عادل حمودة يكتب من واشنطن: 150 دقيقة فى البيت الأبيض غيرت السياسة الأمريكية

مقالات الرأي



■ السيسى: هناك ثلاث دول تدعم وتمول وتسلح الإرهاب

■ ترامب: حددها لى بالاسم وأنا أكشفها

■ مساعدو ترامب: ربما يحدث ذلك لو لم تكف هذه الدول عما تفعل

■ المديرون التنفيذيون للشركات الأمريكية: الإدارة السابقة منعتنا من الاستثمار فى مصر لمزيد من الحصار عليها

■ ترامب للسيسى: دعوتنى للقاء فى أصعب أوقات الانتخابات الرئاسية

■ السيسى: كنت واثقا من فوزك وقلت لك: سأهنئك بنفسى فى البيت الأبيض

■ ترامب: نريد مصر قوية وحليفا استراتيجيا

■ السيسى: لابد أن تحمى المياه للمصريين

■ ترامب: أنا مستغرب أنك بتحارب الإرهاب لوحدك


يستهوى فندق «فور سيزونز» المميز بطوبه الأحمر فى منطقة «جورج تاون» نجوم السياسة والثروة والدبلوماسية وشبكات التليفزيون فى واشنطن ليجمع بينهم فى دعوات الكلام قبل الطعام.

وعادة ما يفضله الرؤساء والملوك الذين يأتون إلى العاصمة الأمريكية فى زيارات رسمية.. إنه آخر فندق نزل فيه حسنى مبارك (خريف 2010) وأول فندق نزل فيه عبدالفتاح السيسى (ربيع 2017) وبين التاريخين سبع سنوات «عجاف» فى العلاقات بين القاهرة وواشنطن كانت انعكاسا لتدبير وتنشيط وتسخين من أوباما لتوصيل الإخوان إلى حكم مصر بعد أن تدخل بسفور فى الشأن المصرى من قبل عندما طالب برحيل مبارك مستخدما كلمة «الآن» فى سابقة لم تحدث من قبل بغض النظر عن قبولها أو رفضها فقد كانت خروجا عن القيم الأمريكية التى ادعى أوباما أنه حريص عليها.. ليجرى ما جرى فيما بعد.

قبل وصول الرئيس عبدالفتاح السيسى بأربع ساعات منعت السيارات من الوقوف فى الشوارع المحيطة بالفندق.. وجاءت أوناش عملاقة وضعت حواجز من الأسمنت وسيارات الشرطة ومحطات تنصت متحركة.. وبجانب جنود يحملون أسلحتهم المدببة بينما انتشر مخبرو المباحث الفيدرالية بملابسهم المدنية.

وداخل الفندق نصبت أجهزة كشف الأسلحة وخضع النزلاء والزوار للتفتيش وسدت طرقاته المكشوفة بالستائر لبعض الوقت لتغطية الممر المكشوف الذى يربط برجى الفندق لضمان خصوصية الرئيس عند خروجه ودخوله.

وضاعف من مخاوف الأمن نزول الملك عبدالله (ملك الأردن) فى الفندق نفسه حيث وصل إليه فجر يوم الثلاثاء ليبدأ زيارته الرسمية قبل أن تنتهى زيارة الرئيس على أن يلتقى بترامب يوم الأربعاء بعد يومين من لقائه مع الرئيس ووجود الرئيس والملك معا فى نفس الوقت كان فرصة ليلتقيا معا فى مزيد من التشاور مما يعنى وجود قضايا عربية مشتركة ستطرح على الإدارة الأمريكية الجديدة.. منها الإصرار على قيام دولة فلسطينية مكتملة السيادة.. وعدم نقل السفارة الأمريكية إلى القدس.

وليس هناك جزم بأن تلك الإجراءات الصارمة تعكس مخاوف أمنية حقيقية أو أنها تعبير عن اهتمام بضيف مميز حرصت إدارة ترامب على أن يكون أول رئيس عربى يدخل البيت الأبيض بعد 75 يوما فقط من توليه السلطة.

