عادل حمودة يكتب: الجاسوس الملاك الذى أنقذ إسرائيل من الهلاك (2)

مقالات الرأي



الموساد: أشرف مروان أعظم عميل حظينا به ومعلوماته جعلت مصر شفافة بالنسبة لنا

■ رفض استخدام الاتصالات اللاسلكية وألقى بجهاز الإرسال فى النيل

■ ثغرة الرواية الإسرائيلية عدم الكشف عن ضابط تشغيل مروان رغم تقاعده والمحجوب يكشف عن هويته

■ عربون الخيانة: وثيقة سرية جدا عن أوامر المعركة لكل وحدات الجيش المصرى وقائمة بأسماء قادتها

تصحيح:
فى الحلقة الأولى من سلسلة الجاسوس الملاك الذى أنقذ إسرائيل.. وقع خطأ غير مقصود ونشرنا صورة الدكتور الراحل خالد عبدالناصر نجل الزعيم وخطيبته والرئيس جمال وذلك بدلا من نشر صورة خطوبة منى عبدالناصر وأشرف مروان ونحن نعتذر عن هذا الخطأ غير المقصود.


كانت السهرة فى بيت رجل الأعمال البورسعيدى محمد أبو العينين المطل على نادى الصيد تضم محمد حسنين هيكل وعمرو موسى وأشرف مروان الذى لاحظت أنه ازداد نحافة وابيض شعره ولا يتحرك إلا مستندا على عصا ورغم ذلك فإنه لم يستقر فى مكان واحد واستبدل مقعده أكثر من أربع مرات.

وما لفت النظر أيضا أنه بقى صامتا أغلب الوقت وكانت تعليقاته قصيرة ومتحفظة إذا ما أجبر عليها من عينة يجوز وممكن واحتمال.

وفى تلك الليلة وافق موسى على زواج ابنته هانيا من أحمد ابن مروان ولكن الزواج لم يدم طويلا فقد تورطت شركة أحمد فى أعمال البورصة فطالبه عملاؤه بملايين الجنيهات التى خسرها وأصبح مهددا بالسجن، لكن المثير للدهشة أن والده شديد الثراء لم يتدخل لإنقاذه وكأنه لا يعرفه وتولى هذه المهمة الرئيس الليبى معمر القذافى الذى أفزعه سجن حفيد عبد الناصر.

وما أن نشرت فى صوت الأمة قصة مروان مع الموساد حتى أوقف ابنه الكبير جمال تعاملاته الإعلانية مع الصحيفة ولكن والده نصحه بالعودة إلى مكان عليه مادام يجنى مالا فالبيزنس يسود ما عداه من اعتبارات.

كشفت تلك الوقائع عن جنون مروان بالسلطة من خلال النسب مع الشخصيات السياسية المؤثرة مثل عمرو موسى الذى كان وقتها وزيرا للخارجية ليمنح أصغر أبنائه فرصة للصعود دون مجهود، كما فعل هو من قبل بزواجه من ابنة عبد الناصر، كما كشفت هذه الوقائع إيمانه بالثروة واعتبارها المقياس الوحيد للتعامل مع الآخرين بغض النظر عمَّا قد يواجهونه من متاعب نفسية مهما كانت مؤلمة وحرجة.

كانت صوت الأمة عدوا له ولكن رغم ذلك لم يمنع ابنه من التعامل معها مادام يحقق مكاسب من ورائها واتصل بنفسه بالموساد عبر سفارة إسرائيل المعادية لبلاده فى لندن عارضا خدماته فى التجسس على وطنه الجريح المنكسر بعد الهزيمة وكأنه أراد أن يجهز على ما تبق من كرامته ويقبض الثمن.

