معلومات ربما لا تعرفها عن الفيلسوف "جورج سانتَيانا"

منوعات

جورج سانتَيانا
جورج سانتَيانا


خورخه رويث دي سانتَيانا Jorge Ruiz De Santayana هو الاسم الحقيقي للفيلسوف والناقد الأدبي والكاتب الإنساني الإسباني المولد والمنشأ جورج سانتَيانا. ومع أنه درس وأقام وعمل في الولايات المتحدة جزءاً لابأس به من حياته، إلا أنه لم يتخل قط عن أصوله اللاتينية وجذوره الأوربية.

ولد سانتَيانا في مدريد، وكان والده موظفاً بسيطاً. رحل مع والدته إلى بوسطن في الولايات المتحدة عام 1872، ودرس في المدرسة اللاتينية هناك، ثم في جامعة هارفرد التي تخرج فيها بتفوق عام 1886. بعد عامين قضاهما في جامعة برلين عاد إلى هارفرد لاستكمال الدكتوراه، وصار عضواً في هيئتها التدريسية عام 1889. لم تأسره زخرفة الحياة الأمريكية، ولم ينقطع عن زيارة إسبانيا وبعض دول أوربا والشرق. ومع تفوقه في التدريس والتأليف والعمل مع أقرانه، من مثل الذرائعي pragmatist وليم جيمس[ر]، إلا أن الولايات المتحدة، ونيوإنغلند New England معقل البيوريتانية[ر] (التطهرية) بوجه خاص، كانت أبعد ما تكون عن طبيعته وفكره. وفي أوج نجاحه في حياته الأكاديمية، وبعد وفاة والدته في أثناء زيارة قاما بها لإسبانيا، وعلى الرغم من العروض المغرية من جامعته قرر البقاء في أوربا والتخلي عن الولايات المتحدة نهائياً، كما رفض أيضاً عرضاً للعمل في جامعة أكسفورد، وتفرغ للتأمل والتأليف، واستقر في روما بدءاً من عام 1924.

مع أن الإسبانية كانت لغة سانتَيانا الأم، إلا أنه كتب كامل إنتاجه باللغة الإنكليزية، وكان أول ما نشره مجموعة شعرية بعنوان «سونيتات وأشعار أخرى» (1894) Sonnets and Other Verses. وكان إنجازه الأهم في هذه الحقبة دراسة في علم الجمال بعنوان «حس الجمال» (1896) The Sense of Beautyتحدث فيها عن المُثل الزائلة transitoryوتمييزها من الأخرى الدائمة permanent. وبيَّن في مؤلفه التالي «تفاسير في الشعر والدين» (1900) Interpretations of Poetry and Religion الروابط التي تجمع المَلكات الجمالية والأخلاقية، وكان مَثَله في ذلك شعر روبرت براوننغ[ر]. ومع أنه كان يُعَدّ ملحداً، أو على الأقل غنوصياًgnostic [ر. الغنوصية]، إلا أنه سعى لفهم مهمة الدين، فوجد الخطاب الديني دعوة لتعزيز الأخلاق ورموزاً تكشف عن تطلعات الإنسان وموقعه في الكون، كما كتب بكثير من التعاطف حول شخصية السيد المسيح حسبما وردت في الكتاب المقدس. أما نواة مؤلفه «حياة العقل» (1905ـ1906) The Life of Reason ، الذي كتبه في خمسة مجلدات، فقد كونها من دراسته لكتاب هيغل[ر] «فنومنولوجيا العقل» Phenomenology of Mind. فالعقل في رأيه مزيج من الدوافع impulse والأفكار ideation. وقد شرح نظريته هذه في مقالات جمعت في مجلدين بعنوان «ثلاثة شعراء فلاسفة: لوكريتيوس، دانتي وغوته»: (1910)Three Philosophical Poets Lucretius, Dante and Goethe، و«رياح العقيدة» (1913)Winds of Doctrine ناقش فيه شعر شِلي[ر] وفلسفة برغسون[ر] ورَسل[ر].

كانت الفلسفة النظرية speculative philosophy محور فكر سانتَيانا في حقبة ما بين الحربين العالميتين، وكان مؤلفه «الريبّية والإيمان الروحي» (1923) Scepticism and Animal Faith إنجازاً كبيراً من حيث الدقة في الصنعة والعمق في التحليل، وتعبيراً عن فكر سانتَيانا أكثر من أي مؤلَّف آخر، وبداية لمرحلة النضج في فلسفته، شرح فيه رؤيته حول التوصل إلى الإيمان عن طريق الحس ويقترب فيه من فلسفة سويدنبورغ[ر] Swedenborgإلى حد كبير. وقد طور هذه الأفكار في مؤلفه الأهم المُدوَّن في أربعة مجلدات «أنواعالوجود» (1928ـ1940) The Realms of Being  وهو دراسة في الأنطولوجيا[ر] (علم الوجود) ويأخذ بيد قارئه، بلغة سهلة جذابة، عبر موضوعات كانت تربك قرّاء غيره من الفلاسفة. فالوجود عنده مؤلف من أربعة مكونات هي الماهية essence والمادة matter والروح spiritوالحقيقة truth. وهو يحذو حذو أرسطو[ر] في التركيز على الدور الرئيس للمادة (الطبيعة) وكونها سابقة على كل شيء، وعليها يقوم الإيمان الروحي أو الحسِّي animal faith. ويركز أيضاً على كون المعرفة قائمة على فرضية وجود الروح؛ إذ إن من الممكن التعالي[ر]transcend عن الأمور المادية والوصول إلى حالة تأملية في أي من الماهيات والتحرر من قيودها، وهذا ما يسميه «الحياة الروحية» spiritual life. وربما كانت هذه النظرية مركزية أيضاً لا في فلسفة سانتَيانا فحسب، بل على صعيد حياته الشخصية أيضاً، ومن هنا كان عزوفه عن مظاهر الحياة المادية.

كتب سانتَيانا رواية واحدة هي «البيوريتاني الأخير» (1935) The Last Puritan حازت على رضى النقاد، وسيرته الذاتية في «أشخاص وأمكنة» Persons and Places في ثلاثة مجلدات (1944ـ1953)، وتحليلاً لدور الإنسان وللتناقضات في المجتمع الأمريكي في «الهيمنة والقوة» (1951) Dominations and Powers. وكان يعمل في ترجمة شعر الإيطالي لورِنزو دي مديتشي Lorenzo de Medici عند وفاته في روما حيث دُفن في مقبرتها الإسبانية.

رأى سانتَيانا أن الحقيقة مطلقة، إلا أن آفاق الإنسان المحدودة تشوهها، وقال بنسبية الخير والشر، وفقاً لطبيعة الأشخاص، وبكون الفلسفة فناً للتعبير عن الرؤى في القضايا الإنسانية الكبرى.