لقد رحب البيت الأبيض بزيارة السيسى أكثر من مرة وأشاد متحدثوه بالعلاقات الودية بينه وبين ترامب وبما أكد «وجود كاريزما متبادلة بينهما « وهو ما اعترف به ترامب خلال لقائه السيسى فى سبتمبر الماضى على أرض نيويورك مما أضفى كثيرا من الارتياح ربما وصل إلى حد الانتشاء على الوفد المصرى فهو لم يأت ليحاسب وإنما ليتعاون ويتوافق لتبنى العلاقات المصرية الأمريكية من جديد على أسس مختلفة بعد سنوات الهجر والتوتر والجمود.

وحسب دانيال بنيم الباحث فى «مركز واشنطن للتقدم» فإن ترامب يفضل الوقوف مع رجل قوى وبفوزه أتاح فرصة لتغيير الطريقة التى تنظر بها واشنطن للقاهرة التى تسعى إلى رفع مستوى علاقتها بواشنطن إلى ما يمكن وصفه بالتحالف.

وفى مكالمة التهنئة التى أجراها السيسى سارع ترامب بدعوته لزيارة واشنطن، لكن ترتيبات الزيارة بدأت قبل أكثر من شهر بالتحديد فى 25 فبراير ولم ينم طاقم السفارة المصرية لمدة 17 يوما وهو يضع جدول أعمال الزيارة فى ظروف غير مستقرة يعانى منها ترامب نفسه فبجانب لقاء البيت الأبيض فرض البرنامج لقاءات مع شخصيات بارزة فى الكونجرس ومديرى الشركات المؤثرة (أبرزها جنرال إلكتريك ولوكهيد مارتن) ومراكز الدراسات الاستراتيجية و»الميديا» وأبرزها قناة « فوكس» المساندة لترامب.

ويدعم الزيارة شخصيات مؤثرة فى البيت الأبيض على رأسها ستيف بانون الذى يوصف بالعقل المفكر لترامب ومدبر حملته الانتخابية وسيباستيان جوركا مستشار مكافحة الإرهاب وديرك هارفى مسئول الشرق الأوسط فى مجلس الأمن القومى وهم يعتبرون قمة الرئيسين «خطوة مهمة فى إعادة التأهيل الدولى للسياسة الخارجية الأمريكية التى خرجت عن مدارها فى عهد أوباما».

لكن.. المفاجأة المذهلة كانت طريقة استقبال ترامب للرئيس فى البيت الأبيض.. لقد كسر بعفويته وجرأته كل قواعد البروتوكول المستقرة.. وأربك أطقم الحراسة.. وإن تلقى مساعدوه ما فعل بهدوء فقد تعودوا على مفاجآته.

استمر الاجتماع المغلق بين الرئيسين 15 دقيقة فى المكتب البيضاوى.. أعقبها 50 دقيقة من المباحثات الموسعة ضمت الوفدين.. وغداء استغرق نحو الساعة.. ولو أضفنا دقائق الاستقبال والانتقال من مكان إلى مكان يكون الرئيس قد قضى فى البيت الأبيض 150 دقيقة.. أتصور أنها 150 دقيقة قلبت الموازين.. وغيرت السياسات.. وقدر لمصر فيها أن تشهد فى نفس المكان الذى تآمر عليها خلال إدارة سابقة إنصافا ودعما من إدارة لاحقة.

كانت قائمة الطعام تقليدية.. سلاطة خضراء.. وقطع من لحم الفيليه المشوى.. وآيس كريم.. لكن.. كانت قائمة الحوار أكثر شهية سعيت جاهدا لمعرفة الكثير منها حسب مصادر مباشرة مصرية وأمريكية كانت هناك حاضرة وشاهدة ومستمتعة.

لقد عبر ترامب عن اهتمامه منذ أن كان مرشحا للرئاسة بما جرى ويجرى فى مصر خلال السنوات السبع الماضية.. ليصل إلى نتيجة محددة «نحن نحتاج مصر قوية نحتاجها حليفا استراتيجيا وسنقف بجانبها بما لم يتصوره أحد من قبل وهذه رسالة أوجهها للشعب المصرى».

من جانبه قال الرئيس: «أنا أثق فيك وكنت أعرف أنك ستكسب الانتخابات».

