مي سمير تكتب: ديريك هارفى.. صديق مصر فى البيت الأبيض

مقالات الرأي



الكولونيل الذى يرسم سياسة أمريكا فى الشرق الأوسط

■ يعتبر مصر حليفا قويا فى الحرب ضد الإرهاب وانتقد أوباما بسبب موقفه من القاهرة


منذ قيام صدام حسين بغزو العراق فى أغسطس 1990، يحتل الشرق الأوسط مركز اهتمام السياسات الأمريكية سواء الخارجية أو الأمنية، وتحافظ أمريكا على تواجد قواعدها العسكرية فى المنطقة كما تحرص على ضمان وصولها لمختلف الموارد.

يوجد أكبر مقر للدبلوماسية الأمريكية فى العراق، ويقضى رجال الخارجية الأمريكية جزءاً كبيراً من وقتهم فى تناول قضايا الشرق الأوسط بدءاً من دعم الديمقراطية فى مصر مرورا بإدارة عملية السلام بين فلسطين وإسرائيل، وانتهاء بتدريب المجتمع المدنى فى تونس أو دعم المعارضة السورية، إلى جانب المكاسب التى تحققها صناعة السلاح الأمريكية من بيع الأسلحة لدول المنطقة.

بهذه المقدمة الفاضحة لتدخل واشنطن فى شئون دول الشرق الأوسط افتتح ستيفن كوك، الباحث فى مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية، المتخصص فى شئون الشرق الأوسط، مقالته على موقع صالون والتى جاءت تحت عنوان «رجلنا فى الشرق الأوسط»، ويتضمن المقال بورتريه متعدد التفاصيل لديريك هارفى، الرجل الذى أصبح مسئولاً عن رسم استراتيجية أمريكا فى المنطقة من خلال منصبه الجديد كمسئول عن وضع استراتيجية أمريكا فى الشرق الأوسط بإدارة الرئيس دونالد ترامب.

يشير كوك إلى أنه فى ظل هذا الاهتمام الأمريكى المبالغ به بالمنطقة العربية، من المهم التعرف على توجهات وأفكار الرجل الذى يرسم سياسات الرئيس ترامب بشأن مصر ودول العالم العربى.


1- شرق أوسط مشتعل

قال كوك، إن الشرق الأوسط يحتل أهمية خاصة لدى الإدارة الأمريكية الجديدة بدليل أن الزيارة الخارجية الأولى لمدير المخابرات المركزية الجديد، مايكى بومبيو، لم تكن لباريس أو لندن أو غيرهما من العواصم العالمية ولكنها كانت لأنقرة العاصمة التركية، فى إشارة واضحة للاهتمام الأمريكى بالمنطقة المشتعلة بالأحداث.

بحسب المقال أتى انتخاب ترامب ليثير رضا قادة المنطقة، رغم عدم وضوح سياسة ترامب بعد فى المنطقة، وحتى الآن أرسلت إدارة البيت الأبيض رسائل مختلطة ما بين تسليح الأكراد السوريين فى الحرب ضد تنظيم داعش، وفى نفس الوقت منعت أيضاً مواطنى سوريا، ليبيا، العراق، السودان واليمن والصومال وجميعها أعضاء جامعة الدول العربية، وكذلك من إيران من دخول الولايات المتحدة.

وبالإضافة إلى ذلك، تبنت إدارة ترامب موقفا إيجابيا بشأن المستوطنات الإسرائيلية، كما شنت غارة على تنظيم القاعدة فى اليمن، وأعطت إيران مهلة، وإن كان لا أحد يعرف ماذا يعنى ذلك، وتشكل هذه الخطوات الأولى فى منطقة الشرق الأوسط، تنفيذاً لحفنة من الوعود الانتخابية المختلفة، ولكنها لا تعكس نهجا مدروسا جيداً للمشكلات والتحديات الكثيرة فى المنطقة.

الأسبوع الماضى، صرح الجنرال مايكل فلين، مستشار الأمن القومى للرئيس، لجريدة واشنطن بوست، بأن ترامب سيحرص على استقلال مؤسسات الخارجية والدفاع، وأقسام الخزانة ووكالة المخابرات المركزية وغيرها من وكالات السياسة الخارجية والأمن القومى، على أن يلعب مجلس الأمن القومى دوراً تنسيقياً.

