طارق الشناوي يكتب: رئيس جمهورية سابقاً وبديل عمرو أديب حالياً!

الفجر الفني

طارق الشناوي
طارق الشناوي


هل من الممكن أن ينافس رؤساء مصر السابقون كلاً من عمرو أديب ووائل الإبراشى وإسعاد يونس ومنى الشاذلى ولميس الحديدى وغيرهم؟، نعم.. من الممكن أن يحدث ذلك، بدأت الخطوة، بلد مثلنا يتوجس خيفة من ترديد كلمة الديمقراطية ولا يرحب أبدا بالرأى الآخر إلا إذا كان هو بالضبط الرأى الأول، وتم فيه إجبار رئيس الجمهورية على التنحى، ولايزال يلاحقه عدد من القضايا بعد أن حصل على براءة من بعض التهم، ولكن لم تتوقف الاتهامات التى تنال أدبيا وليس فقط جنائيا منه، ولا أستبعد- والحال كذلك- أن هناك أيضا مجموعة ترفع شعار «آسفين يا ريس» قد تم إشهار نشاطها فى إسلام آباد، أتحدث عن باكستان، التى سبقتنا بخطوة، ولا أستبعد أن نلاحقها بخطوة.

 

صار برويز مشرف، رئيس باكستان السابق، هو مقدم البرامج الشهير، يقف أمام الكاميرا، ليس فقط متحدثاً ولكن محاوراً، تلك هى الصفة التى صار يحملها الآن، وأصبح له برنامج أسبوعى يتم تسجيله باللغة الأوردية فى «دبى»، حيث يعيش الآن الجنرال السابق، الذى لا يمكن وصفه سوى بالديكتاتور، كاره الحريات، البرنامج اسمه «باكستان أولاً مع الرئيس مشرف».. لاحظ عزيزى القارئ أولا حرصه على أنه يصدر للناس أنه يضع باكستان قبل كل شىء، رغم أن مثل هؤلاء الرؤساء يضعون أنفسهم دائما قبل الوطن، ثم إنه لم يصف نفسه بالرئيس السابق، فهو لايزال الرئيس الحالى، وكأن الزمن لم يمض به، فهو بداخله لايزال قابعا على الكرسى، دامت له السلطة نحو 9 سنوات، وقف خلالها على سدة الحكم بعد أن استولى على الكرسى عام 99، وأمام حالة الرفض التى اجتاحت البلاد، تطالب بسقوطه، فلم يجد سوى أن يتخلى عن الحكم عام 2008، ورغم أنه لاتزال تلاحقه اتهامات قضائية بالفساد، ما الذى يعنيه أن يقف رئيس الجمهورية أسبوعيا أمام الكاميرا، سوى تغيير نوعى فى استخدام المنصات الفضائية فى الساحة السياسية، وكأن الرئيس السابق المخلوع أو المتنحى أو المعزول أياً ما كانت الصفة التى التصقت به، فلقد قرر أن يتصدر المشهد، ليقود هو معركته إعلاميا، من المؤكد أن الصراع متأجج فى باكستان الآن، ومن البدهى مثلما يحدث عندنا أن هناك من يدافع عن مرحلة مشرف، البعض يُطلّ على المشهد العام بمنظار اقتصادى، خاصة فى العالم الثالث، دائما ستكتشف أن المقياس الدائم لمشروعية الحاكم ليس قيمة الحرية ولكن قيمة العملة الشرائية، الناس فى هذه الحالة تقيس رضاها عن الحكم بسعر العملة المحلية مقارنة بالدولار.

 

الصراع الساخن بين كل الأطراف يعنى أن استراتيجية المواجهة قد تغيرت من المباشرة فى توجيه المحطة التليفزيونية التى كانت تعمل لصالح اتجاه سياسى ما، يتبناه مقدمو البرامج، فمن المعروف أن هناك دائما ممولاً هو الذى يحدد التوجه السياسى للفضائية، وهكذا تصبح لدينا قناة ناطقة باسم حزب أو شخص، فهى تدافع عن مواقفه السابقة، وترى سقطاته إنجازات، الجديد هو أن الرئيس يتولى بنفسه الدفاع عن نفسه واستضافة نفسه لصالح نفسه.

