د. دينا أنور تكتب: وزير التعليم العالي لـ"الزي المناسب" والبحث العلمي عن "البهرجة الزائدة"

مقالات الرأي

د. دينا أنور
د. دينا أنور


إنه لشيئ مخجل ومحزن أن تخرج تصريحات كهذه من وزير التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور خالد عبد الغفار، والذي طالب بضرورة وجود زي مناسب لطالبات الجامعة، والسبب أن وزارته لا تريد البهرجة الزائدة أو المغالاة في ملابس الطالبات، وكأن وزارة التعليم العالي أصبحت "مشغلاً" مهمته التعليم العالي لتفصيل ملابس الطالبات على هوى الوزارة الجديدة، وكأن البحث العلمي هو بحث عن مراضاة الأهواء السلفية المتشددة وإصرار واضح من العديد من المسؤولين في الدولة على ترك مصر غارقةً في تلك الغيبوبة الرجعية القاتمة والتي كنا قد تأملنا في ثورة 30 يونيو أن تقضي عليها.
 
أي عار على البرلمان المصري وحكومته أن تكون جل إهتماماتهم بالمنظومة التعليمية هو التفكير في إصدار قانون بتحديد ملابس الطالبات؟ ما هذا الهوس بأجساد النساء وملابسهن؟ ماذا تركتم للسلفيين والوهابيين الذين لا يرون المرأة سوى كائن ناقص وعورة مستشرف للشيطان؟
 
كيف تكون المرأة المصرية الرائدة، حفيدة هدى شعراوي وصفية زغلول وسيزا نبراوي بعد ثورة 30 يونيو وفي عهد الرئيس الذي أنهى كابوس الحكم الديني وأطلق مبادرة عام المرأة لتحصل على حقوقها الضائعة، مهددةً بالتدخل في حريتها الشخصية لإختيار ملابسها؟ ما هذا المنظور الضيق لقيمة العلم و طلابه؟ متى سنلحق بقطار نهضة الشعوب الذي فاتنا لعقود وعقود والذي لن ينطلق بنا حتى نُلحق مركبة التعليم بعرباته؟ متى سنخرج من جحيم الفكر السلفي الذي لم يصبح حكراً على مشايخ السلفيين ودعاتهم، بل جعل من الكثيرين مندوبين وسفراء للجهل، وللأسف أن كثيراً منهم مسؤولين في الدولة ويشغلون مناصباً مرموقة!
 
إذا أردت حقاً يا معالي الوزير أن تعود للزمن الجميل عندما كان للجامعات قدسيتها، فعليك أولاً أن تراجع ألبوم صور عائلات الزمن الجميل لتعرف كيف كانت ترتدي المرأة المصرية الميني جيب والميكروجيب أسوةً بنساء أوروبا والدول المتقدمة، لتعرف أن الجامعات المصرية كانت معبرةً بشكل كبير عن الهوية المصرية وليس عن قندهار أو زي الخليج كما هو الحال الآن.
 
ولتكن أولوياتكم هي تطوير مباني الكليات، وتوسعتها لاستقبال عدد أكبر من طلاب العلم، وتحديث المعامل والإهتمام بالأبحاث والدراسات، وإقامة المواسم الفنية والثقافية والرياضية لتوظيف طاقات الطلبة، وتعليم الطلبة أهمية الأخلاق والإحترام المتبادل، والإهتمام بالتبادل الطلابي بين الجامعات المصرية والجامعات العالمية لكي ينفتحوا على ثقافات الشعوب الأخرى ويتعلموا تقبل الثقافات المخالفة في الملبس والمأكل والعادات، ليصبح الهدف الرئيسي الذي يجمعهم هو طلب العلم والإجتهاد فيه ولا شيئ آخر.
 
شوفوا شغلكم الحقيقي يا معالي الوزير ولا تشغل بالك بملابس الطالبات فهن أحرار في إختيارها، وبدلاً من أن تنتظر من البرلمان التقدم بطلب رسمي لتقييد حرية الطالبات، كان الأحرى بكم أن تطالبهم بتفعيل أقوى لقانون التحرش وحماية أفضل للفتيات من الإنتهاك والتعرض للعنف المجتمعي في الجامعة والشارع، كان الأجدر أن تطالبوا بمناخ علمي سليم يسمو بطالبه عن التفحص في ملابس زميلاته والإستثارة بهن، كان الأنفع والأصلح لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي التي تسلمتها أن تهتم بمسماها وأن تترك إختيار الزي لبيوت الأزياء ومصانع الملابس..!