عادل حمودة يكتب: زبون الموسم الميت فى شرم الشيخ

مقالات الرأي



■ تناولت الغداء مع الوفد البرلمانى البريطانى فى غياب مسئول من وزارة الخارجية فلم يعرف أحد الهدف من زيارته!

■ الوفد استمتع برحلة مجانية دون أن يفسر لماذا لم ترفع حكومته الحظر الذى فرضته على مواطنيها للسفر إلى شرم الشيخ

■ تقرير آخر بعثة أمنية بريطانية على مكتب رئيسة الحكومة: مطار شرم الشيخ الأكثر أمنا بين مطارات العالم

■ تكهنات سياسية: روسيا تضغط على مصر بالسياحة بعد أن رفضنا قاعدة عسكرية لها وفى انتظار توقيع عقد الضبعة

■ قبل أن تعود شرم الشيخ إلى الصحراء يجب السماح للأجانب بتملك الاستثمارات فيها والتوقف عن تراخيص بناء منتجعات جديدة والتدخل لوضع حد أدنى للأسعار التى أصبحت أرخص من التراب


لو كانت الصحافة امرأة فإنها لن تخجل من الاعتراف بشهوانيتها.

زوجة غيورة لا تقبل أن تعاشرها نصف وقتك.. أو بنصف جسدك.. أو حين ميسرة.

ولا تعترف بمرض أو إجازة أو نوم.

وتصر على أن تكون مستنفرا.. متأهبا.. جاهزا لتلبية رغباتها حين تريد.. ولحظة أن تشاء.

عشت معها منذ نحو خمسين سنة من الأشغال العاطفية والمهنية المؤبدة.. لكننى.. دون إنذار تمردت عليها.. وهربت منها إلى شرم الشيخ.. أكثر مدن الدنيا سحرا فى عينى.. بل.. وقاطعت كل ما يمت لها بصلة.. لم أقرأ صحيفة.. لم أشاهد برنامجا.. لم أتابع خبرا.. ولم أخسر شيئا.

لكن.. بعد أن طال صبرها أسبوعين حتى كاد أن ينفد وجدتها تختبرنى.. ربما قبل أن تطالب بحقها فى الخلع.

ألقت فى حجرى بخبر وصول ستة نواب بريطانيين من حزب المحافظين إلى شرم الشيخ يوم الجمعة الماضى وقضاء ليلة فى فندق ركيسوس.. أحد أكثر منتجعات العالم ترفا.. وهم هوجو سواير وإدوارد جارنير وريتشارد بنيون وشارلوت ليزيل وجيمس دودريدج وليو ديكرتى.. ودعيت للحوار والغداء معهم بحضور محافظ جنوب سيناء خالد فودة ورئيس جمعية مستثمريها هشام على.. ولم يكن على المائدة من أبناء صاحبة الجلالة سواى.

توقعت أن أجد معهم سفيرا مختصا ومطلعا من الخارجية ــ يشرح لهم ويفسر ما غاب عنا فى قرار حكومتهم بمنع رعاياها من السفر إلى شرم الشيخ ــ لكن كالعادة كانت الوزارة غائبة عن أبسط وظائفها، فجرى الحوار بيننا وبينهم اجتهاديا وربما أفقد ذلك الزيارة كثيراً من تأثيرها.. وربما كانت مجرد «ويك إند» مجانى قضته المجموعة على حسابنا وسرى الدفء فى أوصالها التى سكنها شتاء لندن المهددة دائما بالتجمد.

تمثل المجموعة «مجلس المحافظين للشرق الأوسط» الذى أسسه سير دنيس والترز فى عام 1980 تحت حكومة مارجريت تاتشر لفهم ما يجرى فى المنطقة المعقدة التى نعيش فيها وتعزيز المصالح البريطانية فيها.

كانت الشخصية البارزة فى الوفد رئيس المجلس نفسه السير هوجو سواير وهو نائب فى البرلمان منذ عام 2001 وكان سكرتيرا شخصيا لرئيسة الحكومة تيرزا ماى، عندما كانت رئيسا لحزب المحافظين وكان وزير دولة لكثير من الشئون الخارجية (الكومنولث والمحيط الهادئ ومكافحة المخدرات والجريمة الدولية) وتقاعد فى العام الماضى.

تحمس المركز تحت رئاسته لدول الخليج السخية بتمويلها للأبحاث والمؤتمرات والزيارات وبدا من حوارى الجانبى معه تجنبه الحديث عن ثورة 30 يونيو وحماية بريطانيا لجماعة الإخوان وبدا مقتنعا بأن الإطاحة بهم عمل غير مفهوم.

