منال لاشين تكتب: أزمة الرواتب الميرى

مقالات الرأي



الحكومة تدرس خفض رواتب الوزراء 10% مقابل زيادة معاشاتهم لـ20 ألف جنيه

■ موظفون بالدرجة الثانيه يتقاضون دخلاً مليون جنيه سنوياً رغم أنف الحد الأقصى للأجور 

■ بيان داليا خورشيد يكشف استمرار الدخول السرية للمسئولين 

■ بعد ثورة 25 يناير تبرع بعض المسئولين بنصف رواتبهم خوفًا من المحاكمة والنائب العام أجبر كبار القيادات على رد المكافآت

فى فرنسا وجهت الصحافة سهامها إلى أحد مرشحى الرئاسة، الرجل كان يبدو بلا خطيئة سياسية، ولكن الإعلام كشف عن أن زوجته حصلت على راتب أكبر من أقرانها وأن ثمة شبهات لاستغلال نفوذ زوجها السياسى للحصول على مزايا وظيفية.

المرشح الفرنسى عقد مؤتمرًا صحفيًا وكشف عن أن زوجته تحصل على 6333 يورو شهريًا، ببساطة كشف المرشح عن الراتب الحقيقى لزوجته، وهو تصرف عادى ومنطقى فى فرنسا والدول المتقدمة، فيمكن بضغطة زر على جهاز المحمول للدخول على الإنترنت، وفى نفس اللحظة يمكن أن تتعرف على رواتب مديرى بنوك سويسرا والعالم كله، فضلاً على دخول رؤساء الدول ورؤساء الحكومات.

ولكن فى مصر راتب الموظف العام سر من أسرار كهنوت الحكومة، السؤال عنه «رذالة» والإجابة عنه من المحرمات.

من بين خصائص الرواتب فى مصر أننا نضع الراتب مقياسًا وحيدًا لأداء المسئولين، المهم هو كم يقبض المسئول وليس كفاءة المسئول أو صلاحياته لتولى المنصب، ولذلك احتفينا بوزير تبرع براتبه واعتباره (برنس) الحكومة، ولم ندرك الخسائر التى تكبدتها مصر من وراء سياسات هذا الوزير.

وتطورت الظاهرة بعد ثورة 25 يناير، فمن ميراث الكراهية لوزراء نظام مبارك أصبحنا لا نطيق أن يحصل الوزير على راتب معقول أو معاش يضمن كرامة الشيخوخة.

بينما ركزنا على رواتب المسئولين تركنا فئات من الموظفين يحصدون أكثر من مليون جنيه دخلاً سنويًا دون محاسبة أو رقابة، فمصر تعيش أكبر فوضى فى الرواتب الميرى، آخر ملامح الفوضى هى أزمة رواتب الوزراء، ولكنها مجرد حلقة فى سلسلة فوضى الدخول فى مصر.

1- رواتب الوزراء

منذ سنوات قرر نظام مبارك عدم رفع رواتب الوزراء، وكأن النظام يدفع الوزراء للفساد، وفى ذلك الوقت اعتبر وزير الزراعة ونائب رئيس الوزراء الأسبق يوسف والى أفضل وزير لأنه يتنازل عن راتبه، فقد كان راتب الوزير لا يتجاوز 1500 جنيه، وبديلاً عن زيادة رسمية معلنة لدخول الوزراء تقرر نظام المظروف، فكانت رئاسة الجمهورية ترسل كل شهر من موازنتها مبلغًا لكل وزير وكان المبلغ يوضع فى مظروف ويتسلمه الوزير بجانب راتبه الرسمى، وفى آخر حكومة لمبارك وصل المبلغ الخاص أو السرى إلى 30 ألف جنيه، ولكن الظرف تحول إلى حساب بنكى توضع فيه المبالغ، وأول وزير يعلن عن راتبه فى مصر كان الدكتور حازم الببلاوى حين كان وزيرا للمالية فى أول وزارة بعد ثورة 25 يناير، ولم يسلم الببلاوى من غضب معظم زملائه من الوزراء.

وقد ظل هذا الوضع ساريًا حتى الآن ولذلك فإن راتب الوزير يبلغ 32 ألف جنيه، وكل ما يحاول المهندس شريف إسماعيل أن يفعله هو تقنين هذا الوضع، وليس زيادة رواتب الوزراء كما فهم من خطوة الحكومة، والميزة الوحيدة لضم المبلغ الإضافى للراتب هو زيادة المعاش للوزراء بعد إحالتهم للمعاش، ولكن محاولة شريف إسماعيل قوبلت بالرفض، فقد رأت جهات رقابية أن إحالة الملف للبرلمان سوف تثير غضب المواطنين، خاصة مع موجة الغلاء الرهيبة التى يعيشها المواطنون من ناحية، ورفض الحكومة زيادة الحد الأدنى للأجور من ناحية أخرى.

وإزاء الرفض ظهرت فكرة جديدة لتمرير زيادة معاشات الوزراء، لأن قلة المعاش تمثل سببًا رئيسيًا لرفض بعض المرشحين للمنصب الوزارى، الفكرة ببساطة هى إحالة قانون لمجلس النواب، ومشروع القانون المقترح يخفض رواتب الوزراء بنحو 10%، ويصل بها إلى 29 ألف جنيه، وبهذه الصيغة يمكن أن تمرر الحكومة القانون، وتضمن بذلك أن تقنن معاشًا كبيرًا للوزراء، وفى حال تمرير هذا القانون سيصل معاش الوزراء لنحو 15 ألف جنيه.

ثمة مشكلة قد تواجه هذا التشريع، وهى أن هناك نوابا بالبرلمان يرفضون من حيث المبدأ حصول الوزير على راتب وبدلات.

