عجوز المرجوشي.. «آخر مبيّض نحاس في مصر» (صور)

تقارير وحوارات

بوابة الفجر



«عم شعبان»، أو عجوز «المرجوشي»، صاحب حرفة انقرضت في مصر وظلت متعلقة بين أصابعه تصارع الفناء، يقبع في ورشته بوكالة عزيزة المتفرعة من حارة اليهود بالمعز، حتى أصبح مَعلمًا من معالم الشارع، يقصده الباحثون عن تبييض النحاس وتنظيفه للزينة ليس إلا.






«شعبان عيد كُريم» بعد أن كان يشاهد في طفولته طوابير السيدات وهن يحملن النحاس في انتظار دورهن للتبييض، أصبح يقف في مدخل وكالة عزيزة منتظر رزقه كل يومٍ منذ طلوع الشمس حتى غيابها، يشعل نيرانه علها تجلب الرزق، ثم يطفئها، يحضر قصديره داعيًا الله أن يخرج من يومه ما يجلب قوته، إلا أنه سرعان ما يتذكر أن «الألومنيوم» حل محل النحاس، ولم يعد يستخدم في الزواج.





يمر عم شعبان يوميًا أمام بائعي الألومنيوم، ويتذكر يوم كان النحاس فخر العروس وزينتها، تتباهى به أمام جيرانها وأقرانها في القرية، فقبل أن يطلب والد العروس الذهب، كان يسأل كم قنطارًا من النحاس لديك.








يحكي لنا «عم شعبان»، وآثار تبييض النحاس على يديه، وشرارة النيران تعلو وجنتيه، وقد بدا عليه علامات التعب ولحق به أضرار القصدير ومياه النار: «أنا آخر مبيضّ نحاس في مصر»، رافضًا تعليم المهنة إلى أبنائه، متعللاً بأن المهنة ليس لها مستقبل وبوفاته ستموت وتصبح في خبر كان.






يحضر لنا عم شعبان جزءًا من الماضي، ليروي عن أمجاده وتاريخه، في تبييض النحاس، ثم يلوح برأسه يسارًا ويمينًا، متذكرًا يوم أن كان يستقل المواصلات من قرية المنوات بمحافظة الجيزة، في طريقه إلى الحسين، حيث ورشته الصغيرة.






تعلم ابن قرية المنوات، المهنة من والده، وظل يعمل فيها منذ صغره، حتى انتقل إلى ورشته بشارع المعز، ويشير عم شعبان إلى أنه لم يعد ينتظر رزقه بعد أن استغنى المصريون عن النحاس وحل محله الألومنيوم، بل طوال طريقه يمر على المنازل والمحال ويسأل هل تريدون تبييض النحاس؟.






بصوت حزين، يقول عم شعبان إن المقابل الذي يحصل عليه من تبييض النحاس لا يكفي في ظل غلاء الأسعار، وهو ما دفعه لأن يعلم أولاده حتى حصلوا على شهادات عليا، رافضًا أن يمتهن أي منهم تلك المهنة التي قاربت على الانقراض.







أدوات عم شعبان «جركن مياه نار، وحفنة تراب أحمر، وقطعة صنفرة، وموقد نار، وحفرة في باطن الأرض»، يجهز أدواته يوميًا لتبدأ رحلة تبييض النحاس التي قد تستغرق نصف ساعة، يدعك عم شعبان «النحاس» لمدة 10 دقائق، مرة بمياه النار وأخرى بالتراب الأحمر ثم الصنفرة، حتى يذوب السواد الموجود عليه ثم يضع القطعة على النار، ويتركها تبرد بضع دقائق حتى تعود إلى شكلها الأصلي نحاس صافٍ بدون أي شوائب، ممسكًا بالقطعة التي انتهى منها، قائلاً: بهذه كانت تتزوج العروس.





 في نهاية حديثه رفع عم شعبان يديه وهو يدعو الله أن يرزقه بحجة أو عمرة يختم بها حياته بعد أن تجاوز الـ 60 عامًا.