في يوم المسرح العالمي.. محطات هامة في تاريخ "أبو الفنون" (تقرير)

الفجر الفني

بوابة الفجر


"المسرح أبو الفنون" مقولة معروفة منذ مئات السنين، وتعبر عن الأهمية البالغة للمسرح كنوع من أنواع الفنون وأقدمها على الإطلاق، وتعود بداية المسرح في جميع الحضارات إلى الاحتفال بالطقوس الدينية المختلفة، والدليل على ذلك وجود مخطوط لمسرحية دينية مصرية كتبت عام 2000 ق.م، تدور حول الإله أوزوريس وبعثه، وتعتبر الدراما الإغريقية هي الأصل في التأليف المسرحي الغربي، واقتصرت منذ نشأتها على الاحتفالات بعبادة الإله ديونسيوس، وكان الناس يحتفلون بوضع أقنعة على وجوههم، ويرقصون ويغنون احتفالا بذكراه.

وفِي ذكرى يوم المسرح العالمي، التي توافق اليوم الإثنين، الموافق ٢٧ من مارس الجاري، يستعرض "الفجر الفني" أهم محطات تطور فن المسرح، وأبرز رواده من نجوم الفن في العالم العربي.

ظهور المسرح اليوناني والروماني
وفِي القرن الـ5 ق.م بلغ المسرح اليوناني أوج مجده، وكان سوفوكليس ويوريبيديس وايسخولوس هم أكبر كتاب التراجيديا وأريستوفان هو أكبر كاتب كوميديا، ولم يصل المسرح الروماني إلى مستوى الدراما اليونانية، وإن وصل كتاب مثل سينكا في المأساة، وبلاوتس وتيرنس في الملهاة، وكان لهم تأثير بالغ في الدراما بعد القرن الـ16، ثم تدهور المسرح في ظل الامبراطورية الرومانية، وكاد يختفي أمام معارضة الكنيسة. 

المسرح في عصر النهضة
وفي العصور الوسطى في أوروبا، ظهر نوعا أخر من المسرح، نشأ عن الطقوس الدينية، فشاعت مسرحيتا المعجزات والأسرار،  وتغير شكل المسرح تدريجيا حتى ابتعد عن الموضوعات الدينية، وفي عصر النهضة بدأت حركة إحياء العلوم و الفنون، فبدأ المسرح في التطور والتحديث، واعتمد بشكل أساسي على الشعر حتى القرن التاسع عشر، ومن أبرز أنواعه المأساة، التراجيديا، الملهاة، والمسرحية الهزلية، والمسلاة وهي"مسرحية قصيرة يغلب عليها الرقص والغناء لشغل الجمهور أثناء العروض الرئيسية أو قبلها".

المسرح الحديث
شكلت الدراما الشعبية عاملا أساسيا في المسرح الحديث، بظهور العديد من أشكال المسرح التجريبي المعاصر، والتي سارت على الشكل التقليدي للمسرحية ذات البداية والمنتصف والنهاية، واستمر أحد قسمي هذه الظواهر الشعبية حتى نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، أما القسم الآخر فما زال يقدم حتى الأن مثل فنون الرقص الغجرية، الكاولية، القراقوز، خيال الظل، السماحة، المقامات، السير الشعبية، أو عاشوراء التي كانت سببا لظهور أشكال مسرحية مهمة أخرى مثل: الأخباري والسماح، حفلات الذكر، المولوية في المشرق العربي ومسرح البساط، صندوق العجائب، المداح، الحكواتي، إسماعيل باشا في المغرب العربي.

الحركة المسرحية في لبنان وسوريا
وانقسمت البداية الفعلية للحركة المسرحية العربية في لبنان وسوريا، إلى عدة مراحل وهي محاولة النقاش حين قدم مسرحية "البخيل" عن مولير، عام ١٨٤٧م، ومرحلة الترجمات، حيث نقل شلبي ملاط، مسرحية "الذخيرة" عن الفرنسية، ومسرحية "شرف العواطف"، وكذلك في ترجمة أديب إسحاق، مسرحية راسين "أندروماك"، وتعد المرحلة التاريخية هي مرحلة بعث التاريخ الوطني العربي، والتي كتب نجيب الحداد خلالها مسرحية "حمدان"، والتي استمدها من حياة "عبدالرحمن الداخل".