حسب كتاب «الملاك ــ الجاسوس المصرى الذى أنقذ إسرائيل» يذكر مؤلفه يورى بار جوزيف أن مروان شق طريقه إلى الموساد عبر أحد الأكشاك الحمراء التى تتميز بها تليفونات الشوارع فى لندن.. اتصل بسفارة العدو طالبا التحدث مع ضابط الاستخبارات فيها.. ولم تعرف عاملة السويتش كلمة مروان لكنها كانت تعرف أن عليه تحويل مكالمة أى شخص يتحدث العربية ويسعى إلى تجنيده جاسوسا إلى مكتب الملحق العسكرى.. لكن.. الملحق العسكرى لم يعرفه هو الآخر.. وإن سجل اسمه دون رقم تليفونه الذى رفض مروان إعطاءه إليه، مما جعله يهمل تحويل البيانات إلى مندوب الموساد.

وبعد خمسة شهور كرر مروان الاتصال وتحولت المكالمة لملحق عسكرى جديد هو الجنرال شمويل إيال وهذه المرة ترك مروان رقم تليفونه.. ولكن.. الرسالة لم تصل إلى ضابط الموساد ــ بسبب توتر العلاقات بينه وبين مسئولى المخابرات العسكرية ــ إلا بالصدفة.

كان فى لندن اثنان من كبار المسئولين فى الموساد هما ريهافيا فاردى مسئول الاستخبارات البشرية وشمويل دورين مدير العمليات فى أوروبا، وكانا عليهما الذهاب إلى مطار هيثرو مع شمويل إيال لقضاء بعض الوقت مع مدير المخابرات العسكرية فى استراحة الترنزيت وفى الطريق كشف إيال صدفة عن اتصال شخص يدعى أشرف مروان بالسفارة يعرض خدماته على الموساد وتبادل فاردى وجورين نظرات الدهشة فقد كانا يعرفان الاسم جيدا وسبق أن وضعوا عيونهما عليه ويحتفظان بسجلات عن حياته وسجلات منذ لحظة وصوله لندن ويعرفان قيمة المال لديه وولعه الشديد بالقمار والحياة المترفة هو وزوجته.

لكن.. لا واحد من تلك المجموعة صدق أن مروان يمكن أن يخون بلده وشك الجميع فى أنه لابد أن يكون فخا.. لكن.. أمام الصيد الثمين كان لابد من المحاولة مع التحصن بوافر الحذر.

اتفق الثلاثة على أن يلقاه الرجل الثانى للموساد فى لندن ويدعى دوبى ولا يزال اسمه سرا.. يلتقيان فى بهو أحد فنادق وسط لندن.. يتكلمان قليلا.. ثم يصعدان إلى حجرة محجوزة فى أحد الطوابق العلوية ليتحدثا بحرية بينما جورين يتظاهر بقراءة صحيفة فيها صورة عرس مروان ومنى قبل أربع سنوات للتأكد من أنه الشخص المقصود.

بدا مروان متوترا بينما دوبى يمد يده مصافحا ومبتسما وهو يقول باللغة العربية :

السيد مروان يسرنى لقاؤك اسمى أليكس.

صدم مروان من سماع اللغة العربية وخشى أن يكون قد وقع فى فخ جهزته له المخابرات المصرية فأجاب باللغة الإنجليزية:

هل أنت إسرائيلى؟

أصبح الحديث باللغة الإنجليزية ومرت لحظات القلق الأولى بارتياح فصعدا إلى الغرفة وراح مروان يتحدث عن منصبه فى الرئاسة الذى يتيح له الاطلاع على المعلومات الأكثر أهمية.. بل إنه أخرج من حقيبة سوداء كان يحملها أوراقا مكتوبة بخط اليد ــ كانت مذكرة سرية فيها فهرسة أوامر معركة من المعارك موجهة إلى كل فرق الجيش المصرى قدمها عربونا للخيانة.

ولتخصص مروان فى الكيمياء أفرط دوبى فى السؤال عن تطوير مصر للأسلحة الكيماوية والبيولوجية فقد كانت إسرائيل تخشى استخدامها ضد المدنيين ولكن مروان اعتذر لعدم وجود معلومات دقيقة فى هذا الشأن وإن وعد بالحصول عليها وتقديمها فى أقرب فرصة.