وقد فتح بيان لوزيرة الاستثمار السابقة داليا خورشيد ملف بدلات الوزراء، وهى بدلات حضور مجالس إدارات الشركات التابعة للوزراء، وكانت داليا خورشيد قد أعلنت فى بيان بعد رحيلها تبرعها بكل ما حصلت عليه من راتب وبدلات لصندوق تحيا مصر، وبحسب البيان فإن الوزيرة كانت قد حصلت على نحو 80 ألف جنيه بدلات خلال مدة عملها كوزيرة للاستثمار.

وبعيدا عن داليا خورشيد فإن بعض النواب يرفضون من حيث المبدأ حصول الوزير (أى وزير) على بدلات حضور مجالس الإدارات لعدة أسباب، السبب الأول أن حضور هذه المجالس هى جزء أصيل من عمل الوزير، والسبب الثانى والأهم هو أن هذه الطريقة تتيح لبعض الوزراء الحصول على ملايين الجنيهات فى سرية تامة تحت بند البدلات، وقد كانت هذه البدلات بابا سريا لحصول وزراء ومسئولين على ملايين الجنيهات قبل ثورة 25يناير

2- رواتب وبدلات

والمثير أن ظاهرة بدلات الوزراء كانت قد اختفت بعد ثورة 25 يناير، فبعد الثورة أو بالأحرى من توابع الثورة تقديم مئات وربما آلاف البلاغات حول دخول ومزايا رواتب كبار القيادات فى الوزارات والمؤسسات الحكومية، وقام مكتب النائب العام بالتحقيق فى عدد كبير من هذه البلاغات، وبعد التحقيقات طلبت قيادات عديدة رد المبالغ التى حصلوا عليها لبدلات ومكافآت ورد السيارات التى تم بيعها فى مزادات لأفراد أسرهم والسيارات المخصصة لهم، وكان من بين السيارات سيارة بورش وعشرات السيارات المرسيدس والبى إم، وذلك مقابل إغلاق الملفات.

وفى هذه الأثناء وبين حالة الهلع التى حدثت سارع كثير من القيادات الوسيطة فى الحكومة بالسفر للدول العربية والعمل فى مؤسساتها، ونظرًا لكفاءتهم فقد كانت الدول العربية الخليجية تتخاطفهم، أما من فضلوا البقاء فى مصر والاستمرار فى مناصبهم، فقد تبرعوا أو تنازلوا عن نصف رواتبهم وعن البدلات ومعظم المزايا العينية، وكان أول مسئول أعلن تنازله عن نصف راتبه هو رئيس البورصة محمد عمران، واستمر الانضباط فى صرف البدلات وتطبيق الحد الأقصى من الفترة ما بعد ثورة 25 يناير إلى ثورة 30 يونيو، ولكن استمر أيضًا الرفض الشعبى الشديد لمنح الوزراء وكبار المسئولين أى مزايا مالية أو عينية، وهذا التوجه لا يمكن أن يضمن وصول شخصيات كفء لمنصب الوزير، لأن ضعف الرواتب سيجعل المنصب حكرًا على الأثرياء فقط بصرف النظر عن كفاءتهم، وسنجد الوزراء إما رجال أعمال سابقين أو مديرين فى شركات عالمية، وهو ما حدث فى وزارة الاستثمار عند اختيار كل من أشرف سالمان وداليا خورشيد للمنصب.

ولذلك يجب أن نقلل من غضبنا على راتب الوزير أو مميزاته خاصة المعاش، فالراتب المعقول والمعاش الجيد أول خطوات حماية للمنصب الوزارى من ناحية، ولإتاحة الفرصة للأكفاء لتولى هذه المناصب من ناحية أخرى.

3- رواتب سرية

فى الوقت الذى نضع كل تركيزنا على رواتب الوزراء وكبار المسئولين أو حتى المستشارين، فإننا نهدر تكافؤ الفرص والمساواة، فعلى الرغم من تطبيق قانون الخدمة المدنية إلا أن فوضى الرواتب لم تنته بعد، ولن تنتهى طالما ظل النظام الحالى للرواتب والدخول، فالحد الأقصى للرواتب لم يطبق على جميع الموظفين، ولا يزال هناك قيادات متوسطة فى الجهاز الإدارى تحصل على دخل سنوى يتخطى المليون جنيه سنويا، وذلك من خلال بدلات ومكافآت اللجان وعضوية مجالس إدارات الشركات التابعة للهيئات والشركات التى تخضع لإشراف الوزارة، وفى مكاتب بعض الوزراء يصل الدخل الشهرى لبعض العاملين بهذه المكاتب إلى 100 ألف جنيه شهريا.

هذة الفئة لا تزال موجودة فى معظم الوزارات فى مصر وتحصل على ملايين الجنيهات سنويا فى سرية تامة، ومن حين لآخر تكشف الصحافة بالمستندات عن أحد هذه القيادات أو بالأحرى رواتب وبدلات هذه القيادات التى تتجاوز 100 ألف جنيه شهريا.

والمثير أن الحكومة تعلم هذه الظاهرة جيدًا، ولكنها تفضل أن تنكرها، بل إن هذه المشكلة بحثت من قبل فى اجتماعات المجلس الأعلى للأجور عدة مرات، وكان الحل الوحيد لوقف هذه الظاهرة هو تعديل نظام الرواتب، بحيث يتم صرف الرواتب أو البدلات أو أى أموال حكومية أو عامة بالرقم القومى للموظف، ويتم هذا النظام عبر برنامج (سوفت وير) يربط بين الرقم القومى والأجور، ومن خلال هذا البرنامج يمكن التعرف بسهولة على كل موظف يتخطى الحد الأقصى للرواتب.