الذكر..الأمر به وفضله

إسلاميات

الذكر..الأمر به وفضله
الذكر..الأمر به وفضله


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. 

فأيسر عبادة يقوم المسلم بها هي ذكر الله تعالى ، فعلينا أن نكثر من هذا الخير، فالذكر تجارة رابحة لا يعمر سوقها إلا المخلصون. 

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأصِيلاً} [الأحزاب : 41- 42].

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، قَالَ:(مَنْ عَجَزَ مِنْكُمْ عَنِ الْعَدُوِّ أَنْ يجاهدَهُ، وَعَنِ اللَّيْلِ أَنْ يكابدَهُ، فَلْيُكْثِرْ ذَكَرَ اللَّهِ) رواه(الطبراني في الكبير). 

وإنما أوصى النبي (صلى الله عليه وسلم) هذا العاجز بالذكر لأمرين : 

الأول : لئلا تكون صحيفة عمله خلواً من الخير والحسنات . 

الثاني : ولأن من أكثر الذكر امتلأ قلبه بحب الله ، فأبغض الدنيا لذلك، وسهل عليه أن يفعل ما كان قد عجز عنه. 

وثبت عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ ، فَأَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ ، قَالَ :(لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ) (الترمذي). 

وبينت النصوص الشرعية كثيراً من فضائل الذكر وثمراته، فمن ذلك : الفلاح في الدارين. 

قال تَعَالَى : (وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرَاً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) ( الجمعة : 10) 

ولا يمكن أن يتحقق فلاح إلا بأمرين : النجاة من المرهوب. وتحقق المرغوب. 

والذكر يأتي بذلك كله. ومن ذلك ما جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (رضي الله عنه )أنه قال : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )يَسِيرُ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ ، فَمَرَّ عَلَى جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ جُمْدَانُ ، فَقَالَ :(سِيرُوا هَذَا جُمْدَانُ ، سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ) . قَالُوا : وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ )الذَاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ) (مسلم) . قال في فيض القدير :( أي المنفردون المعتزلون عن الناس ، من فرد إذا اعتزل وتخلى للعبادة). 

وهنا سؤال مهم . لماذا ذكر النبي( صلى الله عليه وسلم) الذاكرين بعد ذكر هذا الجبل ؟ الجواب : شابه الجبلُ أهل الذكر من وجهين : 

الأول : الجبل ثابت في الأرض ، والمؤمن الذاكر لا يغفل ولا يتزحزح ولا يشغل عن طريق ذكر الله . الثاني : رآه النبي( صلى الله عليه وسلم )بمعزل فلا أحد بجواره، والذاكر لربه انفرد عن الناس بذكر ربه، فهو وإن كان معهم بجسده إلا أن قلبه متصل بالله . 

سبب لذكر الله لعبده : قال تَعَالَى : ( فَاذْكُرُونِي أذْكُرْكُمْ ) ( البقرة : 152 ). والمراد : الثناء في الملأ الأعلى . 

وثبت عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) :(يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي ، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي ، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي ، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا ، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً) (البخاري ومسلم) . 

وأي كرامة أكبر من أن يذكرك الله ؟! أما سمعت ما أخرجه الشيخان في صحيحهما عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لِأُبَيٍّ :(إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ) . قَالَ أُبَيٌّ : آللَّهُ سَمَّانِي لَكَ ؟ قَالَ : (اللَّهُ سَمَّاكَ لِي ) ، فَجَعَلَ أُبَيٌّ يَبْكِي ، قَالَ قَتَادَةُ : فَأُنْبِئْتُ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَيْهِ : (لَمْ يَكُنْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ). 

معية الله : فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، عَنْ النَّبِيِّ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ :(إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ : أَنَا مَعَ عَبْدِي إِذَا هُوَ ذَكَرَنِي وَتَحَرَّكَتْ بِي شَفَتَاهُ) (ابن ماجة). أنه خير أعمال الجوارح : فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ):(أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ)؟ قَالُوا : بَلَى ، قَالَ :(ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى) (الترمذي).

وعَنْ مُعَاذِ بن جَبَلٍ رضي الله عنه ، قَالَ : «إن آخر كلام فارقت عليه رسول الله( صلى الله عليه وسلم) أن قلت: أَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى؟ قَالَ:(أَنْ تَمُوتَ وَلِسَانُكَ رَطْبٌ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ) (المعجم الكبير للطبراني). 

طهارة القلب وطمأنينته به : أما طهارة القلب فلحديث نبينا( صلى الله عليه وسلم ): (إن لكل شيء سِقالة ، وإن سقالة القلوب ذكر الله) والسقالة والصقالة : الجلا.

وأما حدوث الطمأنينة به فلآيتين : الأولى : قال تعالى : (ألا بذكر الله تطمئن القلوب).

والثانية قوله : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).

النجاة من الغفلة : قال تَعَالَى :  {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الجَهْرِ مِنَ القَوْلِ بِالغُدُوِّ والآصَالِ وَلاَ تَكُنْ مِنَ الغَافِلِينَ} (الأعراف : 205).

وعن أبي موسى (رضي الله عنه) قال : قال النبي( صلى الله عليه وسلم) :(مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت) (رواه البخاري ومسلم). 

النجاة من الشيطان : ثبت في جامع الإمام الترمذي أنّ الله تعالى أوحى إلى يحيى بن زكريا بخمس كلمات ؛ أن يعمل بهن ، ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن ، فكان مما قال لهم :(وأمركم بذكر الله كثيرا ، ومثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سِراعا في أثره حتى أتى حصنا حصينا فأحرز نفسه فيه ، وكذلك العبد لا ينجو من الشيطان إلا بذكر الله). 

النجاة من عذاب الله : فعن جابر رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :(ما عمل آدمي عملاً أنجى له من العذاب من ذكر الله تعالى» (رواه الطبراني ). 

النجاة من شمس الآخرة : ففي السبعة الذين يظلهم الله في ظله :(ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه). 

وأكبر ثمراته : المغفرة والجنة: قال تَعَالَى : (وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأجْرَاً عَظِيم) (الأحزاب : 35). 

أسأل الله أن يجعلنا من عباده الذين يكثرون من ذكره. اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.