وظهرت مرحلة الواقعية الاجتماعية، والتي تمثلت في كتابات جبران خليل جبران، ومن مؤلفاته مسرحية "إرم ذات العماد"، ومسرحية "الأباء والْبَنُون" التي كتبها ميخائيل نعيمة عام ١٩٧٧م، وهذه المرحلة دخلت إلى لبنان عن طريق حركة أدباء المهجر في أمريكا، أما في سوريا فقد بدأ المسرح من فن "الكراكوز" الذي كان يقدم في المقاهي مع شئ من رقص "السماح"، ومن أشهر لاعبي "الكراكوز" كان الفنان محمد حبيب.

الشيخ أحمد أبو خليل القباني
في عام ١٨٧٨م، مارس الشيخ أحمد أبو خليل القباني، نشاطه مع زميل له هو الممثل إسكندر فرح، في سوريا بتشجيع من الوالي التركي مدحت باشا، فشكل الثنائي فرقة مسرحية دائمة للتمثيل، قدما من خلالها مسرحية "عايدة"، ومسرحية "الشاه محمود"، واستطاعا استقطاب الطبقة الواعية المثقفة، ولكن وقوف بعض رجال الدين ضده أدى إلى إغلاق مسرح القباني، وتوجه القباني وزميله إسكندر فرح، إلى الإسكندرية عام ١٨٨٤م، وعرضا مسرحية "الحاكم بأمر الله"، على مسرح الأوبرا، وحضرها الخديوي توفيق، وظل القباني يعمل على مسارح القاهرة حتى عام ١٩٠٠م، ثم عاد إلى دمشق وأعاد بِنَاء مسرحه، وحقق نجاحا كبيرا لموهبته في الموسيقى والتلحين والتأليف، واستمر نجاحه حتى وفاته عام ١٩٠٣م.

ظهور فن المسرح في مصر
كشفت النقوش الفرعونية على جدران المعابد عن معرفة قدماء المصريين بفنون المسرح، فهذه النقوش تدل على وجود عنصر الدراما في ذلك المسرح القائم على الأساطير الدينية، وخاصة أسطورة "إيزيس وأوزوريس" والصراع الأبدي بين الخير والشر، ووردت الإشارات التي تؤكد أن العرب عرفوا أشكالاً تشبه الأشكال المسرحية المعترف بها مثل "مسرح خيال الظل" والذي نضج على يد الفنان الشاعر محمد جمال الدين بن دانيال، فضلا عن أشكال "صندوق الدنيا، ومسرح السامر، ومسرح المحبظي".

والحقيقة أن فن المسرح بمفهومه الحالي لم يعرفه العرب إلا أثناء وجود الحملة الفرنسية في مصر، إذ كانوا قد جلبوا معهم الممثلين والمخرجين والكتاب، وأقاموا بعض المسارح الخشبية ليمثلوا فيها بالفرنسية بعض الروايات للترويح عن جنودهم، وكان الشعب يسترق النظر من خلال الألواح الخشبية لكي يشاهد ما يجري على تلك المسارح.

جورج أبيض وسلامة حجازي
كان المسرح المصري في الْقرن التاسع عشر يغلب عليه طابع التطريب والغناء، واستمر هكذا حتى بداية القرن العشرين، وخطى المسرح المصري إلى الأمام، حيث دخل في حياة الناس والتصق بنشاطهم السياسي والفني والفكري، وأصبح وسيلة غير قابلة للانفصال عن المجتمع المصري، وعمل الشيخ سلامة حجازي على تطوير المسرح المصري، فحول غنائياته إلى صرخة وطنية كانت مكتومة، واستعان به جورج أبيض وقدمه إلى فرقته، ليكونا فرقة جديدة باسم "أبيض وحجازي"، وقدمت الفرقة العديد من الروايات العالمية في صورة غنائية.

وتسببت ظروف الحرب العالمية الأولى في اقتصار النشاط المسرحي في مصر، على صالات الرقص والغناء وإلقاء المونولوجات وتمثيل الاسكتشات لتسلية جنود الحلفاء، ورغم ذلك استمر جورج أبيض وسلامة حجازي في نشاطهما، وظهر أولاد عكاشة، ومسرح منيرة المهدية، وعبدالرحمن رشدي، الذي قدم لنا مدرسة البكاء والدموع، وفِي عام ١٩١٦م، ظهر نجيب الريحاني الذي كوّن مع صديقه عزيز عيد فرقة كوميدية، وابتكر شخصية "شكشك بك"، ثم تعرف على بديع خيري، واشتركا في تأليف روايات ذات طابع اجتماعي.

