نادية صالح تكتب: ذكرياتى فى الربيع مع عبدالوهاب وعبدالحليم "2-2"

مقالات الرأي



ومازال عندليبنا يغنى ويغرد، طار فى الربيع ليظل معنا ربيعاً دائماً.. نغنى معه كلنا.. شباباً وشيوخاً حتى الآن.. لكن أبناء جيله يحملون ذكرياتهم ويحبون أن يتحدثوا عنها وبها إلى الدنيا كلها..، إنه حب حياتهم..، إنه «التوبة» التى لم تتحقق لأنه لم يتب عن الحب والرومانسية..، إنه عبدالحليم حافظ وأغنياته بيننا لا تغيب.. يكثفها الربيع مع ذكراه، ويظل سرها لا ينكشف أبداً لأنه من عند الخالق العظيم الذى وهبه هذا الصوت وذلك الدفء الذى لا يفتر أبداً، وبالنسبة لنا نحن من كان الإعلام نصيبنا وقدرنا فى العمل تبقى لنا معه ذكريات وذكريات..، وأمام أسانسير ماسبيرو فى باب «ع» العتيق قابلت عبدالحليم حافظ أول مرة.. منبهرة طبعاً.. عبدالحليم.. وصفنى وغنى لى وللشعر الحرير من بنات جيلى.. حملت إليه عيونى كل الحب والانبهار.. سعد بذلك كما هو حال النجوم والمشاهير..، وبعدما قدمت له نفسى لحظتها وأول مرة أمام هذا الأسانسير.. استقبلتنى كلماته بكل العذوبة والرقة..، وبسرعة أحسست ورأيت لمعة وبريق الذكاء فى عينيه الناعستين..، ثم دارت الأيام.. حتى ذهبت إلى بيته فى الزمالك.. فى عمارة «الزهراء» على ما أتذكر.. عمارة أنيقة تضم العندليب بين جدرانها وبعدما دق جرس الباب ظننت أننى أخطأت العنوان لكن تأكدت بعد ذلك أنها شقة «حليم»..، ولكن كانت الشقة فى ظرف استثنائى تعود أصحابها عليه كراسى مرصوصة فى كل مكان.. تجاور بعضها البعض.. وتستعد ليجلس عليها أصحابها أو الموسيقى وفرقة الموسيقى، كما عرفت بعد ذلك، فقد كان يستعد لعمل بروفة أغنية «قارئة الفنجان» لنزار قبانى.. وأظنها كانت آخر الأغنيات التى غناها حليم أمام جمهور المسرح..، وبعدها دخل إلى الحجرة حيث مكتبه بادرنى بصوته الهادئ الدافئ: «شايفة.. البيت بيتعدم.. بس لازم.. عشان الموسيقى والموسيقيين والفرقة والبروفة.. لازم كده.. كل غنوة..» ثم قادنى إلى مكتبته، وسجلت له حلقة أو زيارة لمكتبة عبدالحليم حافظ ضمن حلقات برنامجى «مكتبة فلان»..، كانت المكتبة تحتوى أشرطة وأسطوانات ودواوين من الشعر وروايات رومانسية كان يحب قراءتها، وخلال التسجيل دخل علينا أحد مساعديه حاملاً طبقاً صغيراً به قطعة جبن بيضاء أو شقفة جبن وشقفة طماطم على رأى إخواننا اللبنانيين..، لم أصدق عينى فقال لى: «هو دا أكلى كله من الصبح.. مقدرش آكل أكثر من كده عشان معدتي»، وكدت أبكى خصوصاً أننا - وقتها- كنا نسمع من البعض - ولاد الحلال- أن عبدالحليم حافظ يدعى المرض ويبالغ فيه حتى يحصل على شفقة وحب الناس.. تصوروا؟!! والحق أنه كان يعانى فى صمت، ولكن يغنى منطلقاً فيسعدنا.. وها هو يسعدنا حتى الآن...، ورغم طول السنين..

ويا أيها السادة.. أعترف لكم أننى أعيد إذاعة حلقة «مكتبة عبدالحليم حافظ» كل عام فى ذكراه وكأنها واحدة من أعزب أغنياته.. يطلبها المستمعون وكأنهم يسمعونها للمرة الأولى.. إنه الفن والإبداع إذا ما كان القلب مصدره.. ولا أكتمكم سراً.. الذكريات تتدافع لكن السطور تحكمنى.. فلنحتفظ ببعضها لنحكيه مع الأيام القادمة إن شاء الله..

وليكن شعارها: «الفن الخالد نهر من الحب نغترف منه دائماً ولا ينضب» تحية الحب.. كل الحب لمن كانوا وكنا معهها على مدى أسبوعين فى الربيع.. محمد عبدالوهاب وعبدالحليم حافظ.