الجبرتي عن المهندس خانة : "تفوق المصريين كان السبب في تعليمهم إلي جوار مماليك الباشا"

منوعات

بوابة الفجر


لم ينقطع التعليم في مصر، فهي منارة العلم والعلماء، وكان يتم تدريس علوم كالطب، والموازين، والهندسة، والرياضيات، بأروقة المدارس التي أنشأتها الدولة الإسلامية علي مر عصورها المختلفة. 

منذ أن جاء محمد علي إلي مصر وهو الوحيد الذي أدرك أن الشعب المصري به "نجابة" علي حد تعبير الجبرتي، فهو الذي أدرك أن هؤلاء المصريين لديهم طاقات لم يحاول أحد إستغلالها من قبل، وإن شهدنا لدولة المماليك والأيوبيين من قبلها بنشر العمران والتعليم، إلا أنهم لم يلتفتوا إلي وسائل التعليم الحديث كما فعل محمد علي. 

وهنا العذر لدولتي الأيوبين والمماليكـ موفور حيث أن الدولة الإسلامية في هذه الآونة كانت مصدرة للمنتج العلمي لا مستوردة له، ولكن الأيام دول، وأصبح للغرب شأن علمي مشهود خصيصياً بعد سقوط الأندلس، وانتبه محمد علي باشا إلي هذا الأمر وبدأ في إدخال التعليم الحديث إلي مصر. 

ذكر الجبرتي أن "حسين شلبي عجوة"، اخترع الة لضرب الارز وتبييضه، وقدم نموذحا الى "محمد علي"، فأعجب بها وأنعم على مخترعها بمكافأة، وأمره بتركيب مثل هذه الالة في دمياط، وأخرى في رشيد، فكان هذا الاختراع باعثًا لتوجيه فكرة إلى إنشاء مدرسة للهندسة، فأنشاها في القلعة.

وقال الجبرتي: "ان الباشا لما رأى هذه النكتة من "حسين شلبي" هذا قال إن في أولاد مصر نجابة وقابلية للمعرفة، فأمر ببناء مكتب "مدرسة" حوش السراية بالقلعة ورتب فيه جملة من اولاد البلد، ومماليك الباشا، وجعل معلمهم "حسن افندي" المعروف بالدرويش الموصلي، يقرر لهم قواعد الحساب والهندسة وعلم المقادير والقياسات، والارتفاعات، واستخرج المجهولات مع مشاركة شخص رومي (تركي) يقال له "روح الدين افندي" ، بل واشخاصا من الافرنج، واحضر لهم الات هندسية متنوعة من اشغال الانجليز ياخذون بها الابعاد والارتفاعات والمساحة، ورتب لهم شهريات وكساوى في السنة، واستمروا على الاجتماع بهذا المكتب، وسموه مهند سخانة، في كل يوم من الصباح الى بعد الظهيرة، ثم ينزلون الى بيوتهم ويخرجون في بعض الايام الى الخلاء لتعلم مساحات الاراضي وقياساتها بالاقصاب وهو الغرض المقصود للباشا.

البداية كما يحكيها الجبرتي 
وقد دعا الجبرتي وقال "لما رغب الباشا في إنشاء محل لمعرفة علم الحساب والهندسة والمساحة عين لها رئيسًا ومعلمًا لمن يكون يرغب أن يكون متعلمًا بذلك المكتب، وبدأ التعليم بمماليك الباشا وعلمهم الكتابة والحساب ونحو ذلك، وقد رتب له محمد علي راتباً وشهرية، ونجب من تحت يده المماليك في معرفة الحسابات ونحوها، وأعجب الباشا فأفرد له مكانا للتعليم، وضم إلى مماليكه من يريد التعليم من أولاد الناس، فأمر بإنشاء ذلك المكتب وأحضر إليه أشياء من آلات الهندسة والمساحة والهيئة الفلكية من بلاد الانجليز وغيرهم، واستجلب من أولاد البلد ما ينيف على الثمانين شخصا من الشبان الذين فيهم قابلية التعليم، ورتبوا لكل شخص شهرية وكسوة، فكان يسعى في تعجيل كسوة الفقير منهم ليتجملوا بها بين اقرانه، ويواسي من يستحق المواساة، ويشتري لهم الحمير مساعدة لطلوعهم ونزولهم الى القلعة" .

