مى سمير تكتب: الحبة الوردية.. نهاية «الشيخوخة» بألف دولار

مقالات الرأي



الشباب الدائم حلم مستحيل، بحث الجميع عنه دون فائدة، فالأيام لا ترحم وبصمتها لا تعرف التمييز، حاول علماء الوراثة لسنوات إيجاد علاج فعال للشيخوخة، وحتى الآن باءت كل محاولاتهم بالفشل، إلا أن أحدهم ويدعى ديفيد سنكلير يزعم أنه نجح فيما فشل فيه الآخرون.

ابتكر «سنكلير» البروفيسور الأسترالى أستاذ علم الوراثة فى كلية الطب بجامعة هارفارد، حبة وردية للحفاظ على الشباب، ويزعم أنها تعيد عقارب العمر عشرين عاما إلى الوراء، بينما أعطت والده البالغ من العمر 77 عامًا حيوية شاب فى الثلاثين من عمره، ويعتقد أن هذه الحبة هى المفتاح، ليس فقط لوقف الشيخوخة بل وحتى عكسها.

وأمضى «سنكلير»، أحد كبار الخبراء العالميين فى مجال علم الشيخوخة، عقدين من الزمان لاكتشاف علاج لها، ويرى أن عنفوان الشباب يكمن فى فيتامين «B3»، الذى يوجد فى العديد من الأطعمة، مثل: القرنبيط، الخيار والأفوكادو، التى تصلح خلاياها الحمض النووى التالف، والذى يظن أنه السبب الرئيسى للشيخوخة الطبيعية.

ويتم تحويل هذه الحبة الوردية داخل الجسم إلى مادة كيميائية ذات صلة، تسمى «نيكوتيناميد أدينين دينوكلأوتيد»، توجد فى كل الكائنات الحية، وهى ضرورية للحياة، وهذه المادة هى العنصر الحاسم فى تأجيج سبعة جينات مختلفة، فى الجسم الذى يحكم الشيخوخة، ومستويات هذه المادة الكيميائية «ناد» تنخفض لدينا بنحو 50% مع تقدمنا فى العمر، ما يترتب عليه إيقاف قدرة الجسم على مقاومة الشيخوخة والأمراض المرتبطة بها، مثل: السرطان، السكر، أمراض القلب والزهايمر.

وأظهرت التجارب التى أجريت على الفئران وكتبها البروفيسور وفريقه، أنه بعد أسبوع واحد فقط من وضع هذه الحبة فى مياه الشرب،  أصبح لا يمكن تمييز خلايا الفئران الكبيرة فى السن عن الشابة، وأصبحت عضلاتها وتصرفاتها مشابهة للشباب، أيضا، وعادلت الخلايا التى يبلغ عمرها 60 عاما تلك البالغة 20 عاما، والأهم من ذلك كله أن الفئران لم تعان  من أى آثار جانبية سلبية.

ولكن فى كثير من الأحيان ما يعمل ببراعة مع فئران المختبر لا يترجم إلى أنظمة أكثر تعقيدًا من البشر، ومع ذلك يقول البروفيسور «سنكلير»: لا أحد حاول فى أى وقت مضى أن يعمل على توفير بديل للمادة الكيميائية «ناد» التى تتضاءل فى الجسم مع التقدم بالعمر،  فهى جزء طبيعى داخل الجسم، وبالتالى لا يوجد ضرر من إعادة تجديد هذه المادة حال تعرضها للتضاؤل نتيجة التقدم فى العمر.

الخبر الرائع يتمثل فى أن هذه الحبة قد تتاح بالأسواق خلال من ثلاث إلى خمس سنوات، بعد التأكد من سلامتها باعتبارها أول دواء مضاد للشيخوخة بشكل فعال وآمن، وستبدأ الاختبارات الأولى على البشر قريبا فى بوسطن بالولايات المتحدة الأمريكية، مع التركيز أولا على السلامة، ثم على ما إذا كان العلاج يمكنه فعلا عكس الشيخوخة البشرية كما عكسها فى الحيوانات.

