إن قطع طريقاً، أو سار عكس الاتجاه، أو زاد عن السرعة المقررة، فلا مانع طالماً أنهم "كركاب" سيصلون إلى ما يبتغون، حتى لو كانت طريقة الوصول غير مشروعة في بعض الأحيان، وعزائهم أن "جميعهم يفعل ذلك" و "أصلها ماشية كده". 

وللعجب نفس الركاب عندما يهبطون من الميكروباص يبدأون في نقد العربات المخالفة لقواعد السير والمرور وغيرها، في حين أن كل منهم لو نقد العربة التي يستقلها لصار الوضع أفضل ولتيقن كل قائد أن هناك من يستعد تماماً لنقده. 

وهناك صنف من البشر لم يركبو أية ميكروباص بعد إما لرفضهم ما يصدر ما قائدي الميكروباصات المختلفة والمتباينة، أو لأنهم لا يمتلكون موهبة موافقة القائد في كل ما يفعل وإيجاد التبرير الكافي له لفعل ما يفعل، أو عدم قدرتهم على مجاراة راكبي "الميكروباص"، فليس لهم "شلة"، ولا زال ضميرهم حي فكلما ركبوا ميكروباصاً بادر السائق بإنزالهم، فهم يسببون له صداع دائم حول ما يجب ومالا يجب، وما هو قانوني وما هو غير قانوني. 
  
ولكن حتى هؤلاء يتناقص عددهم إذا ما تعلق الأمر بعرباتهم الخاصة، فهم داخل "أسرهم"، أو "عائلاتهم" تكثر تبريراتهم وقد يرون الخطأ من "أحبابهم" أو "أولادهم" صواباً فقط لأنه صدر من مقرب لهم. 

وهناك من ركاب الميكروباص لا يملك خياراً، فهو لا يجرؤ على مخالفة القائد، فقد يكون "بلطجي" ذا سطوة، ومن يخالفه قد يلقي مصيراً أكثر من مجرد النزول من "الميكروباص". 

لو أن كل راكب ميكروباص أعمل ضميره وعقله وأصر على إنفاذ القانون في محيطه، أعتقد أن مصر ستتغير كثيراً.  
لو أن ركاب ميكروباص الجهات السيادية نقدوا قوادهم؟ 
وركاب ميكروباص المناطق الشعبية نقدوا كبراؤهم؟ 
وركاب ميكروباص كل وزارة نقدت وزيرها؟ 
ولو أننا جميعاً ركاب الميكروباص الذي يحمل في مقدمته على مصر نقدنا من يديه على عجلة القيادة إن أخطأ؟ 
وشددنا من أزره إن أصاب؟ 

ولكن كل راكب يخاف على مكانه، وخصوصاً ان كان على "الكرسي القلاب" القريب من الباب فسيصبح نزوله مرشحاً إن تفوه بكلمة تخالف إرادة القائد، وهو لا يعلم إن هو قال ما يجب أن يُقال فقد يُرزق بما هو أفضل. 

الجميع يخاف من الكلمة الخالدة "اللي مش عاجبه ينزل يا حضرات" بالرغم من أنه لو أصر على موقفه ففي الأغلب الأعم سيجد التعاطف يزداد من حوله ويساعد في التغير أو على الأقل سيجد ميكروباصاً آخر يستوعب ما بداخله من رغبة في أن يكون "نظيفاً".

وأعتقد أن النصيحة العامة التي يجب أن نتبعها هنا ألا يعترينا الصمت إن رأينا "ما يخالف" أثناء رحلة "الميكروباص"، حتى لو لم يحدث التغيير المنشود، فعلى الأقل حتى لا نفقد آدميتنا.

وسلاماً لمن لازالوا بغير "ميكروباص" يستقلونه فهم الأمل، وعلىهم ينعقد الرجاء في أي تغيير منشود.