أما الأكثر حماسا لمصر فهى شارلوت ليزيل وهى عضو فى جمعية أصدقاء مصر فى البرلمان البريطانى التى سبق أن زارت شرم الشيخ فى يوليو الماضى بتخطيط وتمويل من سمير تكلا.. المصرى المقيم فى لندن الذى لعب دورًا مؤثرًا فى مواجهة الإخوان هناك.

وخلال المدة بين الزيارتين (من يوليو إلى مارس) استوفى مطار شرم الشيخ كل الشروط الأمنية التى طلبت وأكثر.. تفتيش كامل بخلع الأحذية مرتين فيما لا يحدث فى مطار آخر.. تركيب أجهزة أشعة العين والحقائب والجسم بأكمله.

وحسب ما سمعت من المحافظ فإن آخر بعثة أمنية بريطانية جاءت منذ شهرين ورفعت تقريرا يؤكد أن المطار أكثر مطارات العالم أمنا.. والتقرير على مكتب رئيسة الحكومة البريطانية لكنها لم تبت فيه.. وفى الوقت نفسه لا تجد ضغوطا دبلوماسية تدفعها للتعجيل باتخاذ القرار.

سألت أكثر من عضو فى الوفد: هل هناك سبب سياسى لما يجرى؟ وكانت الإجابة المتوقعة بالنفى وتطوع أحدهم ليضيف: «شوفوا روسيا قبلنا».

ولو كان المفتاح فى يد روسيا فلم نضيع وقتنا مع بريطانيا.

وحسب ما عرفت من مسئولى المحافظة فإن خبراء الأمن الروس طلبوا جهازا متطورا للمطار يحتاج تصنيعه وتمويله وإجراءاته البيروقراطية إلى نحو السنة مما يعنى ضياع أكثر من موسم سياحى جديد بعد 15 شهرا من غيابهم عن شرم الشيخ.

وهناك اجتهادات سياسية تشير دون دليل إلى أن موسكو تؤخر عودة السياحة بسبب رفض مصر منحها قاعدة عسكرية وانتظارا لتوقيع العقد النهائى لمفاعلى الضبعة.

وكان الروس والإنجليز يشكلون ما يقرب من ستين فى المائة من سياح شرم الشيخ ويأتى بعدهم الألمان والسويسريون والإسكندنافيون (النرويج والسويد والدنمارك) بل إن اللغة الروسية تفرض نفسها على المتاجر والصيدليات وأكشاك شرطة السياحة بحانب وجود نحو سبعين ألف زوجة روسية يعشن فى كنف أزواجهن المصريين.

(لقد تألمت عندما سمعت من «م» الشاب الأسمر النحيل أنه يعمل فى وظيفتين (بائع فى سوبر ماركت وبائع فى شركة تسويق عقارات) ليدخر ثمن تذكرة عودة زوجته من روسيا).

وعوضا عن السياحة الروسية جاءت السياحة الأوكرانية بوفرة (70 طائرة شارتر أسبوعيا) ولكن مستوى المعيشة المنخفض فى بلادها (متوسط الأجر الشهرى 100 دولار) فرض نفسه على الأسعار حتى أن بعض الفنادق تبيع اليوم (نوما وطعاما وشرابا) بنحو 15 دولارا (مثل منتجعات كامل أبو على) ورغم ذلك فإن نسبة الإشغال لا تزيد فى أفضل الأحوال عن ثلاثين فى المائة.

وامتد تدنى الأسعار إلى الأنشطة الترفيهية (الغوص والسفارى والرحلات البحرية) وزيارات الأماكن المقدسة (سانت كاترين وجبل موسى وحمام فرعون) ولم أكن أعرف أن هناك رحلات برية إلى القدس كان سعرها 300 دولار انهار مع المنافسة إلى 60 دولارا مما يعانى أن ما تنفقه الدولة على الطرق والأمن والنظافة والخدمات العامة أقل مما تحصل عليه من رسوم وضرائب.

ولا شك أن ضرب الأسعار يضعف من جودة الخدمة بما يسىء إلى شرم الشيخ والدليل على ذلك المركب التى غرقت منذ أسبوعين هناك وأصيب فى الحادث 14 سائحا مما زاد من التشهير بنا فى تركيا.

ولا مفر من أن ينفذ وزير السياحة يحيى راشد سياسة الحد الأدنى للأسعار التى طالب بها ولو احتجنا إلى إجراءات صارمة تخول له معاقبة غير الملتزمين بها وقد سمعت منه أن هذه الإجراءات ستصدر خلال الأسبوع المقبل والكل ينتظر اختبار قدرته على التنفيذ.

ولو كنت من الحكومة لأوقفت الترخيص بفنادق جديدة فى شرم الشيخ فعدد الغرف هناك يصل إلى 60 ألف غرفة وتحت الإنشاء 20 ألف غرفة أخرى وهو ما يزيد من العرض إلى حد بيع الغرفة بأقل من سعر خدمتها.

