مكاوي سعيد يكتب: استراحات قصيرة فى كوكب الشرق

الفجر الفني

بوابة الفجر


المؤرخ والكاتب حسين فوزى يصف أم كلثوم عندما رآها للمرة الأولى بقوله: «فتاة ريفية جميلة، مثل أعلى فى الاحتشام الإسلامى، كانت تقف وسط أسرتها مرتدية ملابس رجل بدوى، وتغنى أغنيات تراثية مصرية، من بينها أغنيات دينية، وكانت تغنى بعلو صوتها الملائكى، الذى كان يذكر بأصوات المصريين بإيمانهم الصادق».

 

وفى أول تعليق لمجلة «الكشكول» الأسبوعية على أغانى أم كلثوم، تقول المجلة فى معرض وصفها لحفلة قدمتها فى عام 1922: «كانت أول مجموعة من أغانيها قصائد فى مدح الرسول، صلى الله عليه وسلم، ثم غنت قصائد غزل متنوعة، وغير ذلك من الأغانى العاطفية فى الوصلة الثانية. وفى وصلتها الثالثة بدأت تغنى أغنيات قصيرة بسيطة (من نوعية كشكش بيه) تسمى (طقاطيق). وربما كان السبب فى هذا التنوع وعدم التجانس- المتمثل فى الانتقال من سيرة الرسول إلى (اللى باحبه هواه جننى)، ثم إلى (تفاح حلو وبديع)- هو رغبتها فى إرضاء الناس والتجاوب مع أهوائهم وأمزجتهم!».

 

ولم يخل طريق أم كلثوم من بعض الآراء والنقد اللاذع وهى فى بداياتها، ومنها هذا الانتقاد الذى نشر فى مجلة «روزاليوسف»: (لا ننكر قوة صوت أم كلثوم ولا رنين طبقات صوتها، ولكن فى هذا صرت أعتبرها مجرد مقلدة للتراث. فبالإضافة إلى الصوت الجميل الشجى يوجد شىء اسمه الفن، وأم كلثوم تمضى فى طريقها معتمدة فقط على مقدرتها الفطرية، والحقيقة أن هذا لا يكفى.. أين تجديداتها؟؟ إنها منشدة دينية، وهذا الأسلوب فى الغناء موجود فى مصر منذ عشرات السنين). وكان مظهرها، فى نظر نقادها، مظهرا وقورا أكثر مما ينبغى، وكان سلوكها فى حاجة إلى صقل وتهذيب، وكان العاملون معها «فلاحين بسطاء»، وكان الصحفيون يسخرون من تعبيراتها الريفية، ففى حديثها عن تكاليف المعيشة قالت لأحد الأصدقاء إن إيجار شقتها الجديدة 24 جنيها فى الشهر بدون اللحم!. وحُكى عن والدتها أنها لم تكن تعرف شيئا عن الكهرباء، إذ سألت ابنتها بصوت عالٍ فى حضور جمع من الضيوف: كيف ينتظر منها العاملون الأغبياء فى شركة الكهرباء أن تطفئ النور وهى لا تستطيع الوصول إلى المصباح المعلق فى السقف؟!.

 

فى عام 1926 دفعت شركة أوديون لأم كلثوم 50 جنيها لكل أسطوانة، وهذا مبلغ باهظ، فلم تدفع الشركة مبلغا كهذا لأحد من قبل. فسلامة حجازى لم يحصل على أكثر من 20 جنيها فى الأسطوانة، وكذلك عبد الحى حلمى ويوسف المنيلاوى. وكان محمد عبدالوهاب يحصل على 10 جنيهات فى الأسطوانة، وصالح عبدالحى على 12 جنيها. وعندما سُئل مدير الشركة «ألبير ليفى» عن السبب قال: إن العدد المباع من أسطوانات أم كلثوم تخطى 15000 فى ثلاثة شهور. وكانت اختيارات أم كلثوم فيما يتعلق بأسلوبها الغنائى وأسلوبها الشخصى قد اكتسبت أشكالاً ثابتة بحلول عام 1926، الذى اعتبرته نقطة تحول فى مسيرتها الغنائية.. فقد أخذت تزيد من أغنياتها العاطفية، التى كتبها أحمد رامى ولحنها محمد القصبجى خصيصا لها، ومع ذلك وصل النقد السلبى إلى ذروته فى ربيع عام 1926، بأنها لاتزال تعيش فى عصر حديث بأسلوب عصر بائد!. وكان أشده قسوة موجهاً إلى المغنين المصاحبين لها فى غنائها. ففى ذلك الحين كانت مقدرتها الصوتية قد فاقت مقدرتهم ولم يعد لهم فى أغانيها دور يذكر، وقالت مجلة «روزاليوسف» فى معرض تقييمها لهذا الوضع: (تلقيت مؤخرا رسالة من قارئ يتساءل فيها عن سر وجود الفرقة «المعممة المصاحبة» لأم كلثوم ويناشد المطربة الشابة أن تستبدل بهم تختا أو- على أقل تقدير- تضعهم خلف الستار إذا كان وجودهم ضروريا. وكلام الناس عن فرقة أم كلثوم ليس بالأمر الجديد. فمنذ ظهرت، وحولها الشيخ الجليل إبراهيم وخالد، وغيرهما ممن لا أعرفهم، والناس يتساءلون عن سر ظهورهم معها على المسرح وهم «والحمد لله الذى لا يحمد على مكروه سواه» ليسوا على قدر من الوسامة أو الأناقة يجعلنا نعتبرهم جزءا من الخلفية أو الديكور. فما حاجتها إليهم وكل ما يفعله الواحد منهم هو التثاؤب من دقيقة إلى أخرى أو النعاس فلا يصحو إلا على تصفيق الجمهور؟).

 

هذا المقال نقلا عن "المصري اليوم"