 

دخل الفنانون ولاعبو الكرة مجال تقديم البرامج، فلماذا لا يفعلها الرؤساء السابقون؟ من الممكن أن ينجح فنان فى تقديم برنامج على شرطين: الأول ألا يصبح هو محور النقاش، والثانى أن يمتلك موهبة تقديم البرامج، التجربة أثبتت أن شهرة النجم لا تكفى للاستمرار، قد تصلح فقط فى الحلقات الأولى، وبعدها يبدأ السقوط التدريجى، تابعوا مثلا الفارق بين شيرين وأصالة، شيرين لاتزال تتعثر بعد أن خفت البريق بتكرار تقديم البرنامج، بينما أصالة تتعايش مع برنامجها «صولا» لأنه يشبهها، فهى لا تقدم برنامجاً بقدر ما تمارس جزءاً من حياتها.

 

هل سيصبح رؤساء الجمهورية مثل شيرين التى تراهن على نجوميتها أم سيواصلون السير على خطى أصالة وكأنهما تمارسان جزءاً من الحياة؟ لو تصورنا مثلا أن حسنى مبارك ومحمد مرسى قررا أن يفعلاها- ملحوظة أستبعد أن يملكا شجاعة برويز فى الوقوف أمام الكاميرا، ولكن دعونا نكمل الحكاية ونفترض أيضا موافقة الدولة- أستبعد تماما أن توافق الدولة، ولكن لنُكمل اللعبة حتى النهاية، تخيل أن مبارك ومرسى كلاً منهما يقدم برنامجا، الاثنان يحملان نفس الصفة «رئيس أسبق»، ما هو كم المشاهدة؟ مليونية بالتأكيد، الحلقات الأولى ستحقق كثافة مشاهدة غير مسبوقة، بعد ذلك سيتحول الأمر إلى سخف، سيستضيف الرئيس مؤيديه واحداً تلو الآخر، وكل منهما من المؤكد لديه مجموعة من المحبين والدراويش، ولن يفعلا شيئا سوى أن الناس ستصل إلى مرحلة التشبع ولن ترحب بالمزيد.

 

لا أتصور مثلاً أن هناك ما يمنع من الناحية القانونية أن يتكلم مبارك.. استمعنا إلى صوته عدة مرات، ولكن لا يعنى ذلك أن الأمر متاح، ببساطة، هناك جهة داخل الدولة لم ترحب بتواجده إعلاميا، وهكذا امتثل مبارك لأوامرها، وأعتقد أن أحمد شفيق الذى وصل إلى مشارف لقب رئيس الجمهورية وبأصوات ضئيلة لم ينل المنصب، أو بتغيير فى اللحظات الأخيرة كما يقول مؤيدوه، ووصل الكرسى لمرسى، من حقه أيضا وبنفس المقياس أن يُقدم برنامجه.

 

هل فكرت ماذا يفعل الرؤساء السابقون فى العالم، بعد نهاية ولايتهم؟، يبدأون غالبا صفحة جديدة، نعم من الممكن أن يكتب الرئيس مذكراته، وهذه واحدة من البدهيات، إلا أن هذا لا يكفى. أوباما مثلا سيعود لمهنته الأولى وهى التدريس فى الجامعة، فهو أستاذ فى القانون، كلينتون يمارس أحيانا العزف على «السكسفون»، كما أنه أنشأ مؤسسة هدفها طرح الحلول للتحديات العالمية، جورج بوش الأب استثمر شهرته فى إيجاد حلول جذرية لمن أضيروا فى العالم ولا يجدون أماكن للإيواء، كارتر قرر إنشاء مؤسسة غير ربحية هدفها تعزيز التنمية فى أكثر من 70 بلدا، بينما جورج بوش الابن أقام العديد من المعارض التشكيلية لعدد من الرؤساء الذين التقاهم، وقام برسم لوحات زيتية لنفسه وأبيه وزعيم إقليم التبت الداى لاى لاما، والرئيس الروسى بوتين والرئيس الأفغانى حامد كرزاى، وغيرهم، شاهدت بعض لوحاته المنشورة وهو ينطبق عليه توصيف «ميديوكر»، أى محدود الموهبة، ولكن لا بأس فهذا أفضل من الاكتفاء بالتحسر على الزمن الماضى.

 

لا أستبعد أن تجربة برويز مشرف ربما ستفتح نِفس رؤسائنا السابقين لتقديم برامج توك شو، خاصة أن عمرو أديب سيضطر لتقليل تواجده فى المرحلة القادمة.. وهذا بالطبع سيزيد لديهم الرغبة فى اقتحام «الميديا»، وهم موقنون أن الفرصة صارت الآن مواتية أكثر!


المقال نقلاً عن "المصري اليوم"