لم ينس ترامب أن السيسى أصر على أن يلقاه فى نيويورك (سبتمبر الماضى وهو يحضر الجمعية العامة للأمم المتحدة) وقت أن كان كثيرون يقفون ضده ولا يثقون فى نجاحه.. بل إن السيسى أعطاه من وقته أكثر مما توقع ترامب ساعة ونصف الساعة قائلا: «سأبارك لك فى البيت الأبيض».

لقد حفظ ترامب الجميل مثل رجل أعمال وجد من يساعده فى وقت شدة.. وربما لهذا السبب طلب من الرئيس أن «يشرفه» بصورة وهو جالس على مكتبه بينما الرئيس يقف على يمينه.. بل.. أكثر من ذلك نشر الصورة على صفحته الإلكترونية التى يرى أنها جسر التواصل القوى بينه وبين مؤيديه فى وقت ليس بينه وبين المؤسسات الإعلامية التقليدية العملاقة عمار (وعلى رأسها صحيفتا واشنطن بوست ونيويورك تايمز وشبكة الأخبار الشهيرة سى إن إن).

وسارع ترامب لكتابة بوست قال فيه: «إنه لشرف لى أن أرحب بالرئيس السيسى رئيس مصر فى البيت الأبيض بعد ظهر اليوم لندعم العلاقات التاريخية بين الولايات المتحدة ومصر « ونشر بجانب البوست ست صور أكبرها وهو يستقبل الرئيس على باب البيت الأبيض وأربع صور للوفدين معا والصورة الخامسة وهو يصافح الرئيس أمام المصورين.

من جديد أبدى ترامب اندهاشه من المواجهات الصعبة التى عاشها السيسى قائلا: «أنا مستغرب من أنك بتحارب لوحدك بالعكس كانت بلادك محاصرة « ليكرر مرة أخري: «أنا محتاج مصر قوية وسأسعى أن تكون قوية محافظة على أمنها القومى».

والحقيقة أن إضعاف مصر ساهم فيه من تناسوا دورها وتأثيرها وهم يحكمونها فترك الساحة خالية لدول مثل إيران وتركيا أصيبتا بشهوة السيطرة والتوسع.

ولم يتردد السيسى فى أن يتحدث بصراحة عن دول تدعم وترعى وتمول الإرهاب.. فإذا بترامب يطلب منه أن يحدد أسماءها.. وحاول الرئيس بدبلوماسية من يعرف ما يقال وما لا يقال أن يحيل كشف الاسماء إلى أجهزة المخابرات الأمريكية.. خاصة أنها أجهزة قوية تعرف الكثير.. لكن.. ترامب أصر على أن يحدد الرئيس هذه الدول بالاسم.. ولم يجد الرئيس مفرا من ذكرها.. ومن جانبه قرر ترامب أن يخرج ويعلنها.. ولكن.. مساعديه نصحوه بالتروى وتأجيل هذه الخطوة إلى مرحلة تالية إذا ما رفضت هذه الدول النصيحة بالكف عن دعمها للإرهاب ماليا وإعلاميا.

وليس فى مصر من لا يعرف هذه الدول بالاسم وليس فى مصر من لا يعرف أنها هى التى ترسل الإرهابيين إلى سوريا وليبيا وسيناء وأنها تسلحهم وتأويهم.

وشرح الرئيس أهمية تغيير الخطاب الدينى مؤكدا أنه بعث من خلاله برسائل تؤكد أن قبول الآخر ونبذ التعصب وتغيير الثقافة التى تحبذ التطرف.

قبلها بيوم وخلال اجتماع الرئيس مع رموز من الجالية المصرية ساند طلبهم برفض تعبير «أقباط المهجر» المستخدم كثيرا فى الإعلام فهم مصريون يعيش الوطن فيهم وإن لم يعيشوا فيه حسب التعبير البليغ للبابا شنودة.

وقال الرئيس: إن نبذ التطرف ليس منحة سياسية أو أخلاقية أو وطنية وإنما هو رسالة دينية صريحة وملزمة.