أجرت إسرائيل عليه كل الاختبارات النفسية والتاريخية والشخصية حتى أدركت الطاقة الكامنة فيه جاسوسا خالصا لها.

كانت قد تشكلت لجنتان لمتابعته واحدة من الموساد والثانية مشتركة مع المخابرات العسكرية ومع أن مروان لم يتحدث عن المقابل المالى إلا أن إسرائيل لم تبخل عليه وبين فترة وأخرى كان يحصل على 200 ألف دولار اشترط أن تكون أوراق نقد قديمة من الفئات الصغيرة.

وجرى البحث عن اسم حركى لحماية هويته فرشح له أكثر من اسم مثل باكتى وأتموس ولكن استقروا فى النهاية على اسم الملاك أو بالعبرية حملاخ.

ودرست إسرائيل مخاوف أن يكون مروان عميلا مزدوجا ولكن بعد معاينة المسألة من جميع الزوايا استنتج الموساد أن احتمال أن يكون مروان غير ما يبدو ضعيف جدا لسبب بسيط صعوبة تشغيل العميل المزدوج كما أن روابط مروان العائلية تجعل من إرساله عميلا مزدوجا أمرا شديد الخطورة فهو فى النهاية صهر عبد الناصر نفسه ويصعب تعريضه للمخاطر.

ما توصلت إليه إسرائيل يتناقض مع شهادة عبد السلام المحجوب الذى كشف لى أنه كان وراء تدريب وتشغيل مروان قائلا :

الإسرائيليون حاولوا تجنيد مروان أكثر من مرة أيام عبد الناصر وكانت هناك فرصة كى نجاريهم ليكون عميلا مزدوجا ولكن عبد الناصر رفض وضع زوج ابنته فى هذا الوضع الشائك وعندما اقترب مروان من السادات تكرر العرض الإسرائيلى على مروان وهنا وافق السادات فقد كان كل همه تضليل الإسرائيليين فيما يسمى بخطة الخداع الاستراتيجى خاصة فيما يتعلق بساعة الصفر.. أو لحظة بدء الحرب.

رواية المحجوب عكس الرواية الإسرائيلية فالموساد هو الذى سعى إلى مروان وليس مروان هو الذى اتصل به.. كما أن مروان كان عميلا مزدوجا وليس عميلا خالصا كما يدعى الكتاب المتأثر بالقطع بما يريد الموساد نشره.

وحسب الكتاب فإن ضابط تشغيل مروان فى الموساد سمى دوبى أو أليكس دون اسم عائلة، وأغلب الظن أن الاسمين لا صلة لهما بالحقيقة واللافت للنظر أن الكتاب يكشف كل الأسماء بسهولة إلا هذا الاسم على أهميته فى الرواية خاصة أن صاحبه بالتأكيد أصبح خارج الخدمة ولا يضيره نشر اسمه بل على العكس يمنحه شعورا بالغرور أنه جند صهر عبد الناصر.

إخفاء اسم المرشد بعد مرور 37 سنة على تجنيد مروان و10 سنوات على وفاته نقطة ضعف واضحة فيما ترويه المخابرات الإسرائيلية.

ومن جانبه يصر المحجوب على أن ضابط تشغيل مروان كان رافى إيتان وهو من ضباط الموساد البارزين وعمره الآن ثمانين سنة ويعيش فى ضاحية بالقرب من تل أبيب تسمى أفيكا بينما يقول الكتاب أنه كان وقت تشغيله لمروان كان الرجل الثانى للموساد فى مكتب لندن.

وما أن توفى عبد الناصر وصعد نجم مروان فى سكرتارية المعلومات بجانب السادات حتى تضاعفت قيمة مروان لدى الإسرائيليين الذين كانت تقديراتهم للسادات ــ مثلهم مثل غيرهم ــ أقل مما كشف عنه فيما بعد.

حسب تقرير للمخابرات العسكرية الإسرائيلية كان الانطباع عن السادات أنه متبلد الذهن ضيق الأفق يفتقر للتفكير السياسى المستقل وغالبا ما يفضل المنطقة الرمادية باختصار لا يتمتع بالمهارات الكافية لإدارة بلده خاصة أنه جاء بعد زعيم كاريزما مثل عبد الناصر.