وتحزن عندما تجد مركز تسوق جديدا (جنينة مول) به 500 متجر وليس به زبون واحد ويضطر صاحبه لدفع مليون جنيه شهريا عمالة وصيانة بلا عائد وضرب الإهمال مركز تسوق الماركاتو بعد إغلاق معظم محلاته وكثيرا ما كنت الزبون الوحيد الذى يشرب القهوة فى ستاربكس أو يأكل سندوتشا فى مطعم ماكدونالدز أو يشترى دواء من صيدلية العزبى.

(سمعت من ناصر عبد اللطيف أن كثيرًا من المستثمرين يشعرون بالحزن عندما يرون فنادقهم التى أنفقوا عليها دم قلبهم خاوية إلا قليلاً).

وهناك اقتراح جرىء ينقذ تلك المليارات التى شيدت المدينة وجعلت منها مقصدا سياحيا مميزا.. أن تسمح الحكومة للأجانب بالاستثمار فى شرم الشيخ.. سوف تجنى عملة صعبة.. وتخلق أصحاب مصالح يحرصون على تشغيل فنادقهم بسياح يأتون بهم من الخارج مهما كانت صرامة الحصار والضغوط والمقاطعة.. وهذا سر من أسرار نجاح دبى.. كما أن لا أحد سيحمل ما اشترى من مبان على كتفه ويرحل.

ولو كانت هناك اعتبارات أمنية فمن الممكن وضع الضوابط التى لا تخل بها.. كما أن هذه الضوابط لم تمنع أن يشترى أجانب فنادق فى شرم الشيخ تحت أغطية من أسماء رجال أعمال مصريين والجهات المعنية تعرفهم وتتعامل معهم فنحن على ما يبدو لا نزال نفضل اللعب فى الخفاء فنجنى شر الأشياء ولا نصل إلى خيرها.

ولو كانت السياحة الروسية والبريطانية تدلل فإن السياحة الألمانية كسرت الحصار وسيصل عدد طائراتها أسبوعيا إلى 150 طائرة شارتر.. وعلى خلاف ما ذكر فى أحد برامج التوك شو نالت مصر اهتماما فى سوق برلين الأخيرة نكاية فى الرئيس التركى رجب أردوجان بعد صدامه مع كثير من الدول الأوروبية (على رأسها هولندا) وصلت إلى حد المقاطعة الكاملة.

وما يثير الدهشة استسلامنا للتعسف الروسى وتعسفنا مع دخول سياح دول أخرى مثل دول المغرب العربى فهل أصبنا بعقدة جلد الذات.. «نفكر فى اللى ناسينا وننسى اللى فاكرنا ونهرب من اللى شارينا وندور على اللى بايعنا».. حسب القاعدة العاطفية المقلوبة لمحمد عبد الوهاب؟

إن الفيزا الإلكترونية هى الحل.. يسهل على من يحمل فيزا الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبى الحصول عليها.. فقد أجريت عليهم أعلى درجات الفحص الأمنى.

لكننا.. نهوى الجباية.. ونرفع قيمة الفيزا من 20 إلى 60 دولاراً رغم ضعف الطلب علينا.. بل أكثر من ذلك نرفع سعر تذاكر الطيران إلى شرم الشيخ إلى حد الجنون رغم تأخر طائرات مصر للطيران بالساعات وإلغاء كثير من رحلاتها.. وهو ما يجعل ضم الطيران والسياحة فى وزارة واحدة أمرا لا مفر منه.

وقد وفرت الكثير من المال بالسفر بريا أنا وعائلتى كما أن الطريق آمن رغم تعدد الأكمنة وإن يفتقد الخدمات الأخرى.

لكن.. ما أن تدخل شرم الشيخ حتى تشعر بأنك نجوت من الديسكوتيك الصاخب الموتر والمجنون الذى تعيشه فى القاهرة.. نجوت من سوء أخلاق الزحام.. حيث الأعصاب منفلتة.. والملامح مكتئبة.. والهموم متراكمة.

مدينة نظيفة.. هادئة.. مريحة.. تطور نفسها رغم الكساد.. وتصون خدماتها ساعة بساعة.. لكنها.. تنتظر من ينقذها من مستقبل متشائم، ربما يعيدها للصحراء مرة أخرى كما سمعت من هشام على.

لقد استمتعت بكل شىء فى شرم الشيخ وكدت أن أنسى مهنتى، ولكن تلك المرأة التى نسميها الصحافة ــ التى حولها البعض إلى صرافة ــ لم تحتمل راحتى وأصرت على أن أعود إلى خدمتها فلم أجرؤ على التمرد واستسلمت لطلبها.