وسبق لشخصيات سياسية أمريكية أن اعتبرت الأزهر المؤسسة السنية المؤهلة لتفنيد ما يروج من أفكار خاطئة تنتهى بالتكفير تمهيدا للتفخيخ والتفجير.. ولكن.. للحقيقة.. لم يقم الأزهر بما انتظره الناس منه.. بداخله من يشل عقله قبل قدميه.. وإن كانت هناك أسماء قادرة على التغيير والتأثير.. سعد الهلالى وأسامة الأزهرى وخالد الجندى وقبلهم على جمعة.. مثلا.. ولو خفف إسلام بحيرى من حدته لانضم إليهم فى مجموعة يمكن أن تتزايد يوما بعد يوم.

علق ترامب على ما قاله الرئيس عن تغيير الخطاب الدينى قائلا: الخطاب الدينى المعتدل لن يأتى إلا منك ومن مصر خاصة لتحاصر بما تقول الفكر المتطرف.

وشرح الرئيس ما يقصد بربط الإرهاب بالدولة الدينية.

إن إيران دولة دينية وتركيا فى طريقها للحكم بالخلافة وهما معا تمولان حماس.. وشارك فى فتح السجون المصرية عقب ثورة يناير عناصر مشتركة من حماس والإخوان وحزب الله.

ومن جانبى أضيف: إن أول تفجير تعرض له خط الغاز فى سيناء أشرف عليه خبير إيرانى جاء عن طريق الخرطوم ونفذه عناصر من حماس فى عملية مشتركة تؤكد نظرية الرئيس أن الإرهاب لا يخرج إلا من الدول الدينية.

ونجحت هذه الدول فى استقطاب وتجنيد شباب العالم من جنسيات مختلفة لم يتركوا مكانا فيه إلا وزرعوا فيه عبواتهم الناسفة.

وسأل ترامب الرئيس: كيف أدعمك عسكريا واقتصاديا؟ وأجاب الرئيس:

أن تعود الشركات الأمريكية للاستثمار فى مصر وكانت الإدارة السابقة قد ضغطت عليها لمنعها من توسيع أعمالها فى مصر لتزيد من حالة الحصار التى فرضت علينا باعتراف كثير من مديريها التنفيذيين خلال لقاء الرئيس والوفد المصرى بغرفة التجارة الأمريكية مساء زيارة البيت الأبيض.

ومن جانبى أضيف بأن قرار الحكومة البريطانية فى الساعات الأولى لبدء زيارة الرئيس إلى لندن بمنع سفر البريطانيين إلى شرم الشيخ وعدم الهبوط فى مطارها كان استسلاما لمشيئة إدارة أوباما فى خنق مصر.

وبجملة قصيرة محددة قال الرئيس لترامب: «لازم تحمى المياه للمصريين» ولم يضف ما يعرفه كثيرون من ضغوط أمريكية سابقة على إثيوبيا لتضيف إلى معاناة الجوع جفاف العطش.

وتعجب ترامب من موقف أوباما من تسليح الجيش المصرى قائلا: كيف تقدم أمريكا معونة عسكرية لبلد ثم تجبره بسياستها على شراء أسلحة من بلد آخر؟

ولم يشأ ترامب أن يعطى فرصة لصحافة بلاده المعادية له لتفسد المشهد الذى أسعده فرفض منح مراسلى البيت الأبيض فرصة توجيه أسئلة كان يعرف مقدما أنها ستكون مسمومة.

والحقيقة أن الميديا بأشكالها المختلفة تتصيد كل ما يقول ترامب من كلمات وما يقع فيه من أخطاء وامتدت حالة التربص لضيفه.

فى يوم اللقاء فى البيت الأبيض هاجمت الميديا جارد كوشنر زوج إيفانكا ابنة ترامب لسفره إلى العراق ليقابل رئيس الحكومة هناك قبل أن يلقاه وزير الخارجية واعتبرت ذلك نوعا من العمل الدبلوماسى فى الظل تجب محاسبة ترامب عليه.

وقبل ذلك بيومين خرجت صحيفة «نيويورك تايمز» بتقريرين لفتا النظر إليهما.

