مديحة عاشور تكتب في يوم الاحتفال العالمي بالمرأة: "نفسي حزينة حتى الموت"

الفجر الفني

بوابة الفجر


يحتفل مجتمعنا الذكوري اليوم بيوم المرأة المجتمع الذي يقوده الرجل دون الاعتراف بكيان وذات المرأة وحقوقها ودورها الفعال في المجتمع، في الأسرة وميادين العمل.

 

في مجتمعنا الذكوري الأولوية لأراء الرجل مع تجاهل ذات المرأة ودورها الفعال في تنمية جيل جديد، وعلى سبيل المثال واجه المرأة فى مجتمعنا مشكلة كبيرة فى التعامل مع الرجل بمجرد التقدم للعمل خاصة لأي مؤسسه خاصة، حيث يبدأ رئيسها بالعمل في التمعن بها وكأنها جاريه له، فإن أعجبته وخضعت لتلميحاته فازت بالوظيفة، وأن لم تستجب يقال لها نأسف، حتى وان حصلت على وظيفة فتخوض معارك طويلة مع زملاءها ومحاولات كثيرة لتطفيشها ان لم تبدي مرونة لتلميحاتهم، وإذا ما حاولت يوما أن تشكو زميلا أو رئيسا حاول التحرش بها لفظيا، أشاع عنها أنها هى من تراوده وتنقلب الدفة عليها، وكل جرمها أنها لا تستطيع إلا أن تكون امرأة عفيفة وشريفه.

 

المأساة الكبرى فى مجتمعنا هى (المطلقة) التى تمر بتجارب حزينة قبل طلاقها، ثم بتجربة الطلاق نفسها، وما يرافقها من مشاكل واهانات وحزن، ثم تبدأ معاناة تربية الأطفال دون دعم من احد إلا نفسها، ثم يكون عليها الدخول أحيانا إلى المحاكم للحصول على بعض الحقوق، وبدلا من أن تجد المرأة من يدعمها تواجه قسوة المجتمع من يزيد ألمها ألما، من القيل والقال، وملاحقة الطامعين واللائمين والشامتين، فضلا عن شعورها طوال الوقت بالانتهاك في مجتمعاتنا التي تعتبر كل امرأة وحيدة منحلة، وكل مطلقة مستهدفة.

 

فالسينما المصرية تناولت معاناة المرأة في كثير من الأفلام فمثلا "ولا عزاء للسيدات" نجد فاتن حمامة امرأة وحيدة، والمجتمع لا يرى منها إلا امرأة مطلقة كتب عليها الوحدة.

 

ثلاثة أعوام كاملة مرت لم يحاول أن يتذكرها طليقها الذي فقد عقله جراء رفضها الرجوع له، أطلق عليها النار محاولاً قتلها بعد أن اختلط عليه الأمر بينها وبين جارتها سيئة السمعة، وردد كلاما جارحا عنها سرعان ما انتشر بين أصدقائها في العمل وأقاربها، وظلت تنتقل الشائعة من شخص إلى شخص، وكلما انتقلت زاد حجمها، فصدق الجميع حمدي -عزت العلايلى، فهو الرجل، وما هي إلا امرأة مطلقة تحيا وحيدة مع ابنتها، انفض الجميع عنها، خالتها وابنة خالتها وصديقاتها المقربات، حتى (طارق) الرجل الوحيد الذى كانت تتمناه ظل الوضع على تلك الحال كثيرًا، حتى اتضحت كذبة زوجها، ذهب (عم إدريس) حارس العقار لاصطحابها من المشفى مبديا رضاه عنها، وعندما رضي عنها (عم إدريس) رفع عنها المجتمع القلم، لكن ظل شبح الإشاعة القديمة يطاردها حتى بعد أن ظهرت براءتها.

 

وبعد أكثر من ثلاثون عامًا مرت على إنتاج هذا الفيلم، ولكن عند مشاهدته سوف تشعر أنه أنتج هذا العام، السبب لا يكمن في إبداع  مؤلفة العمل، بالرغم من جودته، ولكن السبب الحقيقي يكمن في مجتمع لم يتغير مطلقًا ولم تتغير نظرته للمرأة المطلقة، مجتمع صلب أجوف يصر على وضع النساء في قوالب جامدة لا تتغير مهما مر عليها الزمن.

 

"دعاء الكروان" من أهم الأفلام العربية التى تناولت مبكرًا كارثة ما يسمى بـ"جرائم الشرف"، وإشكالية "شرف الأنثى"، واستغلال الفتيات العاملات بالمنازل جنسيا، والفيلم المأخوذ عن رواية لعميد الأدب العربي طه حسين، تتعرض للأفكار العفنة التى تقيم المرأة وسمعتها وتحدد حقها فى الحياة، بناء على مدى حفاظها على شرفها، الذى يختزله المجتمع فى نصفها السفلي، حين قدم الفيلم نموذج الفتاة الصعيدية، (هنادي) -زهرة العلا- الفتاة البريئة المغلوب على أمرها، التى تنتقل للعيش فى بيت أحد الأعيان لخدمته، فيستغلها كما يستغل أخريات إرضاءًا لغروره، وسبيلا لإفراغ شهوته الجنسية،وبعد أن خدعها وأوهمها بحبه، ينتهى الأمر بـ"هنادي" خدها الوبا، بعد أن يقتلها خالها انتقاما لشرفه.

 

ويعلو صوت الكروان، كما يعلو صوت الأنثى التى تنوح بآلامها وأوجاعها فى الخلاء، تشكو مجتمعا لا يرى فيها سوى جسد،تستغل لأجله، وتقتل بسببه.

 

واليوم ونحن نحتفل باليوم العالمي للمرأة نزف آلامها ومعاناتها فى كل مراحل حياتها، نحتفى بعذابها وشعورها بالقهر والظلم، نحتفل باليوم العالمي للمرأة وبيننا حسب الإحصاءات أكثر من ثلاثة مليون مطلقة من بينهم مئات الآلاف يعيشون معاناة بين أروقة المحاكم يبحثن عن أقل حقوقهن وحقوق أطفالهن، ومئات الآلاف من الغارمات اللاتي يتحملن مسئولية أسرهن بصلابة تفوق ما يتحمله اى رجل.

 

فلنحتفل باليوم العالمى للمرأة ولكن بعد أن يمنح مجتمعنا الذكورى المرأة أدنى حقوقها الآدمية  فى الحياة والكرامة.