يضيف الباحث الأمريكى كوك: إن هذا هو المفترض أن يكون عليه الأمر ولكن كان الرؤساء السابقون للولايات المتحدة، يفضلون احتكار عملية صناعة القرار سواء فى البيت الأبيض أو داخل مجلس الأمن القومى، ومن المتوقع ألا يختلف الوضع مع ترامب الذى لا يمنح ثقته سوى لمجموعة موثقة فيها من المستشارين الموالين له.

أعلن فلين، الذى هو من بين هؤلاء المستشارين، بشكل صريح عن عدم ثقته فى إيران، وانتقد طريقة تعامل إدارة الرئيس الأمريكى السابق، باراك أوباما مع العراق، إلى جانب، إعلانه الشهير أن الخوف من المسلمين الراديكاليين هو أمر عقلانى.

إلى أى قدر سيواصل الشرق الأوسط السيطرة على السياسة الخارجية الأمريكية، فلين، مستشار الأمن القومى والمسئول على العالم بأسره، سيدير الأوضاع فى منطقة الشرق ولكن تركيزه سيكون على أكثر من منطقة، ونتيجة لذلك، تم تسليم مهمة إدارة سياسة الشرق الأوسط فى إدارة ترامب إلى عقيد الجيش الأمريكى المتقاعد، ديريك هارفى.


2- الكولونيل المتقاعد

لاتوجد كثير من المعلومات المتاحة عن هارفى خارج إطار خبرته العسكرية فى العراق وأفغانستان حيث عمل فى وقت سابق كمستشار للجنرال ديفيد بترايوس، وكان أول مدير لمركز الامتياز الأفغانى الباكستانى فى الولايات المتحدة، التابع للجيش الأمريكى.

فى العراق، لم يشارك هارفى فى المعارك الميدانية، ولكنه عمل كضابط استخبارات يقوم بمهامه كضابط أجنبى فى ظل الاحتلال الأمريكى الصعب للعراق، وخلال فترة عمله فى بغداد شارك فى فريق التقييم الاستراتيجى المشترك الذى أنشأه السفير رايان كروكر، والجنرال ديفيد بترايوس، لتقييم الوضع فى العراق ووضع خطة حملة مجتمعة، وينسب بعض المحللين للكولونيل هارفى الفضل فى التنبؤ بالتمرد فى العراق، فضلاً عن هزيمة تنظيم القاعدة فى العراق مطلع عام 2007.

بناء على كتاباته فى مختلف وسائل الإعلام، فمن الواضح أن هارفى يفهم الديناميكيات السياسية والاجتماعية العراقية، وهو محق بالتأكيد فى التركيز على هذه القضية حيث يلقى باللوم على الرئيس أوباما لحالة العراق المحفوفة بالمخاطر، ومن وجهة نظر هارفى، فإن عدم اهتمام أوباما بالعراق ساهم فى القضاء على المكاسب السابقة التى تم تحقيقها.

كما لعب هارفى دورا رئيسياً فى النقاشات الرئيسية التى دارت بين كبار المفكرين والمتخصصين فى الولايات المتحدة بشأن قرار الرئيس الأمريكى الأسبق جورج بوش، بغزو العراق فى مارس 2003، أو قرار أوباما بانسحاب القوات الأمريكية فى ديسمبر 2011.

فيما يتعلق بإيران، تبنى هارفى موقفا متشددا، أما فيما يتعلق بمواقفه من مختلف القضايا المشتعلة فى منطقة الشرق الأوسط، يرى ستيفن كوك، أن هارفى يقدم مجموعة مختلفة من التأكيدات المشكوك فيها والمطالبات المتناقضة التى تثير حالة من القلق بأن هارفى لا يعلم الكثير عن المنطقة التى أصبح مسئولاً عنها، وغنى عن القول، أن هذا المزيج أمر سيئ لسياسة الولايات المتحدة والشرق الأوسط.

يشارك هارفى الرئيس الأمريكى ترامب فى الاعتقاد، أنه من أجل انتصار أمريكا فى حربها ضد تنظيمى داعش، والقاعدة، ومختلف فروعهما، والمجموعة المتنوعة من التنظيمات الأخرى، تحتاج أمريكا لإعلان أن البلاد فى حالة حرب مع «التطرف الراديكالى الإسلامى» أو « الجهاد المتطرف» أو «الإسلام المتطرف».