التقرير الأول على الصفحة الأولى يتهم إيفانكا ترامب وزوجها جارد كوشنر بالاستفادة من وجود رب عائلتهما على رأس السلطة فى البلاد حتى وصلت ثروتهما إلى 740 مليون دولار.

إن إيفانكا لا تزال تحتفظ بحصتها فى فندق «ترامب إنترناشيونال» مما يعنى إمكانية تحقيق مصلحة خاصة إذا ما نزلت فيه شخصيات فى حكومات أجنبية بهدف التأثير على ابنة الرئيس وزوجها وهما من مستشاريه غير الرسميين.

أما التقرير الثانى على الصفحة السابعة فكان عن رفض البيت الأبيض وضع قضية حقوق الإنسان فى مصر على جدول أعمال المباحثات الثنائية التى جرت فى منتصف نهار يوم الاثنين بين الرئيسين «وإن كان من الممكن مناقشتها على انفراد ودون إعلان».

واعتبر التقرير إهمال ترامب لهذه القضية تحولا فى السياسة الخارجية الأمريكية خاصة أنه سبق لإدارته أن أعلنت فى الكونجرس أنها سترفع شروط حقوق الإنسان التى فرضها أوباما، وتستأنف مبيعات الأسلحة إلى البحرين البلد المضيف للأسطول الخامس الأمريكى مما يعنى أن التعاون الأمنى يسبق الاعتبارات الأخرى.

والواقع أن تجاهل ترامب لهذه القضية نال العدد الأكبر من تعليقات الصحف ومراكز الدراسات وبدا واضحا أنها تعزف على نفس الوتر وتكرر ذات المعنى فلم يختلف ما كتبته فيليشيا ششوارتز فى صحيفة وول ستريت جورنال عما كتب بيتر بيكر فى صحيفة نيويورك تايمز واتفق معهما تقرير جان مور فى مجلة نيوزويك ومايكل روبين فى مجلة كومنترى ولم يخرج عن الصف نيل هكس فى منظمة هيومن رايتس ووتش وميشيل دان فى مؤسسة كارينجى.

وليست مفاجأة التركيز على هذه القضية فلم تمر زيارة لمبارك إلا ونشرت ميشيل دان مقالة متكررة فى صحيفة واشنطن بوست تحت عنوان «رجلنا فى القاهرة» تستنكر فيه المساعدات التى تقدم لمصر دون مراعاة شروط حقوق الإنسان حفاظا على القيم السياسية الأمريكية وقد قرأت المقالة نفسها ثلاث مرات وأنا أغطى آخر ثلاث زيارات.. ولكن هذه المرة غيرت العنوان إلى «قمة السيسى ترامب» وإن لم تغير الصحيفة.

وفى اليوم نفسه نشرت الصحيفة ذاتها تقريرا عن حقوق الإنسان فى مصر تحت عنوان «زيارة السيسى تحول فى السياسة الأمريكية» وبالطبع التحول ليس إيجابيا فى تصور الصحيفة.

وتنشيطا لغريزة «البيزنس» حرض توم مالينونسكى مساعد وزير الخارجية السابق الذى كان مكلفا بملف حقوق الإنسان ترامب على عدم تقديم المزيد من المساعدات العسكرية لمصر بدعوى أن مصر حصلت على أسلحة مجانية منذ عام 1979 قيمتها 77 مليار دولار على مدى 38 سنة دون أن نجد طائرة مصرية واحدة (إف 16) تساعدنا فى محاربة داعش مما يعنى أن مساعدتنا لمصر لم تدعم السياسة الخارجية الأمريكية.

ولكن.. إدارة ترامب لم تكن فى حاجة إلى هذا التحريض فقد قلصت ميزانية وزارة الخارجية بنحو 28 فى المائة (من 38 إلى 27 مليار دولار) وهى الميزانية التى تتضمن المساعدات العسكرية والاقتصادية الخارجية.

ولم يتأكد سوى حصول إسرائيل على مساعدتها السنوية (3.1 مليار دولار) أما ما يقدم للدول الأخرى فلا يزال تحت التقييم والتقدير مما يعنى أن ما يقدم لمصر سنويا من مساعدات عسكرية (1.3 مليار دولار) قد يهدد بالتقلص وإن جاءت تقديرات إيجابية بثباتها بعد زيارة البيت الأبيض.