وسيتم رصد كل ذلك عن كثب من وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا»، التى تهتم باستخدام المخدرات خلال البعثات المستقبلية إلى المريخ لوقف عملية الشيخوخة المتسارعة، التى تؤثر على رواد الفضاء المعرضين للإشعاع، البروفيسور الأسترالى مقتنع جدًا بسلامة  هذه الحبة الوردية، إلى الدرجة التى دفعته لتجربتها واستخدامها على نفسه ووالده البالغ من العمر 77 عاما، ومن المؤكد أن نتائج هذه التجربة جاءت مشجعة للغاية.

فقبل تناول هذه الحبوب، فحص البروفيسور «سنكلير» البالغ من العمر 47 عامًا دمه، وكشفت التحاليل أن عمر جسده البيولوجى 58 عاما، وبعد استعمال الحبة الوردية لمدة ثلاثة شهور، فحص دمه مرة أخرى، وأوضحت التحاليل انخفاض عمره البيولوجى إلى 32 عامًا فقط، أما بالنسبة لأبيه، قال أستاذ العلوم الوراثية أنه أصبح قويًا كما كان فى العشرينات والثلاثينات، ويبدو أنه ازداد نشاطا، عملية تصنيع هذه الحبوب معقدة ومكلفة، وتتكلف حاليا أكثر من  ألف دولار شهريًا لتناولها وتجربتها على نفسه فقط، ومن شأن التصنيع على نطاق أوسع أن يخفض حجم التكلفة، لكنها فى نهاية المطاف لن تكون رخيصة.

ويؤكد البروفيسور، أنه وعلى الرغم من فعالية الحبة فى إعادة الشباب للجسم إلا أنها لا تتمتع بنفس الفعالية فيما يتعلق بمظاهر الشيخوخة الخارجية، مثل التجاعيد والشعر الأبيض، هذه الأمور من الصعب علاجها، لكن تناول الحبة منذ سن صغيرة سوف يساعد بالتأكيد على منعها، وتؤثر تلك الحبة على الأداء الداخلى للجسم ومدى الحيوية التى يشعر بها الإنسان وقدرته على العمل، ويضيف البروفيسور أن الشخص الذى سيبدأ فى تناولها وهو فى الأربعين من عمره سيظل محتفظًا بملامحه الشابة حتى فى سن كبيرة.

 وباع «سنكلير» من قبل  أبحاثه إلى شركة الأدوية البريطانية العملاقة «غلاكسوسميثكلين» بمبلغ 720 مليون دولار، وأدرجته قائمة مجلة «تايم» لعام 2014 ضمن أكثر 100 عالم نفوذًا فى العالم، هو بالتأكيد ليس صوتا وحيدا، حيث هناك إجماع عالمى متزايد على أن الشيخوخة ليست حتمية، ويمكن تجنب أعراضها، ومن خلال العلم يمكن للإنسان الاحتفاظ بشبابه الدائم، لكن هذا لا يعنى على الإطلاق أن مثل هذه الحبة سوف تمنح الإنسان الخلود، هى فقط تساعده على مقاومة كل أعراض الشيخوخة وبالتالى التقدم فى العمر بصحة جيدة، وقدرة على التمتع بالحياة دون خوف.

ومن المؤكد أن مثل هذه الحبة قد تساعد فى رفع معدلات متوسط الأعمار وتساعد الإنسان على تجاوز الـ100 عام وهو بصحة جيدة، وبحسب التجارب التى أجراها سنكلير فإن رجلاً فى السبعين من عمره يمكن له أن يتمتع بحيوية شاب فى الثلاثين، إنه الحلم الذى يطارد الجميع، الشباب الدائم، أن يتقدم الإنسان فى العمر وهو محافظ على قدراته العقلية والجسدية، حلم قد يصبح واقعًا حقيقيًا خلال سنوات قليلة، ولكن إلى حين التأكد من سلامة هذه الحبة يمكن لنا جميعا الإكثار من تناول القرنبيط والخيار والأفوكادو، بحسب نصيحة البروفسير سنكلير.