مى سمير تكتب: سيرك الإليزيه.. حرب الفضائح تشعل انتخابات الرئاسة الفرنسية

مقالات الرأي



■ فيون قدم نفسه مثالا للنزاهة والشرف.. وزوجته متورطة فى تربح 700 ألف يورو

■ ماريان أساءت استخدام 300 ألف يورو من الأموال العامة الأوروبية

■ بنوا هامون يرث فضائح هولاند التى لوثت ثوب تيار اليسار


العمل بالسياسة لن يحقق لك الثراء إلا إذا كنت فاسدا، هكذا قال الرئيس الأمريكى الراحل ترومان، لكن فى عصرنا هذا أصبحت السياسة والفساد وجهان لعملة واحدة، وما بين الفساد السياسى، الأخلاقى، والمالى، تشهد فرنسا واحدة من أكثر الانتخابات الرئاسية سيئة السمعة.

الفضائح تلاحق أغلب مرشحى الرئاسة الفرنسية على نحو غير مسبوق، وفى أروقة الصراع على كرسى الرئاسة فى قصر الإليزيه، رصدنا تفاصيل حرب الفضائح بين أهم المرشحين.


1- أموال الشعب

على مدار أكثر من ثلاثين عاما ارتبطت حياة رؤساء فرنسا بالكثير من الفضائح، أغلبها فضائح أخلاقية تتعلق بالعلاقات غير الشرعية لرؤساء فرنسا، واشتهر الشعب الفرنسى بأنه يغفر لرجال السياسة خطاياهم الأخلاقية، وقد يغض البصر عن التجاوزات السياسية، ولكنه لا يتعامل بسهولة مع الفساد المالى، فهذه الجريمة لا تغتفر من وجهة نظر الشعب الفرنسى، وتلك هى أزمة مرشح اليمين الفرنسى فرانسوا فيون الذى وجد نفسه وسط فضيحة فساد مالى ظهرت على السطح فجأة وتهدد مستقبله السياسى خاصة أن زوجته بينلوبى التى يمكن أن تصبح سيدة فرنسا الأولى متورطة هى الأخرى بعمق فى هذه الفضيحة.   

قدم فيون نفسه للناخب الفرنسى باعتباره نموذجا للنزاهة والشرف، بل أطلق عليه مؤيدوه فى البداية لقب (السيد النظيف)، ولكن بمجرد فوزه بترشيح اليمين الفرنسى فى انتخابات الرئاسة الفرنسية طفت على السطح فضيحة منح لزوجته بينلوبى ما يعادل 680 ألف يورو من أموال دافعى الضرائب الفرنسية فى مقابل قيامها بمهام وظيفية وهمية كمساعدة برلمانية على مدار ما يقرب من 15 عاما.  

تم فتح باب التحقيق فى هذه الفضيحة، كما  قام المدعون العامون الماليون بتمديد تحقيقهم فى مزاعم بأنه أعطى أطفاله أيضا وظائف وهمية عالية الأجر من أموال الدولة حيث  يشمل التحقيق وظائف مساعدين برلمانيين منحت لـ «شارل وماري» فيون، حين كان عضواً فى مجلس الشيوخ من 2005 إلى 2007.

وفى تطور درامى لتلك الأزمة، عين قاضى تحقيق لرئاسة تحقيق قضائى كامل حول الفساد المالى لفيون الذى رفض كل الاقتراحات المتعلقة بتخليه عن ترشحه فى انتخابات الرئاسة وترك الفرصة لمرشح آخر مثل آلن جوبيه رئيس الوزراء الفرنسى السابق والذى كان المنافس الرئيسى لفيون فى الانتخابات التمهيدية لاختيار مرشح اليمين فى انتخابات الرئاسة الفرنسية .

فضيحة بينلوبى ألقت بظلال سوداء على حظوظ فيون فى الفوز بانتخابات الرئاسة الفرنسية، خاصة مع توالى الاعتذارات من قبل العاملين معه فى حملته الانتخابية التى تواجه أعاصير تهدد استقرارها فى الأيام الفاصلة المقبلة، وكان المتحدث الرسمى باسم الحملة الانتخابية قد أعلن منذ عدة أيام  استقالته، وكتب على موقع توتير أنه قرر وضع نهاية لمهامه كمتحدث باسم فرنسوا فيون. المدهش أن ثمة تقارير صحفية تشير إلى أن بعض أعضاء تيار اليمين فى الجمعية الوطنية الفرنسية هم من كشفوا عن هذه الفضيحة لعدم رضاهم عن ترشح فيون،  ما يعكس حالة تصدع لا يستهان بها داخل الحزب الذى يعد أقوى أحزاب فرنسا السياسية.


2- أزمة ماريان لوبان

لم تتوقف سلسلة الفضائح عند فيون فقط، بينما امتدت أطرافها لتلحق بالحملة الانتخابية لماريان لوبان مرشحة حزب الجبهة الوطنية الذى يمثل تيار اليمين المتطرف فى فرنسا، فى ظل استطلاعات الرأى التى تؤكد فوز ماريان لوبان بأغلبية الأصوات فى الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة الفرنسية على النحو الذى يضمن لها خوض الجولة الثانية.

لكن بدورها تواجه ماريان فضيحة مالية قد تؤثر على حظوظها فى ظل تقارير صحفية تشير إلى إمكانية فتح باب التحقيق معها بشأن مزاعم تشير إلى سوء استخدامها لما يقرب من 300 ألف يورو من الأموال العامة الأوروبية من أجل دفع مرتبات العاملين فى حزبها.  