وكانت مصر تطالب بزيادتها بسبب مضاعفة أسعار الأسلحة والمعدات التى تشتريها بأموال المعونة، وحسب ما ذكر سمير فرج فى «الأهرام» فإن سعر طائرة النقل الثقيل (طراز سى 130) على سبيل المثال ارتفع من 10 ملايين إلى 100 مليون دولار مما «يؤثر على قدرة مصر فى تدبير احتياجاتها العسكرية».

ومن جانبه ذكر علاء يوسف فى أول لقاء مع الصحفيين يوم الوصول بأن تقييم «المعونة» لن ينتهى بانتهاء زيارة الرئيس وسيستمر حتى يستقر.

وطالبت مصر أيضا بإعادة العمل بميزة التمويل بطريقة «كاش فلوو» التى منحت لمصر وإسرائيل بعد معاهدة السلام بينهما وألغاها أوباما وكانت تتيح لنا شراء الأسلحة والمعدات العسكرية بنظام العقود الآجلة لنتمكن من الحصول على الحديث والمتطور منها.

وأغلب الظن أن ذلك سيكون ممكنا لتعويض مصر عن عدم زيادة المعونة بعد أن التقى الرئيس بوزير الخارجية ريكس تيلرسون خلال مباحثات البيت الأبيض والتقى بوزير الدفاع جيمس ماتيس فى البنتاجون والتقى برئيس لجنة الاعتمادات الخارجية فى الكونجرس ليندسى جراهام ورئيس لجنة الشئون الخارجية روبرت كروكر.

وحسب ما سمعت من مسئول فى الوفد المصرى يعرف جيدا ما يقول فإن الرسالة التى حملها السيسى إلى ترامب يمكن صياغتها فى «إنك لو أردت مصر دولة قوية تساند رغبتك الواضحة فى محاربة الإرهاب وتحقيق التوازن فيها فلابد من مساعدتها عسكريا ودعمها اقتصاديا»، بعبارة أخرى «ساندنا لنساندك».. «قف معنا نقف معك».. ولم يكن السيسى فى حاجة لتوصيل هذه الرسالة فقد أعلنها ترامب دون أن يعرفها.. بقوله «نريد مصر قوية».

لكن.. ذلك لا يمنع وقوف الأمر عند هذه التصريحات.. وإنما يحتاج إلى جهد متواصل لدعم إيجابية الزيارة.. خاصة أن القرار لو كان للرئيس الأمريكى فإن هناك مؤسسات أخرى تساهم فى تحديده ولو بطريقة غير مباشرة.

يجب تنشط شركت العلاقات العامة (ويبر شاندويك وكاسيدى وشركاه) اللتان استأجرتهما مصر منذ يناير الماضى لإلقاء الضوء على تنميتها الاقتصادية وحربها ضد الإرهاب ودورها فى تسوية الاضطرابات التى اجتاحت المنطقة.

وسبق أن تعاقدت مصر مع مجموعة «بى إل أم» منذ عام 2007 بما يزيد علي المليون دولار سنويا لضمان استمرار المساعدات العسكرية وبعد ثورتى يناير ويونيو استأجرت مصر شركات أخرى لتوضح حقيقة التحول الذى حدث فى السلطة وأدى إلى رحيل حكم الإخوان وإن كان نجاحها غير ملموس فى تغيير الصورة.

كما أن أوباما جمد المعونة العسكرية لمدة ثلاث سنوات قبل أن يستأنفها فى إبريل 2015 بشرط أن توجه إلى مكافحة الإرهاب وتأمين الحدود لمنع التهريب والأمن البحرى لمنع الهجرة غير الشرعية، وهو ما سيطالب بمراجعته الجانب المصرى.

وكانت مصر قد نالت فى الشهور الأخيرة من عهد أوباما ما طلبت من مساعدات تقنية تسهل الكشف عن العبوات الناسفة ووصل إليها 762 مدرعة مضادة للكمائن والألغام فى سيناء دون تكلفة.