رواد المسرح العربي
للمسرح المصري والعربي نجومه، الذين تَرَكُوا بصمة واضحة في الفن المسرحي، ويعتبر كل منهم مدرسة فنية استطاعت التفوق على المسرح الأوروبي بجميع أنواعه، ومن هؤلاء الفنان الكبير نجيب الريحاني، الملقب بـ"زعيم المسرح الفكاهي"، وهو ممثل مصري من أصل عراقي، وتوفيق الحكيم، الذي كانت مسرحيته "أهل الكهف" التي نشرت عام 1933، هي بداية تيار مسرحي جديد عرف باسم "المسرح الذهني"، وجورج أبيض صاحب النقلة النوعية التي حدثت للمسرح المصري في القرن العشرين، وهو من قام بتعريب عدد كبير من العروض المسرحية من الفرنسية إلى العربية وقدمها على مسرح دار الأوبرا بالقاهرة.

ويعد المخرج زكي طليمات، واحد من رواد المسرح العربي، ويتميز إخراجه للمسرحيات بالعمق والتناسق بين الملابس والمناظرة الحركة المسرحية وتوزيع الإضاءة، ويوسف وهبي الملقب بـ"رسول العناية الإلهية” بسبب تقديمه لتوعية مختلفة من المسرحيات التي كانت سائدة في زمنه، فمثل وجوده علامة فارقة في تاريخ المسرح العربي، وأخيرا المؤلف والممثل والمخرج المسرحي عزيز عيد، الذي كوّن مع "فاطمة رشدي" ثنائيا فنيا، وقدما الكثير من المسرحيات التي تعتبر من كلاسيكيات المسرح المصري القديم.

"الضحك من أجل الضحك"
شهدت فترة الستينيات، خاصة بعد ثورة يونيو عام ١٩٥٢م، طفرة مسرحية غير مسبوقة علي صعيد الإخراج والتأليف والتجريب والترجمة، وبرزت في هذه المرحلة كوكبة كبيرة من المخرجين والمؤلفين، الذين قدموا معظم عروضهم علي خشبة المسرح القومي، وظل الأمر هكذا حتى النكسة عام ١٩٦٧م، وما عقبها من انفتاح اقتصادي في السبعينيات، والذي كان له أثر كبير في العروض المسرحية المقدمة في هذا الوقت.

وشهدت فترتا الثمانينات والتسعينات اتجاه العروض المسرحية لكوميديا الفارس، وهي "الضحك للضحك بدون هدف"، وذلك بسبب سيطرة القطاع الخاص على المسرح، وسعي المنتجين لتحقيق إيرادات شباك التذاكر عن تقديم فن هادف، وساهم في ذلك تراجع نشاط مسارح الدولة، وظهرت بعض العروض الدرامية والكوميدية الهادفة، مثل مسرحيات الفنان محمد صبحي، وشهدت هذه الفترة ظهور وتألق ممثلين أخرين مثل عادل إمام، محمد نجم، سمير غانم، سيد زيان، وغيرهم.

تراجع وعودة
عانى المسرح من تراجع شديد استمر لسنوات طويلة، وأدى ذلك إلى هجر الجمهور لمسارح الدولة والكثير من المسارح الخاصة، واتجاههم إلى شاشات السينما والتليفزيون بقوة، وشهدت السنوات القليلة الماضية، انتعاش جديد للمسرح في مصر، بظهور عدد من العروض المسرحية، فضلا عن عودة المسرح القومي إلى العمل، وافتتاحه بعرض "ليلة من ألف ليلة" الذي يقوم ببطولته الفنان الكبير يحيى الفخراني، وعدد أخر من النجوم.

وتطور الشكل المسرحي المتعارف عليه، لأشكال أخرى لافت نجاحا جماهيريا كبيرا، مثل تجربة فرقة "تياترو مصر"، وتحول اسمها إلى "مسرح مصر"،'وهي فرقة مسرحية شبابية كونها الفنان أشرف عبدالباقي قبل سنوات، وتقدم الفرقة عروضا مسرحية أسبوعية، ويتم إذاعتها تليفزيونيا، إضافة إلى تقديم قناة النهار الفضائية، عروضا مسرحية على شاشتها بشكل أسبوعي، والتي تتشابه في مجملها مع تجربة فرقة أشرف عبدالباقي.