د. دينا أنور تكتب: عندما "اغتال" عمر عبد الرحمن والد صديقتي "ميرا"..!

مقالات الرأي

د. دينا أنور
د. دينا أنور


كان عمري سبع سنوات، أقيم مع أسرتي بالخارج وأتيت إلى مصر في إجازة صادفت شهر رمضان عام ١٩٩٠م، وعند زيارتنا لأقاربنا بمحافظة الفيوم شاهدت موكباً مهيباً في شوارع وسط البلد يسمى "موكب رؤية هلال رمضان"، يتضمن عروضاً وفرقاً إستعراضية وتشارك فيه الداخلية بطابور عرض على الخيول وبعض المدرعات من الجيش، كان مشهداً مهيباً حقاً لا يزال محفوراً في ذاكرتي إلى اليوم حتى بعد مرور أكثر من ربع قرن، ولكنني حين حضرت في إجازة مماثلة بعدها بعامين تقريباً، ذهبت إلى ذات المكان لأشاهد الحدث ذاته، لكنه كان قد اختفى تماما..!

كانت محافظة الفيوم وقتها شهدت عام ١٩٩١م إغتيالاً علنياً لرئيس قسم مكافحة النشاط الديني بمباحث أمن الدولة فرع الفيوم، كان اسمه المقدم أحمد علاء، نصب له مسلحان كميناً أمام مكتبه وأردياه قتيلاً بسلاح آلي داخل سيارته وهربا على دراجة نارية، وعلى إثر تلك الجريمة الإرهابية قررت الداخلية حماية كوادرها من الظهور العلني في طابور عرض الرؤية الرمضانية حفاظاً على أرواحهم، خاصةً وأن الفيوم في هذه الحقبة الزمنية كانت بيئة خصبة للتكفيريين والإرهابيين المسلحين والجهاديين والشوقيين الذين تتلمذوا على فتاوى عمر عبد الرحمن وسيد قطب والشيخ كشك، وكانت عملية الإغتيال تلك هي الحلقة الأولى من سيناريو إغتيال ضباط الشرطة والجيش على يد التكفيريين والذي لم ينته حتى يومنا هذا.

رغم حداثة سني في ذلك الوقت إلا أنني كنت أمتلك فضولاً دائماً للبحث عن الحقيقة، كنت أسمع أحاديث بعض أقاربي ومن يقومون بزيارتنا عن هذه الجريمة التي هزت أركان محافظة الفيوم وتسببت في مواجهات شرسة بين الداخلية والجماعات التكفيرية لحد محاصرة قرى بأكملها وإعتقال عائلات بكامل أفرادها، وما أدهشني حينها هو أن كثيراً من الناس كانوا يبررون تلك الجريمة، والأكثر فظاعةً هو أن بعضهم كان يراها بطولةً و جهاداً، هل تريدون أن تتعرفوا على السبب؟

السبب ببساطة هو الهاجس السلفي المعروف "تعرية المرأة" و لا شيء سواه، فالسلفي لا مانع لديه أن يغزو أرضاً ويقتل رجلاً ليسبي زوجته و يعريها ليغتصبها تحت مسمى السبي، ولا مانع لديه أن يختطف فتيات وسيدات و يعريهن ويجبرهن على مضاجعة المجاهدين في معسكره تحت مسمى نكاح الجهاد، ويفجر نفسه عن طيب خاطر في أرواح بريئة ليذهب إلى أحضان حور العين اللواتي يعتقد بصحوته من موته بين أحضانهن عرايا، فهل تعتقدون أن يكون المبرر لإغتيالهم ضباط الجيش والشرطة شيء آخر  سوى تعرية النساء؟

ولكن في التسعينات كان المنطق يختلف إلى حد كبير، كانت الجماعات الإسلامية تنتشر في المجتمع كالنار في الهشيم، وتكتسب تعاطف الكثيرين بصفتهم الطرف المضطهد لحرصه على تطبيق الشريعة، ومن ثم كانوا يقنعون العامة أنهم يتعرضون بشكل وحشي للتعذيب والإعتقال من النظام الكافر، وكانت القصص الأشهر دائماً هي قصص تعرية نساء المجاهدين أمام أزواجهن، وإغتصابهن وهتك أعراضهن من قبل ضباط الداخلية ومساعديهم، فمن المنطقي جداً أن يحتفي المواطن البسيط ببطولة قتلة هؤلاء الضباط الذين ينتهكون شرف النساء التي تنحصر قيمتهن في أجسادهن .

ومما ساهم في زيادة فضولي لمعرفة الحقيقة والتفكير فيها، هو إلتحاقي في تلك الإجازة بفريق الكورال الذي كان سينشد مجموعة من الأغاني الدينية أمام المحافظ في إحتفال العاشر من رمضان، وكانت مدربتنا مدرسة لغة عربية ودينية منتقبة، كنت أجلس معها بالساعات في البروفات وهي تدربني على فقرة "الصولو"، وكانت – وللأسف- تسمم رأسي و رأس زميلاتي بحكايات المجاهدين في المعتقلات والضباط القتلة الذين يغتصبون نساء المسلمين ومنهم السفاح "أحمد علاء" كما كانوا يطلقون عليه، لدرجة أنني كنت أنظر للضباط في الشوارع أو من أقاربنا نظرة الطفل لـ"دراكولا"، إلى أن  تغير كل شيء في لحظة..!