لكن الحقيقة التى كشف عنها السادات ــ كما قال أنيس منصور للإسرائيليين فيما بعد ــ أنه متقد الذكاء وطموح ولكنه توارى فى ظل عبد الناصر حتى لا يطاح به ونجح فى النهاية أن يكون رئيسا.

تصرف مروان بحرية أكثر بعد تولى السادات الحكم ورغم أن مروان أصر على عدم التعامل إلا مع دوبى فإنه رضخ فى النهاية لرغبة مائير مائير ــ مسئول الملف المصرى فى الموساد ــ والتقى به فى إبريل 1971 بل وأعطاه وثيقة تتضمن بنية الجيش المصرى وقوائم بأسماء القادة والأسلحة المخزنة فى المستودعات ووصفًا تفصيليًا للطائرات الحربية ومواقعها.

وحسب الكتاب كانت إسرائيل قد وضعت خريطة دقيقة نسبيا عن الجيش المصرى ولكن ما أضافه مروان من معلومات زاد عمق الصورة وأعطى تفاصيل تجاوزت كل ما كانوا يعرفونه من قبل فقد كانت من نوعية لا سابق لها وساعدت فى مستوى التأكد مما كانوا يعرفونه مسبقا وبسبب الدرجة العالية من التكامل مع ما كان فى متناول أيديهم من معلومات ازدادت ثقتهم إلى حد كبير بأن مروان لم يكن عميلا مزدوجا وبالنسبة لكل من كان يتساءل من الطبيعى أن يؤدى ذلك إلى إزالة كل الشكوك.

ويضيف الكتاب : إن ما قدمه مروان من معلومات ساعدت العدد القليل جدا من ضباط الموساد الذين قرأوها على تكوين فكرة جيدة عن الحياة فى الدوائر العليا للمجتمع المصرى ولكن تبقى المواد الأكثر أهمية هى المعلومات العسكرية وهى تتضمن فى قسم منها ملاحظات تم تدوينها أثناء جلسات مروان مع ضابط تشغيله وتتناول المواضيع الأكثر حساسية فى مصر مثل النقاشات التى تجرى داخل المجلس الأعلى للقوات المسلحة واجتماعات قيادات الجيش وحوارات كبار القادة مع نظرائهم السوفييت واللقاءات التى تجرى مع رسميين من الدول العربية الأخرى بما فيها لقاءات القمة ومقابلات السادات مع القادة الأجانب ومباحثاته السرية فى موسكو للحصول على أسلحة ردع لمنع الإسرائيليين من قصف الأهداف الحساسة فى العمق المصرى وحدد مروان عدد السوفييت فى الجيش المصرى بنحو 9500 استشارى وتقنى ومدرب وأكثر من 10000 جندى من قوات الجيش الأحمر.

وقدم مدير الموساد تسفى زامير كثيرا من المعلومات التى حصل عليها من مروان إلى نظيره فى وكالة المخابرات المركزية ريتشارد هيلمز وإن حرص على إخفاء المصدر ونتج عن ذلك إسراع واشنطن ببيع طائرات فانتوم ــ أربعة إلى إسرائيل.

وقرابة سبتمبر 1972 أعطى مروان للإسرائيليين نسخة من رسالة وجهها السادات إلى بودجورنى رئيس مجلس السوفييت الأعلى يعرب فيها عن تذمره من رفض السوفييت إعطاء مصر أسلحة تحد من هجمات العدو مما يعنى غياب الخيار العسكرى وعندما استجاب السوفييت وقدموا صواريخ سكود فى آخر مايو 1973 وتشغيلها بعد ثلاثة شهور لم يتردد مروان فى توصيل هذه المعلومات الخطرة إلى الإسرائيليين.

