عبد الحفيظ سعد يكتب: على عبد العال.. عقدة رجل قانون تائه فى مدرسة السياسة

مقالات الرأي



يسجل التاريخ الدراسى للدكتور على عبد العال، تفوقا غير عادى.. "أكاديمى نابه"، حصل على نوط التفوق فى كل مراحل شهاداته العليا، من ليسانس الحقوق والماجستير والدكتوراه التى نالها من جامعة "السوربون" واقترنت شهادته فى كل المراحل بتقدير "جيد جدا مع مرتبة الشرف"..

لكن يبدو أن التفوق الدراسى والأكاديمى، لم يدفع "عبدالعال" فى الحفاظ على تميزه عند أول اختبار سياسى له عقب حصوله على ثانى أرفع منصب سياسى فى مصر، بانتخابه رئيسا لمجلس النواب فى يناير 2016.

صحيح أن أهم مبررات، حصول الدكتور عبدالعال على أرفع ثانى منصب دستورى فى مصر كـ"رئيس للبرلمان"، أنه أكاديمى قانونى، ينتمى لمدرسة الكبار فى القانون، لكن حتى يومنا بدأ الدكتور عبد العال تائهه وكأنه يرتدى جلبا فضفاضاً، لا يتناسب مع قدراته.

رغم أنه ينتمى لـ"مدرسة القانون التى منها صعد صوفى أبوطالب، رئيسا للبرلمان عند إعادة تجربة التعدد الحزبى، فى عام 1978. وتكررت التجربة، مرة ثانية مع رفعت المحجوب، واستمرت مع سلفه فتحى سرور..

هؤلاء جميعا ينتمون لمدرسة "القانون"، والتى كانت الحافز الأول، لحجز منصب رئيس البرلمان لهم، طوال فترة التعددية السياسية فى مصر، ولم يكسرها إلا محاولة الإخوان باختيار "ابن التنظيم"، سعد الكتاتنى رئيسا للبرلمان بعد وصوله للسلطة، وكان أداؤه الكارثى والفضائحى، هو وتنظيمه.

و"الاستثناء الإخوانى" يؤكد قاعدة "التعددية المصرية"، بأن منصب رئيس البرلمان يحتاج إلى رجل قانون، يستطيع أن يتعامل مع كافة المواقف، ويستمع لأصوات المخالفين، ويمتص غضب المخالفين.

تلك القاعدة لم تكن، وليدة السبعينيات فى القرن العشرين، عند عودة الحياة الحزبية، عقب ثورة 52، بل إنها تضرب فى جذور التجربة السياسية المصرية، منذ قرن من الزمان، عقب دستور مصر الأول "1922".

منذ تلك الفترة وحتى يومنا هذا، غلب على رجال الدولة "أساتذة القانون"، بداية من سعد زغلول، وعبد الخالق ثروت، ومكرم عبيد، وعبد العزيز باشا فهمى، ومصطفى النحاس، وعشرات من الأسماء التى يصعب حصرها.. والذين تأثروا بشكل أو بآخر بـ"مصطفى كامل" محامى الشعب، والذى أحيى فكرة الوطنية المصرية فى بداية القرن العشرين، بعد أن حاول الاحتلال الإنجليزى طمسها.. ولذلك عقب انتخابات البرلمان التى أعقبت 30 يونيو، ظهر البحث عن رجل قانون، يترأس البرلمان. وانحسرت المنافسة بين ثلاثة أسماء المستشار سرى صيام، والذى يمتلك خبرة قانونية ضخمة من خلال عمله بهيئة التشريع بوزارة العدل، ومنصبه فى رئاسة محكمة النقض، والثانى الدكتور بهاء أبو شقة، أستاذ قانون الجنايات المخضرم والسياسى فى حزب الوفد، والثالث الدكتور على عبدالعال.

ودفعت عومل سياسية، أن يحصل على عبد العال على المنصب، فى مبرر وحيد، جعله يمتاز عن المرشحين الآخرين، لأنه منتخب، ضمن قائمة فى "حب مصر"، بينما حصل "صيام" و"أبو شقة" بالتعيين. وحفزت المواءمة بأن رئيس البرلمان الذى يراقب السلطة التنفيذية ويختار رئيس الحكومة، دستوريا، لا يليق أن يكون معيناً من قبل الرئيس.

