في ذكرى ميلاده.. الشيخ محمد أبو زهرة المعارض الدائم لرؤساء مصر

تقارير وحوارات

الشيخ محمد أبو زهرة
الشيخ محمد أبو زهرة


"ولما أخذت أشدو في طلب العلم وأنا في سنِّ المراهقة كنت أفكِّر: لماذا يوجد الملوك؟ وبأيِّ حق يستعبدُ الملوك الناس؟ فكان كبر العلماء عندي بمقدار عدم خُضوعهم لسيطرة الخديوي الذي كان أمير مصر في ذلك الوقت".. هكذا يقول الشيخ محمد أبو زهرة، عن نفسه، المولود في مثل هذا اليوم 29 مارس 1898م، وعرف بأنه أحد علماء الدين الإسلامي الذين صدحوا بالحق ضد السلطة لمناصرة الدين.
 
ترصد "الفجر"، مواقف الشيخ محمد أبو زهرة المعارضة للنظام الحاكم.
 
انسحاب "عبد الناصر"
ففي عام 1962م ومع بدايات تطوير الأزهر اختير "أبو زهرة"، عضوًا بمجمع البحوث الإسلامية، وبعدها طلب الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، لقاء أبرز علماء الدين، ليفاجئهم بأنه يريد دعمهم في شرح وتقريب الاشتراكية الإسلامية للناس، إلا أن الشيخ هو الوحيد الذي رد على "عبد الناصر" آنذاك إذ وقف ليقول: "لكل مجاله الذي يُبرع فيه فإذا أراد رئيس الدولة أن يحدد موقف الدين من الاشتراكية، فإنه كان من الواجب أن يسأل العلماء ثم ينتظر النتيجة لا أن يطلب منهم ما يريد وعليهم الموافقة"، وما لبث أن انسحب رئيس الدولة من الجلسة اعتراضًا على كلمات الشيخ.
 
اختيار الحاكم وفقًا للشورى
وكان من رأي الشيخ "أبو زهرة" آنذاك، أن الحاكم ينبغي أن يتم اختياره وفق الشورى، مع وجوب تطبيق الشريعة، ومنع الربا.
 
استدعاه "عبد الناصر"
واشتهر الشيخ "أبوزهرة" بالفكر الحر والشجاعة الفائقة في عرض قضايا الإسلام، وقد صدع بالحق في مواقف كثيرة، إذ استدعاه "عبدالناصر" يومًا، وقال "عبدالناصر": "إنك إقطاعي رجعي تألف الكتب وتتاجر بها"، فكان الرد الحاسم من الشيخ: "هي مؤلفات كتبتها لله، ولم تفرض على أحد، ولم تتول الدولة توزيعها قهرًا على المكتبات ودور الثقافة الحكومية لتسجن في الرفوف دون قارىء، وليكسب أصحابها من مال الدولة مالا يحله الله"، فسكت "عبد الناصر".
 
خلاف مع "عبد الناصر"
وقع خلاف حاد بين عبدالناصر والشيخ أبو زهرة حول ما ذهب إليه الميثاق في شأن "الاشتراكية العلمية"، ورأي الشيخ فيها "المبادئ الشيوعية"، وكان خلاف آخر قد وقع حول مشروع القانون ١٠٣ لسنة ١٩٦١ الخاص بإعادة تنظيم الأزهر والهيئات التابعة له، وقال الشيخ: إنه ليس ضد أي إصلاح، ولكن الأزهر صانع الثوار والثورات.. هل من المنطق أن يدبر أمره في ليلة واحدة؟، وسرد عددًا من عهود الإصلاح وأشار إلى عهد الإصلاح الذي ابتدأه الإمام الشيخ محمد عبده وغيره وإلى ما اقترحه أحمد فتحي زغلول من إدخال دروس الرياضة والجغرافيا ولكن بكميات قليلة، ثم أرسي الشيخ مقولته وهي أن "كل إصلاح للأزهر يجب أن يكون مشتقًا من رسالته"، ومن ثم رأي أن يقوم الأزهر بتثقيف الأطباء والمهندسين بالثقافة الدينية، واقتراح أن يلتحق الحاصلون علي المؤهلات العليا من الجامعات وغيرها بالأزهر، وتوضع لهم مناهج خاصة لتثقيفهم دينيًا، ولم يرى الشيخ إنشاء كليات للطب والهندسة والعلوم.

