نادية صالح تكتب: ذكرياتى فى الربيع مع عبدالوهاب وعبدالحليم "1-2"

مقالات الرأي



كم أنت محظوظ أيها الربيع الذى جمعت أيامك بين ميلاد عبدالوهاب.. النهر الخالد للموسيقى فقد كان ميلاده بين أيامك..، وكم أنت محظوظ أيضاً يا «ربيع» بعدما طار العندليب عبدالحليم حافظ من إحدى نوافذك ليحط هناك على شجرة الخلود، يغنى لنا ونغنى معه كلنا.. شباباً وشيوخاً.. عبدالوهاب وعبدالحليم يا سادة: كلاهما له صلة بالربيع المحظوظ..، وأغلب الظن فى هذه الحالة أن الحياة أرادت أن تكشف لنا بعض أسرارها التى تقول: لا تفرحوا ولا تحزنوا فالميلاد والرحيل أحد أهم السفن التى يجب أن يدركها الإنسان.. فابتسم يا صديقى وعش حياتك سعيداً متفائلا بالربيع دائماً..،

والآن وبعد هذه المقدمة التى أردت أن تكون قبل أن أحكى لحضراتكم ذكرياتى الشخصية بعد لقاءاتى الإعلامية مع عبدالوهاب العظيم وعبدالحليم الساحر..، قابلت الأستاذ عبدالوهاب قبل أن أرى العندليب طبعاً، وقد كان عبدالوهاب حريصاً على صداقة الإعلاميين ومناغشتهم ومداعبتهم بخفة ظله ولثغته.. لثغة لسانه المعروفة - التى أظن أنه كان يسعد عندما يقلده الناس بها، ومن فرط حبنا له كنا نحرص على أن نذيع مقاطع أغنياته خلال برامجنا، بل نعطيها من الاهتمام مالا نعطيه لغيرها، فمثلا كان المطرب محمد قنديل معاصراً للأستاذ عبدالوهاب لكنه كان بعيداً عن الإعلام.. ولذلك لم نكن -دون قصد طبعاً- لم نكن نتذكره أو نتذكر أغنياته كثيراً..، ناهيك عن أن محمد عبدالوهاب لم يكن يترك مناسبة أو فرصة إلا وينتهزها ليكون له أثر لا ينسى فيها، وأذكر هنا واحدة من الحكايات الطريفة عندما اتصل.. بمنزلى تليفونيا وأجابته «حماتي» وقتها..، وبالطبع عندما قال لها إنه عبدالوهاب.. تلعثمت الغلبانة.. المهم.. سألها: «مين ثياتك» أى «مين سيادتك» وعرف أنها «حماتي»، فما كان منه إلا أن أعطاها جرعة من الحنان والدفء قائلا: وكما حكت لى بعدها «أنت حضرتك الشجرة اللى بتضلل على البيت، وبتطرح فيه الحب والحنان.. ربنا يخليك ويبارك فيك»، ولعل المسكينة لم تنم ليلتها.. بل أظنها عاشت على دفء كلماته أياماً وأيام، هكذا كان عبدالوهاب..، لابد هنا أن أحكى لحضراتكم أننى وبعدما شرفت بلقائه فى أولى حلقات برنامجى «مكتبة فلان»..، ظل ضيفى الأول فى كل حلقات برنامجى بعد ذلك، وما كان منه إلا أن أهدانى إحدى مقطوعاته الموسيقية لتكون لحناً مميزاً لبرامجى.. كان الأستاذ عبدالوهاب قارورة من الذكاء ونغمة فنية لا تماثلها أى النغمات..، ويا أيها السادة -ذكرياتى كثيرة مع الأستاذ ولن أستطيع إنهاء هذه الصفحات دون أن أتذكر تلك الكلمة التى وصفنى بها أول مرة قابلنى فيها أو على الأصح قابلته أنا فيها..، ولم أعرف وقتها معناها وذهبت إلى أبى اسأله: يعنى إيه «حبرتئية» يا بابا؟! فقال لى: يعنى بكاشة أو أروبة..، كان عبدالوهاب ابن باب الشعرية الذى لم يتركها يوماً مهما غادرها إلى الزمالك أو جبال لبنان مع أمير الشعراء والآن.. هل رحل الأستاذ عبدالوهاب؟!.. سؤال والإجابة معروفة.. الفن الأصيل لا يرحل.. ألا تسمع الآن فى أذنك صوته الجميل وموسيقاه.. ألا تسمع النهر الخالد- فى الليل لما خلي- خى.. خى- لأ مش أنا اللى أبكي- أنا والعذاب وهواك- أنت عمري- وغيرها وغيرها.. عبدالوهاب بيننا يزين الربيع ويجمله دائما..

وإلى الأسبوع القادم نجدد الربيع أو يجددنا الربيع مع العندليب عبدالحليم حافظ.