من هذه القاعدة جاء على عبد العال رئيسا للبرلمان، ليجد نفسه يدير خليطا غير متجانس من الأعضاء، والتوجهات، صحيح أنه يمتلك الأغلبية عبر تحالف "دعم مصر" والذى تشكل داخل البرلمان، والذى كان يضمن للبرلمان تمرير أى قانون أو قرار. وظهر ضعف أداء الدكتور عبدالعال فى إدارة البرلمان، فى البداية عند تصادمه فى مسألة قانونية مع المستشار سرى صيام، تفوق فى الأخيرة عليه، لكن الواقعة فتحت خلافات خفية بين الرجلين، ما أضطره فيما بعد أن ينسحب سرى صيام ويستقيل من مجلس النواب.. ولكن رغم اختفاء الغريم القانونى للدكتور عبد العال، لم يتفوق الرجل على نفسه.. ولم يتمكن من الحصول على "كاريزما" القائد، فواجه أيضًا مشكلة اُخرى، وهى الضبط اللغوى، باعتباره أولا أستاذ قانون وثانيا، رئيس برلمان، وهو أمر امتاز به، كل من سبقوه لرئاسة المجلس، باستثناء سعد الكتاتنى.

ورصد للدكتور على عبد العال أخطاء لغوية ونحوية خلال خطاباته، منها على سبيل المثال 165 خطأ نحويًا فى خطاب الاحتفال بمناسبة مرور 150 عاما على تأسيس البرلمان المصرى، فى 10 أكتوبر الماضى، بمعدل تسعة أخطاء فى الدقيقة الواحدة، وبحضور 19 رئيس برلمان ومنظمة برلمانية دولية، طبقا لمجلة "الأهرام العربى.

وبالطبع لا تقتصر أخطاء الدكتور على عبد العال، على المشاكل اللغوية، التى تبدو هينة، خاصة أنها معتادة من أغلب السياسيين، غير أن طريقة إدارة الخلافات بين الدكتور على عبدالعال مع النواب، تضعف من رصيد الرجل والتى لم يكن آخرها مشاداته من النائب الشاب هيثم الحريرى، والذى تحول بسببها النائب الشاب إلى لجنة القيم، بعد أن طعن فى التزام رئيس البرلمان بلائحة المجلس، وهو ما أثار غضب الدكتور عبدالعال، ليأخذ بعد تصويتاً فورياً من النواب لإحالة النائب الشاب إلى لجنة القيم.

وتؤكد الواقعة الأخيرة افتقاد الدكتور عبدالعال للحنكة السياسية والقدرة على استيعاب المختلفين معه، داخل البرلمان خاصة أن وقائع الخلافات بينه وبين النواب وصلت إلى 9 وقائع، أمر فيها رئيس البرلمان بطرد نواب، مثل محمد عمارة والذى اختلف على طريقة التصويت على اللائحة، وكذلك النائب سمير غطاس، والنائب أحمد شرقاوى، وكذلك النائب فتحى قنديل. وتكرر الأمر من نواب غالبيتهم من الشباب خاصة من تكتل "25_30"، والذى يعد نفسه معارضاً فقام رئيس البرلمان بطرد النائب محمد عبدالغنى وخالد عبد العزيز شعبان وضياء الدين داود، بل وصل لحد الاشتباك اللفظى مع النائب الشاب أحمد طنطاوى، والذى اعترض رئيس البرلمان على ارتدائه ملابس كاجوال، غير أن ما يتردد أن سبب إحراج عبدالعال له يرجع لهجوم النائب ضده.

ولم يقتصر خلافات الدكتور عبد العال مع النواب تحت القبة، فاستمرت اشتباكاته مع الصحافة والإعلام سواء بهجوم على مؤسسة الأهرام، ما اضطره أن يعتذر عما قاله باعتباره هجوم على مؤسسة وطنية، وسبق ذلك تضييق رئيس البرلمان على الصحفيين سواء بمنع بعضه لانتقاده أو منع التصوير داخل المجلس، بعد أن التقط إحدى الصور وهو يرسل "قبلة" للأعضاء.

الغريب أن مشاكل دكتور عبدالعال، كان يتم احتواؤها من رؤساء البرلمان الذين سبقوه. رغم أن الخلافات فى البرلمان كانت أكثر حدة، سواء فى برلمان 79 أو برلمان "84" و"87"، أو التعدد الذى كان فى برلمان 2000، و2005، والتى وصلت فيها الخلافات للتشابك باليد مع مسئولين، لكن احتفظ رئيس البرلمان بمساحة لنفسه مع الأعضاء، وربما مكنهم من ذلك الحنكة السياسية لهم بالإضافة أنهم رجال قانون.. لكن يبدو الأمر مختلف للدكتور عبد العال الذى يعيش فى عقدة رجل القانون.. وتائه فى مدرسة السياسة.