وكان مروان قد قدم إلى مائير مائير فى صيف 1971 خطة العبور الأولى التى عرفت بجرانيت واحد وفيها خرائط تفصل الهجوم المصرى خلال المرحلة الأولى من الحرب ومفترض ألا تستغرق أكثر من 24 ساعة وتعتمد على خمس فرق مشاة تعبر القناة من خمس نقاط مختلفة وهى نفس الخطة التى نفذت فى الحرب وإن أجريت عليها بعض التعديلات وسميت جرانيت اثنين.

ولما قدمه مروان من وثائق ومعلومات اعتبره مدير الموساد «أعظم مصدر حظينا به يوما» على حد ما أضاف: كان مروان مصدرا من الدرجة الأولى لأنه تمكن من تغطية منطقة كاملة كان من الصعب علينا الوصول إليها وكان مستوى الموثوقية فى كل ما قاله عاليا جدا.

أما العميد متقاعد أهرون ليفران النائب السابق لرئيس شعبة الاستخبارات العسكرية قبل حرب أكتوبر فقد خلص إلى نتيجة مفادها أن المواد التى أعطاها مروان لإسرائيل كانت معلومات عالية الجودة من النوع الذى ترغب فيه وكالات الاستخبارات طوال حياتها وقد لا ترى مثلها إلا كل عدة أجيال.

لكن.. لا يمنع ذلك أن الكتاب الذى طبخ فى الموساد ــ تمجيدا له ولإعفائه من تهمة التقصير التى نالت الجميع بعد هزيمة إسرائيل فى حرب أكتوبر ــ ضاعف من دور مروان وأهميته لكى يثبت براعته ويبعد النظر عن إخفاقه.

كما أن المعلومات التى قدمها مروان وبدت شديدة الخطورة يمكن أن تؤكد التدرج فى خطة الخداع التى دبرها السادات بمكر وبراعة.

ولكن.. السؤال الذى ظل بلا إجابة لم سكتنا نحن وتكلموا هم.. لم شعرنا نحن بالحرج وشعروا هم بالفخر؟

ونعود للكتاب لنعرف منه على حد ما ذكر مؤلفه بأن مروان رفض الجلوس مع ضابط مخابرات عراقى فقد شعر على حد قوله بأنه أقل قيمة بالنسبة لجنسيته المصرية.

ولضمان سلامته خصص له وسيط يتصل به تليفونيا ويحدد مواعيد اللقاءات وكان الوسيط امرأة تعيش فى لندن تجاوزت الخمسين من عمرها ونادرا ما كانت تغادر منزلها وفى كل مرة يتصل فيها مروان كانت المرأة تتصل بدوبى فورا وفى تلك الفترة تقريبا ظهرت ميزة الأنسر ماشين أو مجيب الهاتف الآلى فقام دوبى بتركيب واحد فى الشقة ليتمكن مروان من الاتصال فى أى وقت من الليل.

وبجرأة يحسد عليها كان مروان يأتى إلى اللقاءات بسيارة تابعة للسفارة المصرية مع سائق منها ومرة أخرى التقى دوبى ومائير مائير فى شقته فى ضاحية ماى فير فى لندن وحسب الكتاب فإنه طوال فترة حديثهم فى غرفة المعيشة كانت بانتظار مروان امرأة ما فى غرفة النوم ربما سمعت كل ما قيل ولكن مروان لم يحفل.

وكان مروان يخاطر بحمل الوثائق الأصلية وكان يبرر ذلك بقوله لن يفتشونى وأحيانا كان يسلمها لدوبى وأحيانا أخرى كان دوبى يصورها بكاميرا صغيرة ويعيدها إليه وفى الحالات الحرجة جدا حين كانت الوثائق فى غاية الحساسية بحيث يصعب إحضارها كان مروان يدون النقاط الأساسية فيها.

