د. رشا سمير تكتب: نحن وأنتم

مقالات الرأي



فى عام 2014.. قامت قوات داعش الإرهابية بالهجوم على قاعدة سبايكر الجوية بالعراق، حيث أسروا 1700 طالب فى القوة الجوية العراقية وقادوهم إلى القصور الرئاسية فى تكريت، وقاموا بقتلهم هناك وفى مناطق أخرى رمياً بالرصاص بل ودفنوا بعضا منهم وهم أحياء.

تمت عمليات الإعدام داخل حفر تم حفرها مسبقا لتكون قبورا جماعية، ووضع الجنود الأسرى لدى التنظيم داخلها ليتم إطلاق النار على رؤوسهم، وتظهر جرافة فى صور ليلية وهى تجرف أكواما من الجثث. كما تم إعدام بعضهم فى السيارات التى حملتهم من المعسكر الذى استولى عليه داعش..

ذكرنى هذا الحادث الأليم بما حدث مؤخرا باستهداف الأقباط على أيدى الجماعات المسلحة فى العريش بشمال سيناء.. ما بين قتل وتهديد بالقتل وجد أقباط سيناء أنفسهم محاصرين داخل منازلهم، ما دفعهم إلى المغادرة الفورية، تاركين ممتلكاتهم وأشغالهم، متوجهين صوب مدينة الإسماعيلية حيث استقبلتهم الكنيسة الإنجيلية هناك، وسط حالة من الصمت الرسمى والإعلامى، ما تسبب فى إثارة حفيظة الأسر المشردة من جانب، وجموع أقباط مصر من جانب آخر.

لا ألوم الإخوة المسيحيين على شعورهم بالأسى ولا الحزن.. ولا ألومهم على شعورهم بقسوة الفراق لبيوتهم ولا ألومهم على شعورهم بتقصير الدولة نحوهم.. ولكن..

ألومهم على شعورهم الدائم بالاضطهاد.. ومحاولة أقباط المهجر دائما وأبدا وضع أقباط مصر فى خانة الأقليات.

ما حدث فى العريش كارثة تهدد الدولة المصرية وتهدد أمن مصر بغض النظر عن جنسية الضحية ولا لونه ولا ديانته.. فالإرهاب واحد والأذى واحد والمخطط واحد.. ومصر مازالت تحاول النهوض.. أشعر بخطورة الموقف وأسمع ناقوس الخطر يدق بشدة، وهو بكل أسف الناقوس الذى لا تسمعه الحكومة.

الرئيس يصرح بأن الدولة المصرية استعادت هيبتها ولا مساس بأراضيها ويجىء الرد كالمتوقع ساخنا فى العريش!.. مما لا شك فيه أن استقرار الدولة المصرية أمر يبغضه الكثيرون وتحاربه دول كبيرة وصغيرة ويتكاتف عليه ساسة وحُكام.

حرب الاقتصاد وتقويض الدولة المصرية كان هدفا.. وكلما حاولت الدولة النهوض باغتتها الطعنات فى الظهر.. فتكون الخطة البديلة دائما هى الفتنة الطائفية التى تنام فوق بركان ثائر لأن علاجها لم ولن يكون بالخٌطب ولا المؤتمرات..

الغريب أننا نعرف العدو وندرك أبعاد المؤامرة ولكننا نسلم لهم عقولنا ليزرعوا فيها الشر ويحصدوه إرهابا بكل سهولة..

لماذا هذا الإصرار على أن الدولة تصم آذانها عن صرخات الأقباط؟ لماذا لا يتم التعامل مع الموضوع برمته على أنه استهداف للدولة المصرية بدون تصنيف؟

لماذا حين يتم استهداف معسكر أمن مركزى للجنود فى سيناء أو مدرعة، لا نقسم الضحايا على أنهم مسلم أو مسيحى؟ ولماذا لا نقول ضابط شهيد أو عسكرى شهيد؟ بل نقول استشهاد جنود مصر فى محاولة إرهابية رخيصة..

من يسقط على أرض مصر هو مواطن مصرى ولا مجال للمزايدة.

حرب السُنة والشيعة كانت هى السلاح البارد الذى وجهه الغرب إلى صدورنا لنقتل به بعضنا البعض، وبالفعل نجحت المؤامرة وتم تقسيم المنطقة العربية.. ومازالت مصر متماسكة صامدة.

وكلما تقدمنا خطوة ألقوا فى طريقنا بحجر كبير لنتعثر من جديد.

إن مسألة الأنفاق فى سيناء تحتاج إلى حسم.. وتطهير جبل الحلال حتى لو أدى إلى عملية تهجير مؤقت للأسر حتى يتم دكه تماما، ضرورة قصوى بلا جدال..

ثقتى فى جيش مصر لا حدود لها كانت ولاتزال وسيتبقى.. لكن إنهاك الجيش بالشأن الداخلى والتطوير والإعمار والصناعة والإعلام سوف يٌعطله عن أداء مهمته الأساسية وهى التصدى للعدوان الخارجى.

أما الأصوات التى قامت فى ثوان من تحت الردم لتجثم على أنفاسنا من خلال التويتر والفيسبوك، فهى نفس الأصوات الفاشلة التى ترتزق على جثة الوطن.. الأشكال التى تترصد بأى خلل لتنبش فيه مثل خفافيش الظلام.. أبناء السبوبة الذين ارتزقوا ومازالوا يرتزقون بادعاء وجودهم فى خانة المعارضة.. لقد سقطت مصداقيتهم تماما لدى المواطن المصرى.

أعجبتنى الكلمة التى بعث بها المخرج الإيرانى صاحب الفيلم الفائز فى حفل الأوسكار، وألهمتنى كلمته الكثير من المشاعر، وأنا اليوم أعيدها على مسامع كل المصريين.. مسلم أو مسيحى.. سُنة أو شيعة.. غنى أو فقير..

«تقسيم العالم إلى ولايات متحدة و«أعدائنا» يخلق مناخا من الخوف.. لا يجوز صنع حدود وهمية بين البشر ولا تقسيم العالم إلى نحن وأنتم».