ففي عام 1816م، بدأ بمدرسة "المهندسخانة" بالقلعة، لتدريب وإعداد المتخصصين فى علم "المساحة". 
في عام 1858 فى أصبحت الهندسة مدرستين منفصلتين احداهما لهندسة الرى بالقناطر الخيرية والاخرى للعمارة بالقلعة 
فى عام 1866 افتتحت مدرسة الرى والعمارة بـ "سراى الزعفران" بالعباسية ثم انتقلت الى سراى "مصطفى فاضل" باشا بدرب الجماميز عام 1867 وكانت الدراسة بها لمدة خمس سنوات منها سنة اعدادية ويتخصص الطالب فى السنتين الأخيرتين.

 وفى عام 1892 الغيت السنة الاعدادية ولم تعد الا عام 1930 كما الغيت التخصصات عام 1869 لتقسم الدراسة مرة اخرى الى قسمى الرى والعمارة عام 1908 منذ عام 1950 اصبحت تعرف باسم "مدرسة المهند سخانة الخديوية" وسميت "مدرسة الهندسة الملكية" عام 1923.

 وفى عام 1916 صدر قانون المدرسة الذى قضى بتقسيم الدراسة الى خمسة اقسام هى "الرى - والعمارة  - والبلديات - والميكانيكا - والكهرباء" ثم عدلت هذه التخصصات عام 1925 لتكون القسم المدنى وقسم العمارة وقسم الميكانيكا وتفرع القسم المدنى الى الرى والبلديات والكبارى والموانى والمساحة والسكك الحديدية وتفرع القسم الميكانيكى الى فرعى الميكانيكا والكهرباء.

وفى أكتوبر سنة 1902 نقلت المدرسة مؤقتا إلى دار مدرسة الزراعة القديمة بالجيزة، وأعقب ذلك إنشاء مبانى مدرسة الهندسة الملكية مبنى الكلية حاليا وبعد إتمام المبانى انتقلت المدرسة إليها في سنة 1905.

وقد اتم إنشاء الأبنية والمدرجات، وتوسيع المعامل لتتناسب مع زيادة عدد الطلاب، فتم حتى سنة 1927 تشييد معملين جديدين للهيدروليكا واختبار المواد وكذلك توسيع معمل الطبيعة، أما قسم الكيمياء الصناعية فقد أرجىء إنشـاؤه إلى ما بعد، وفى سنة 1928 عين الدكتور "شارل اندريا" ناظرا للمدرسة وقد كان قبل ذلك أستاذا وعميدا لمدرسة الهندسة بزيورخ، وفى تلك السنة عنى بوضع منهج دراسى جديد في مستوى مناهج المدارس الفنية العليا بأوربا.

وقد شهدت كلية الهندسة مدرسة المهندسخانة من قبل خلال ما يزيد على مائة وسبعين عاما عمادة أو نظارة ما يقرب من خمسة وثلاثين أستاذا عملوا جميعا على تطوير العملية التعليمية وإنشاء العديد من الأقسام والتخصصات العلمية الجديدة، وفى بداية النشأة كانت الإدارة تحت إشراف ناظر المدرسة أو عميدها ثم بتطور الزيادة في عدد الطلاب والأقسام أصبح للكلية وكيلاً لشئون التعليم والطلاب ووكيلاً آخر لشئون الدراسات العليا والبحوث. 

 ومنذ أن تحولت مدرسة المهندسخانة إلى كلية الهندسة في عام 1935 تولى العمادة حتى الآن ثمانية عشر عميداً واثنان وعشرون وكيلاً لشئون التعليم والطلاب وستة وكلاء للدراسات العليا والبحوث ووكيلان لشئون البيئة وخدمة المجتمع.