في عام آخر عدت من الخارج أنا ووالدتي وأخي وإستقرينا بمحافظة الفيوم لبضعة أعوام، ساقني قدري أن تكون "ميرا" ابنة المقدم الشهيد " أحمد علاء" زميلتي في المدرسة وفي تمرين التنس بالنادي، رأيتها إنسانة بسيطة ورقيقة وحنونة جداً على أخيها الأصغر وكأنها تواسيه على يتمه المبكر وإن كانت هي أيضاً ملامحها لم تخل من مرارة اليتم في سن صغير، كنت أرى والدتها وهي تأتي معها للتمرين ولم أشعر للحظة أنها كانت زوجةً لوحش أو سفاح، كانت سيدة رائعة الجمال وهادئة ومنكسرة شأنها شأن كل أم تعتني بصغار فقدوا أباهم غدراً، و المفارقة أنها كانت محجبة و هي زوجة الضابط المتهم بمعاداة الإسلام و هتك عرض نساء المسلمين و الذين كانوا يعتبرون إرتداء الحجاب في ذلك الوقت الركن السادس للإسلام، لم أر عليهم مظاهر ثراء فاحش  أو بوادر إستغلال لمنصب أبيها السابق وعلاقاته، لم أر لديهم سيارات فارهة ، وهذا ما جعلني أجزم أن هناك شيء خطأ، هذه الأسرة البسيطة الهادئة لا يمكن أن تكون نتاج وحش مغتصب للنساء هاتك للأعراض، لابد أن هناك شيء غامض..!

عندما بدأت في التعامل مع "ميرا" وجدتها فخورة جداً بتاريخ والدها الذي مات دون واجبه وقتله الإرهابيون لأنه كان يكافح شرورهم وتوغلهم في المجتمع، لم أراها تشعر بالخزي والعار من سمعة أبيها التي لوثها الإسلاميون ووصموها بالإعتداء على نساء وفتيات التكفيريين و إغتصابهن، رغم أن كثيراً من زملائنا كانوا يتحاشون المعاملة معها بحجة أنها ابنة السفاح، وكانوا كثيراً ما يتهامزون ويتلامزون عليها بأن أموالهم حرام وأن الله سوف ينتقم من أبيها في الدنيا بهتك عرض زوجته و إبنته، و في الآخرة بنار جهنم خالداً فيها، ولكنني طوال فترة معاملتي معها لم أر صواعقاً نزلت من السماء على رأسها ، ولم أر أي لعنة أصابتها أو أصابت والدتها، ولم أشاهد الشياطين تتلقفها وتجرها في بحور الإثم و الخطيئة إنتقاماً للحرائر اللواتي إغتصبهن والدها، ومن هنا قررت ألا أستقي معلوماتي من طرف واحد حتى أسمع جميع الأطراف وأعقل مبرراتهم وأختار منها ما يقنع عقلي..!

وما توصلت له اليوم، وبعد أكثر من 25 عاماً أراقب فيها أفعال الإسلاميين والتكفيرين وإستراتيجياتهم في الخطابة والدعوة والجهاد المسلح والتأثير على البسطاء والجهلاء، وغسيل دماغ الكثير من المتعلمين، أستطيع أن أؤكد أن سلاحهم الأكثر استخداماً كان دائماً وأبداً هو "المرأة"، المرأة التي كفنوها وسجنوا أنوثتها وأناقتها في حجاب ونقاب، المرأة التي جعلوها عورةً من منبت شعرها حتى أخمص قدميها، المرأة التي أجلسوها في المنزل وحرموا تعليمها وعملها وإختزلوها في صورة وعاء لتفريغ الشهوات، ومن ثم استخدموا فزاعة شرفها وعرضها وتعريتها في إشعال نار الغضب في نفوس العامة الذين بات جسد المرأة لديهم هو المبرر الأقوى للقتل والحرق والتفجير والإغتيال بسلاح غادر.

كل هذه الأحداث المؤسفة تذكرتها مع سماعي بنبأ وفاة شيخهم وقائدهم الروحي عمر عبد الرحمن في السجون الأمريكية، الذي كان له اليد العليا في جعل محافظة الفيوم منبعاً للإرهاب ومصدراً رئيسياً لتنشئة الإرهابيين، وها هو قضى على فراشه بعد أن تلقى أفضل أنواع العلاجات في السجون الأمريكية، ولم يمت في ساحة معركة أو بحزام ناسف أو بسلاح ضابط مصري، وسيذهب ليلتقي بتلاميذه الذين قتلوا وحرقوا ودمروا ويتموا ورملوا بناءً على فتاويه ومباركاته..!

فيا ترى هل هناك من يجرؤ على الدعاء له بالمغفرة و الجنة بعد كل ما حدث بسببه؟ عاوز تعرف؟ ادخل صفحات الإسلاميين وأنت تشوف بنفسك الكارثة اللي بالملايين، عشان تعرف قد إيه إحنا مخترقين بل محتلين من الجماعات الإسلامية حتى وإن إختفوا من المشهد السياسي..!