إيمان كمال تكتب: "بشترى راجل".. جنون السينما النظيفة

مقالات الرأي



إذا وجدت فتاة تطلب شراء حيوانات منوية لرجل بمقابل مادى مغر فما هى وجهة النظر التى ستكونها عنها؟ هل سيتم اتهامها أخلاقيا بأنها فتاة منحلة،أم ستكون المرأة التى كسرت تابوه الزواج الاعتيادي؟

فى فيلم «بشترى راجل» نجحت نيللى كريم فى تقديم الشخصية دون أن تشعر بانزعاج من الفكرة فحتى مفهوم الجرأة الذى نلحمه دائما فى خط المشاهد الساخنة الخليعة ابتعدت به مؤلفة الفيلم إيناس لطفى لتقدم عملا يوصف فى مصر والمجتمع العربى بـ«المجنون» فهو عمل خارج الصندوق ولكن دون أن تدخل فى زوبعة خدش الحياء بل على العكس قدمت نموذجا لفتاة فى نهاية الثلاثينات من عمرها توشك على فقد حلم الأمومة بسبب مرحلتها العمرية كحال كثير من الفتيات، ولأن الحياة بالنسبة لها عبارة عن أرقام وحسابات تقرر أن تشترى حيوانات منوية لرجل بعد التأكد من نسبة خصوبته على أن يتم الأمر من خلال المأذون ولكن دون علاقة طبيعية فبعد الزواج سيتم التلقيح الصناعى لتحصل على حلمها بالأمومة وورقة الطلاق أيضا.

الحدوتة جديدة على السينما المصرية ومختلفة إلا أن المشاهد الأولى تخبرك تماما بالنهاية فمنذ بداية لقاء بطلة القصة «شمس» أو نيللى كريم ببهجت أبوالسعد «محمد ممدوح» والذى يمر بضائقة مادية فاضطر أن يقبل الأمر على مضض ونحن على علم تام بالتحول الذى ستمر به الشخصيات سواء شمس التى تكره العلاقات العاطفية وتتخوف منها بالرغم من عدم وجود خلفية تخبرنا بذلك أو الأسباب التى جعلت شمس تكره مؤسسة الزواج والعلاقات العاطفية وتوافق على أن ترتدى فستان الزفاف بهذه الصفقة كى تسعد والدتها «ليلى عز العرب»، ولكنها تتورط فى حب البطل ولأنها لا تعلم علاقته بفتاة أخرى ظل معها لسنوات فمن البديهى أن تكون هناك لحظة حاسمة لتكتشف العلاقة وتتأكد من أنها كانت محقة حينما قررت أن تنجو بنفسها من الخيانات وألا تدخل فى علاقة عاطفية تدمر حياتها.

ولكن ما بين السطور ولأن التجربة تطور من أحاسيس البشر وتجعلهم يتقبلون ما قد يرفضونه وهم على الحافة بعيدا، فالتسامح كان الحل السحرى والتغاضى عن أمور قد تربك العلاقة، وهو ما يظهر على لسان البطل فى حوار عابر بأن الرجل طفل كبير يحتاج إلى من تشعره بالاحتواء والأمومة وتغفر له الاخطاء الصغيرة، وبطبيعة الحال هو أيضًا يتغير ويتبدل تماما بعد أن يتعلم بالتجربة ليصبح كل منهما جاهزا لعلاقة عاطفية ناضجة ومتكاملة وتبدأ حياتهما السعيدة التى ينتهى بها الفيلم.

استطاع ممدوح أن يقدم نموذج البطل الحبيب بالرغم من بدانته إلا أنه ببساطته فى الأداء جعلته الأنسب للدور، وهى ظاهرة ليست بالجديدة بعكس ما يشاع فقد سبقه فيها فؤاد المهندس وإسماعيل ياسين وغيرهما ممن استطاعوا تجاوز الملامح الشكلية للبطل الوسيم، وقدموا بطولات وأعمال رومانسية سواء فى السينما أو المسرح.

نيللى كريم أخيرا خرجت من عباءة الشخصيات المركبة التى حصرت نفسها فيها منذ تقديمها لشخصية «ذات» فى الدراما مرورا بـ «سجن النساء وتحت السيطرة» وأخيرا مسلسل «سقوط حر» الذى لم يلق نفس النجاح بسبب التيمة المتشابهة التى سيطرت على أعمالها لتقدم شخصية كوميدية لايت بشكل محبوب على الشاشة ولتبرهن على أنها بالفعل الألفة بين بنات جيلها، حضور لطفى لبيب بشخصية خالها فى العمل كان طاغيا بالرغم من قلة مشاهده إلا أن خفة ظله أضافت للعمل، نفس الأمر مع الفنانة ليلى عز العرب.

«بشترى راجل» تجربة فنية بروح سينمائية وكتابة مختلفة وفكرة مجنونة ومقبولة فى نفس الوقت استطاع أن يؤكد بأن السينما باتت بحاجة للتجديد والاختلاف والابتعاد عن الأفكار الاعتيادية التى مل الجمهور منها واستطاع صناعها أن يؤكدوا على الوصول إلى قلب الجمهور بسلاسة.