ويلقى هارفى باللوم على أوباما فى الفشل بمواجهة هذه التنظيمات الإرهابية. ويرى كوك أن اعتبار التطرف الإسلامى هو المشكلة سينتج عنه أمران أولاً، الفصل بين الأغلبية المسلمة الرافضة للعنف، وبين أقلية تتبناه، وثانياً، توضيح اتساع وعمق التحدى الأيديولوجى الذى يواجه الولايات المتحدة، ويرى كوك أن هذا الأمر قد يبسط من مشكلة هى أعمق من ذلك بكثير.

ويضيف كوك: إنه فى المقابل يحسب لهارفى تأكيده بأن تحديد القضية بربطها بالتطرف الإسلامى غير كاف، وحرصه على الإشارة إلى أن الحرب ضد التنظيمات الإرهابية هى فى حقيقة الأمر حرب ضد الأفكار وليست فقط حربا عسكرية.


3- الداعم لمصر

ويعد ديريك من كبار المدافعين على ضرورة عودة العلاقات القوية بين أمريكا ومصر، وفى يناير 2015، كتب هارفى فى مدونته الشخصية عن شعوره بالدهشة من تقويض إدارة أوباما لعلاقة واشنطن مع ثلاثة حلفاء مهمين: المملكة العربية السعودية ومصر وإسرائيل.

وكتب هارفى:»لماذا لا يتحدث الرئيس الأمريكى مع الرئيس السيسى ؟ لقد خاطر السيسى مخاطرة شخصية كبيرة بموقفه المضاد للعنف والإرهاب الإسلامى.. وأوباما تصالح مع الأخوين كاسترو وقادة إيران ولكنه فى المقابل يرفض الحديث مع صديق مثل الرئيس السيسى».

وبحسب جريدة هاآرتس الإسرائيلية فإن الرئيس السيسى كان أول رئيس أجنبى يتحدث مع الرئيس الأمريكى ترامب، بعد فوزه فى انتخابات الرئاسة الأمريكية فى نوفمبر الماضى، وتمت دعوة الرئيس المصرى لزيارة البيت الأبيض، وفى هذا الإطار فإن تقريب العلاقات مع مصر يبدو محورا رئيسيا فى سياسة هارفى بمنطقة الشرق الأوسط بشكل عام وفى الحرب على الإرهاب بشكل خاص. وبالعودة من جديد إلى مقال ستيفن كوك، يشير الباحث الأمريكى إلى أن هارفى يركز على أهمية التعاون مع القوى الإقليمية فى منطقة الشرق الأوسط من أجل مواجهة الإرهاب بما فى ذلك تركيا، ولكن فى مقاله، اعتبر الباحث الأمريكى كوك، أن وصف هارفى لتركيا كقوى أقليمية يجب أن تشارك فى محاربة الإرهاب يتناقض مع حقيقة قيام تركيا بفتح أبوابها لجماعة الإخوان بعد الإطاحة بالرئيس المنتمى للجماعة، محمد مرسى، وإعطاء الجماعة منصة للهجوم على النظام المصرى، وهو الأمر الذى يتناقض مع إعجاب هارفى بالرئيس السيسى، مثل أغلب تيار اليمين فى أمريكيا، حيث تعتبر الإدارة الأمريكية الجديدة النظام المصرى بمثابة حليف قوى فى محاربة الإرهاب.

ولكن علينا أن ننتظر ترجمة أفكار هارفى إلى سياسة فعلية على أرض الواقع تساهم فى القضاء على الإرهاب ومواجهة القضايا المتعلقة بمصادر التمويل والدعم للتنظيمات الإرهابية، فقضايا الشرق الأوسط الشائكة تنطوى على الكثير من التحديات.

هارفى أعلن صراحة أنه يرى فى مصر حليفا قويا للولايات المتحدة وعنصرا رئيسيا فى الحرب على الإرهاب، ولكن هذا الإيمان بأهمية الدور المصرى فى مواجهة الإرهاب يجب أن تتبعه خطوات فعلية تدعم مصر فى حربها ضد الإرهاب.