وما لبث بعد تلك الخلافات، إلا أن صدرت قرارات عديدة بحرمانه من التدريس في الجامعة، وإلقاء الأحاديث العامة وأغلقت أمامه أبواب التليفزيون والإذاعة والصحف، وانتهي بهم الأمر إلى أن قيدوا حريته في بيته، وحدث أن شارك في مناقشة رسالة دكتوراه في جامعة الأزهر للمرحوم الدكتور حسن صبري الخولي عن المسألة الفلسطينية وبصراحة الشيخ المعهودة فيه قال: "إن الرسالة عبارة عن بعض التقارير الخاصة برئاسة الجمهورية، وإن الطالب لم يكلف نفسه حتى بجهد ترتيب الصفحات أو حتى إصلاح الأخطاء اللغوية الفادحة"، وهمس أحدهم في أذن الشيخ بأن الطالب هو الممثل الشخصي لرئيس الجمهورية، فصاح أبوزهرة: "متحدث رسمي .. ممثل شخصي.. تلك مسميات في مكتب رئيس الجمهورية لا دخل لنا بها".
 
احتجاج "أبو زهرة"
وفي مارس 1962، ظهرت صورة كاريكاتيرية تمثل ديكًا ناشرًا جناحيه وتحته تسع دجاجات، وتحت الصورة التعليق التالي: "محمد أفندى والزوجات التسع"، وقد أثارت هذه الصورة استياء العالم الإسلامي، فاحتج الشرفاء من الأزهر، وصرخوا في وجه السلطة، وهم :الشيخ محمد الأودن، والشيخ سيد سابق، والشيخ الغزالى، والشيخ محمد عبد الله الخطيب، والشيخ يوسف القرضاوى، والشيخ محمد أبى زهرة، وكانت لهم مواقف مشهودة، بعضهم تعرض للسجن، والآخر تعرض للإقصاء والنفى.
 
غضب "عبد الناصر"
 وقد غضب "عبد الناصر" على رجال الأزهر بعد صدور قوانين التأميم، لأن بعضهم أفتى بتحريم ذلك فقال في إحدى خطبه يوليو1961: "إن رجال الدين يصدرون فتوى بفرختين، وأنهم أجراء للرجعية، وأجراء للإقطاع، وأجراء للرأسمالية".. وفي هذا الخطاب أعلن الرئيس جمال "أن الدولة التي أقامها سيدنا محمد كانت أول دولة اشتراكية، لأنه قال: الناس شركاء في ثلاثة: الماء والكلأ والنار".
 
مواقفه مع "السادات"
وللشيخ "أبو زهرة"، مواقف عدة مع الرئيس الراحل محمد أنور السادات، ففي نهاية عام 1973، وبداية العام التالي له كان للشيخ عدد من الندوات والاجتماعات في جامعتيّ القاهرة والإسكندرية وجمعية الشبان المسلمين لمحاربة التعدي على الشريعة الإسلامية، بخاصة في تحديد النسل، وتقييد تعدد الزوجات والطلاق.
 
عوائق قانون الأحوال الشخصية
وكانت السيدة "جيهان السادات"، زوجة رئيس الجمهورية آنذاك، تعمل جاهدة لتغيير قانون الأحوال الشخصية المصري، بما يوافق رغبتها في زيادة تمكين المصريات، ولو جاء الأمر على حساب الشريعة، وقيل أن القانون جاء في مواجهة مشكلة أسرية خاصة أرادت السيدة "جيهان" حلها على حساب مصر كلها.

ولكن الشيخ لم يرضه الأمر، وقرر عقد مؤتمر شعبي للرد عليه من صحيح الشريعة والدين، وكان المكان سرادق كبير في شارع المعز لدين الله الفاطمي، أمام بيت الشيخ في ضاحية الزيتون في القاهرة، في يوم الجمعة 12 من أبريل 1974م، وعاين الشيخ السرادق صباحًا، وكان على نفقته الخاصة، ثم عاد إلى غرفته بالفيلا ليكمل تفسير سورة النمل، لكن الحرارة أخذته من تعدي قانون الأحوال المعروف بقانون "جيهان" على صادق الشريعة، فنزل متعجلًا لينادي بالهمة في إنهاء السرادق ومتطلباته، وكان عمره آنذاك يناهز الـ76 عامًا، وتحت إبطه أوراق التفسير، فتعثر على السلم ليسقط ساجدًا فوقها ويلقى ربه.
 
وصدر القانون بعدها بسنوات عام 1979م لكن ليتم إلغاؤوه عبر المحكمة الدستورية في مايو 1985م لصدوره دون عرض على مجلس الشعب.