وسيطالب الجانب المصرى أيضا بالعودة إلى برنامج تصنيع الأسلحة فى مصر بعد نجاح المصانع الحربية فى إنتاج الدبابة إم 181 التى توصف بأنها الأفضل فى القتال البرى.

ويمكن الجزم بأن التعاون العسكرى والأمنى بين مصر والولايات المتحدة سيكون أكبر من أى وقت مضى وهو ما يؤمن به ترامب وإدارته ولكن ليس علينا استعجال النتائج فما هدم فى سنوات لن يبنى فى أيام.

ولن تحسم الزيارة الرغبة فى عودة مناورات «النجم الساطع» بين الجيشين المصرى والأمريكى فقبل الاتفاق على عودتها لابد من الاتفاق على العدو الذى سيواجهه الجيشان لوضع التدريبات المناسبة للتخلص منه.

إن مصر على سبيل المثال تختلف فى تعاملها مع إيران عن أسلوب دول عربية أخرى وإن اتفقت رؤيتها مع ترامب وفى الوقت نفسه تؤمن مصر بأن أمن الخليج خط أحمر لا يجوز تخطيه ولن تسمح لإيران باللعب فى الملفات العربية التى دست أنفها فيها.

ولمواجهة إيران يقترح جنرالات البنتاجون تشكيل تحالف عسكرى يضم بجانب دول خليجية مصر والأردن والمغرب تحت إشراف أمريكى لمواجهة إيران ويضمن استقرار الأمن فى الخليج وشرق المتوسط.

وترقب الصحفيون باهتمام مضاعف دعوة الرئيس السيناتور تيد كروز للقائه فهو صاحب مشروع قانون تصنيف الإخوان جماعة إرهابية وهى قضية ساعدته مصر فيها حتى جمع 11 وثيقة تثبت وجهة نظره وتمرر قانونه وكانت جزءا من عرض الرئيس لرؤيته على ترامب فى لقائهما.

وحسب سى إن إن كان مسئول أمريكى رفيع المستوى أعلن قبل الزيارة: «أن ترامب مهتم بسماع وجهة نظر السيسى بشأن هذه القضية التى جذبت كثيرا من الاهتمام بشكل واضح» وأضاف: «نحن وعدة دول أخرى لدينا قلق من أنشطة متعددة تمارسها جماعة الإخوان فى المنطقة وسيناقش ذلك بين القاهرة وواشنطن استنادا على تقارير مخابراتية لم يكشف عما فيها من قبل».

والمشكلة كما سمعت من الباحثين فى المراكز الاستراتيجية فى مثل هذه التقارير أن تصنيف الإخوان جماعة إرهابية فى الولايات المتحدة سيؤثر سلبا فى التركيبة السياسية الأردنية حيث يحتل الإخوان 16 مقعدا فى البرلمان المكون من 150 نائبا.

وفى المغرب تسيطر حكومة إسلامية لن تقبل بهذا التصنيف وستوتر العلاقات بينه وبين الولايات المتحدة.

ولا يخفى على واشنطن مدى ارتباط الرئيس التركى أردوغان وحزبه الحاكم (العدالة والتنمية) بجماعة الإخوان بل إن كثيرين يعتبرون تركيا الحاضنة الرئيسية للإخوان فى الشرق الأوسط ولكن واشنطن لن ترغب فى أن يرتمى أردوغان فى الحضن الروسى.

وحذر أريك تريجر الباحث المتخصص فى شئون الجماعة من هذا التصنيف قائلا: «لا تعتبر الجماعة منظمة منفردة بل هى حركة دولية تشمل العشرات من المنظمات المحلية المنبثقة منها وتتشارك المنظمات الإقليمية بالسيطرة على أعضائها وسهولة توجيههم إلى ما تريد من أنشطة عقائدية أو سياسية أو أعمال إرهابية، كما أن الجماعة تترك أعمال العنف لوكلاء بعيدين عنها وإن تفرغت لتعزيز الكراهية والتعصب الدينى، ونظرا لمناخ الاستقطاب السياسى السائد فى واشنطن فإن هذا التصنيف سيجعل كلمة الإخوان مسموعة فى التكتلات السياسية والإعلامية المضادة لترامب.