المجال الوحيد الذى رفض مروان قبوله هو ما يتعلق بالاتصالات اللاسلكية التى يمكن أن توفر لإسرائيل فرصة تلقى الإنذار الأخير إذا ما قررت مصر الهجوم عليها وأرسلوا إليه جهازا مع خبير بريطانى لتدريبه عليه وكيفية إخفائه وشفرة الترددات والإرسال لكن مروان لم يكن بارعا فى استخدام الأدوات بسبب يديه العسريين وفى الاجتماع التالى مع مشرفيه أخبرهم مروان أنه وجد العملية خطرة جدا وأنه القى بكل شىء فى النيل.. ويمكن القول أنه طوال هذه السنوات التى عمل فيها مع الموساد لم يقم أعظم جاسوس فى تاريخ إسرائيل ولو مرة بتمرير معلومة عبر اتصال لاسلكى.

وكان واضحا إحساس مروان بذاته فبجانب فرض كثير من شروطه على الموساد أصر على لقاء الرئيس الأعلى للجهاز الذى كان مروان يسميه الجنرال وحسب الكتاب كان اللقاء الأول بينهما ناجحا.

لم يدخل زامير فى تفاصيل المعلومات التى كان يقدمها مروان بل راحا يتحدثان فى شئون دولية عامة وعندما تحول الحديث إلى استراتيجية مصر الحربية أصبحت وجهة نظر مروان أكثر أهمية خاصة عندما تحدث عن رغبة السادات فى شن حرب محدودة ليبدأ بعدها المساعى السلمية وهو ما حدث بالفعل فما أن عبرت القوات المصرية القناة حتى جاء هنرى كيسنجر عارضا مشروعا لفك الاشتباك تمهيدا لما هو أكبر مفاوضات كامب ديفيد ومعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية.

فى ربيع 1973 أصبحت مصر جاهزة للحرب وأصبح عليها تحديد ساعة الصفر وتحمس الموساد لما سمع من مروان ولكن الشخصيات الرئيسية فى الاستخبارات العسكرية استمرت متمسكة بأن مصر لن تحارب وأن تقارير مروان خاطئة وبعيدة عن الحقيقة وظلت هذه القناعة مسيطرة عليها حتى صباح السادس من أكتوبر عندما بدت الحرب على وشك أن تبدأ.

حسب الكتاب لم يشارك مروان فى الاجتماع المصيرى الذى انعقد قبل الحرب فى 24 أكتوبر 1972 حين طرح السادات رؤيته الجديدة ولكن أحد مساعدى مروان كان حاضرا وسجل الملاحظات وبعد أسبوع تقريبا التقى مروان بزامير ودوبى فى لندن وسلمهما وثائق تثبت بوضوح قرار السادات بالذهاب إلى الحرب بأسرع ما يمكن وتشرح بوضوح قرار ترحيل السوفييت فى يوليو 1972 كخطوة أولى باتجاه زيادة حرية مصر فى المناورة.

وبينما طالب موشى ديان بأخذ هذه المعلومات بجدية أكد رئيس الاستخبارات العسكرية إيلى زعير أن فرصة الحرب ليست كبيرة وأن احتمال عبور مصر القناة قريب من الصفر وفى الوقت نفسه أصدر مركز أبحاثه تقييمه الاستخباراتى نصف السنوى أعلن فيه أن احتمال وقوع الحرب أبعد بكثير من أى وقت مضى.

وفيما بعد صدمت مفاجأة العبور كل قادة إسرائيل وأدانت لجان التحقيق إيلى زعير واتهمته بالتقصير فأراد أن ينسب الفشل إلى رئيس الموساد تسفى زامير فكشف عن تجنيد مروان موحيا بأنه خدعهم ولم يكن مروان ليكشف لولا اختلاف الأجهزة الأمنية الإسرائيلية.

لقد حذر مروان الموساد من الحرب قبل وقوعها بساعات فى لقاء سنكشف تفاصيله فيما بعد.


العدد القادم

■ لقاء حسم قرار الحرب بين مروان وتسفى فى لندن

■ لماذا نصح مبارك مروان بالسفر خارج مصر بعد ما نشرت القصة؟

■ المحجوب يجيب عن السؤال الصعب : من قتل مروان؟

■ لماذا رفض ضابط تشغيل الموساد مناظرة المحجوب؟