كانت لوبان قد رفضت  حضور استدعاء واستجواب من قبل الشرطة فى هذه  القضية،  حتى بعد الانتخابات الرئاسية والانتخابات البرلمانية التى ستجرى فى يونيو، ومن جانبها  هاجمت الشرطة مقر حزبها، وقام المحققون باستجواب اثنين من الموظفين وهما حارسها الشخصى ومساعدها الشخصى.

وكان تأثير هذه الفضائح على الناخبين مختلفا جدا حتى الآن، ففى الوقت  الذى تعرض فيه فيون لهزة كبيرة ، تبدو لوبان واثقة من نفسها ومن أداء حملتها الانتخابية. وقد نفى كلاهما الادعاءات ضدهما، وأكدا أنهما ضحية  مؤامرات غير شرعية من قبل خصومهما السياسيين، لكن استطلاعات الرأى تؤكد تراجع شعبية  فيون الذى يبدو أن صورته قد تضررت بشدة، كما انخفضت الروح المعنوية بين صفوف حزبه على مستوى الحملة الانتخابية،  بينما على الناحية الأخرى تواصل لوبان  تقدمها القوى فى الجولة الأولى من التصويت.

وبحسب جان جاريجيس، المؤرخ السياسى ومؤلف كتاب (سيرك الإليزيه)،  وهو كتاب عن الحملات الرئاسية، فإن ردود فعل الناخبين الفرنسيين فى هذه الحملة لا يمكن التنبؤ بها، وربما تتطور الأمور، ولكن فى الوقت الحالى، تتمتع ماريان لوبان بوضع قوى على الأقل لدى مؤيدى حزب الجبهة الوطنية.

يرجع ذلك لعدة أسباب، أولا، طبيعة الادعاءات، قضية البرلمان الأوروبى  قائمة على استغلال الأموال من أجل  تمويل الحزب، وليس من أجل الإثراء الشخصى للماريان لوبان وهذا تمييز مهم. ثانيا، لدى ناخبى الجبهة الوطنية إحساس عام  أن هناك مؤامرة ضد ماريان لوبان وبالتالى يشعر مؤيدوها أنهم بحاجة للوقوف  بجوارها فى وجه النظام. والجدير بالذكر أن جميع استطلاعات الرأى تؤكد أن فوز ماريان لوبان فى الجولة الأولى لا يعنى على الإطلاق أنها ستفوز بالانتخابات، حيث تشير نفس الاستطلاعات إلى أن الفوز بالنتيجة النهائية للانتخابات سيكون حليف أى مرشح يصعد للجولة الثانية مع ماريان لوبان.


3- ميراث الفضائح

أما فيما يتعلق بمرشح اليسار بنوا هامون، فعلى الرغم من نقاء سيرته السياسية وعدم تورطه فى أى فضيحة، إلا أن هامون يعانى من ميراث فرنسوا هولاند الرئيس الفرنسى اليسارى الذى يغادر الإليزيه وهو محمل بمجموعة من الفضائح التى لوثت ثوب تيار اليسار الفرنسى وقد تؤثر على الحملة الانتخابية لهامون.  

ولا تقتصر فضائح الرئيس الفرنسى هولاند على علاقاته العاطفية المتعددة ومن أشهرها العلاقة السرية التى جمعته بممثلة فرنسية، ولكن فترة رئاسة هولاند شهدت عددا من الفضائح لعل أشهرها فضيحة  الوزير الفرنسى جيروم كاهوزاك الذى  تم الحكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات بتهمة التهرب الضريبى وإيداع أمواله بشكل سرى فى بنوك فى دول لا تفرض ضرائب ضخمة.   

بحسب جان جاريجيس، فإن هذه الفضيحة تكتسب أبعادا شديدة  العمق فى ظل الأزمة المالية والاقتصادية التى تعانى منها فرنسا.


4- المحسوبية

كما طالت الفضائح إيمانويل ماكرون  المرشح الشاب الذى نجح فى الفوز باللقب «الحصان الأسود» فى انتخابات الرئاسة الفرنسية، وقد أكدت تقارير صحفية أن هناك تحقيقات مع ماكرون بشأن مزاعم محسوبية.

وبحسب الصحافة الفرنسية فتحت نيابة باريس تحقيقا مع المرشح للرئاسة الفرنسية إيمانويل ماكرون  للاشتباه فى استخدام «المحسوبية» فى تنظيم سهرة اجتمع فيها مع رجال أعمال فرنسيين فى لاس فيجاس، أثناء عمله كوزير للاقتصاد، ونشرت تقارير صحفية أن ماكرون التقى مع أصحاب عدة شركات فرنسية صاعدة فى معرض الكترونيات بتلك المدينة الأمريكية.  

وتم اللقاء فى سهرة من إعداد مجموعة هافاس للعلاقات العامة الفرنسية والتى حصلت على حق إقامة هذا الحفل دون إقامة مناقصة عامة. فى هذا الإطار تم اتهام ماكرون بمنح شركة العلاقات العامة امتيازا ليس من حقها.

وسوف تكشف الأيام المقبلة حول مدى تأثير هذه الفضائح على حظوظ كل هؤلاء المرشحين فى انتخابات لعبت فيها الفضائح دور البطولة.