لم يطلب ترامب فى لقائه بالرئيس شيئا وكل ما طلبه أن ينسى الشعب المصرى ما حدث من الإدارة الأمريكية السابقة.. لكن.. سرعان ما تهدأ العواطف لتبدأ لعبة السياسة بأصولها.. خذ وهات.. خاصة أننا أمام بيزنس مان شاطر يعرف كيف يكسب كثيرا ويدفع قليلا.

لكن.. لا شك أن ما حدث كان انقلابا فى السياسة الأمريكية.. المهم أنه رمم الجسور.. لكن الأهم كيف نعبر عليها.


بكل لغات العالم

1- ترامب على حسابه الخاص قبل اللقاء: "استعد للقاء الرئيس عبدالفتاح السيسى وباسم الولايات المتحدة اتطلع إلى علاقة طويلة ورائعة".

2- تراسى ويلكنسون ونوح بيرمان فى لوس أنجلوس تايمز: "قال ترامب للسيسى لديك صديق وحليف فى الولايات المتحدة".

3- المصدر نفسه: "جدد السيسى التزام الولايات المتحدة العميق بأمن مصر واستقرارها وازدهارها مضيف» سنحافظ على مستوى قوى وكاف من الدعم لمصر والأردن".

4- المصدر ذاته: أشاد ترامب بشجاعة السيسى فى قتاله تنظيم الدولة الإسلامية "داعش".

5- ديفيد ناكمورا فى صحيفة واشنطن بوست: قال ترامب مرحبا بالسيسى فى المكتب البيضاوى: "أريد فقط أن اعلم الجميع فى حال كان هناك شك أننا نقف وراء الرئيس السيسى لقد قام بعمل رائع فى وضع صعب للغاية نحن وراء مصر وشعب مصر لدينا دعم قوى لهما".

6- شون بيسر من كبار موظفى البيت الأبيض: الرئيس ترامب أوضح أن هذا يوم جديد فى العلاقات بين مصر والولايات المتحدة.

7- المصدر نفسه: إن عمل يوم الزيارة سار بشكل جيد وقد حققنا تقدما كبيرا مع مصر حقا.

8- بيتر بيكر وديكلان والش فى نيويورك تايمز: ترحيب ترامب الحار بالسيسى تحول جوهرى فى السياسة الخارجية الأمريكية.

9- مجلة فورين أفريس الأمريكية: لقاء السيسى وترامب "لقاء عقول".

10- وكالة ربا نوفوستى الروسية: أكثر ما يميز الزيارة إعلان الولايات المتحدة تقديرها للدور المصرى.

11- وكالة نوفا الإيطالية: وفد من البرلمان الأوروبى سافر إلى واشنطن لاقناع الولايات المتحدة بتوصيف الإخوان جماعة إرهابية.

12- موقع بينى أكدت التركى: أمر ترامب أن توضع السجادات الحمراء لاستقبال الرئيس السيسى.

13- وكالة الأناضول التركية: ستسهم الزيارة فى تدفق السياحة والاستثمارات الأمريكية إلى مصر.

14- صحيفة "ذا ديلى بيست" البريطانية: حسم ترامب علاقته بالسيسى قبل أن يلتقى به حين قال "إن الولايات المتحدة ستكون صديقا مخلصا لنا.. وليس مجرد حليف يمكن الاعتماد عليه".

15- وكالة اسوشيتد برس: لقاء الرئيسين خطوة مهمة فى عملية إعادة التأهيل الدولى للسياسة الأمريكية.

16- ايكل حنا من مؤسسة القرن فى نيويورك: على المدى القصير تعد الزيارة انتصارا مهما للسيسى بعد أن اكتسب قوة الاحترام الدولى.

17- هيلارى من نفس المؤسسة: ربما هناك الكثير من الكيمياء بين ترامب والسيسى.

18- وليد فارس خبير الأمن القومى الأمريكى: زيارة السيسى لا تستهدف إعادة الدفء إلى العلاقات المصرية الأمريكية، ولكن تمتد إلى إعادة العلاقات الاستراتيجية بين البلدين.