ربيع جودة يكتب: أسف على الإزعاج

ركن القراء

ربيع جودة
ربيع جودة


مدينة تعشق الظلام..  ارتبط سكانها بعتامة الحياة ..  حتي أنهم لا يعرفون شيئاً عن النور..  يتحركون..  يعملون..  ينامون..  يستيقظون..  كل ذلك في ظلام دامس..  اتفقت صفاتهم في كل شيء من شكل وملبس وهيئة وطول..  غير أنهم لا تربطهم ببعضهم صلة..  كل منهم..  يعيش حياته منفرداً..  وقد ساعدهم ظلام المدينة..  علي الاكتفاء كل بنفسه..  فلا يتزاورون أبداً..  ولا يتحابون أبداً..  وليس لهم قانون يحكمهم..  ولا حاكم يقودهم..  وما حاجتهم بالحكام!!؟  وقد اتفقوا.. علي ألا يتفقوا أبدا.. 

تحوط مدينتهم جدران عالية..  لا يستطيعون تجاوزها..  ولا يحاولون..  لأنهم دائماً ما يسمعون خلف تلك الأسوار أصواتاً مخيفة..  ومرعبة..  توحي بأن هناك وحوشاً ضخمة..  مما يبدو من زئيرها وحركتها..  فلا يقتربون من الجدران من هول ما يسمعون..
  
وذات يوم..  شعر أهل المدينة بزلزال عنيف.. يحتاج البلاد.. ثم تلا ذلك ضوء شديد ملأ أرجاء المدينة..  وإذ بأصابع أحد الوحوش قادمة من السماء لتختطف أحد سكان المدينة..  وهو يصرخ ويستغيث حتي اذا رفعه الي السماء ..  حطم الوحش راسه في سور المدينة الضخم..  وساد الظلام مرة أخرى.. وسكن الناس.. بعد أن عجزوا عن إيجاد تفسير لما يحدث..  وقبل مرور وقت طويل..  فزعوا علي زلزال آخر.. أشد وطأة من سابقه..  فنظرو الي السماء المظلمة يترقبون الضوء الذي ملأ الأركان ثانيةً . ليلتقط الوحش ضحية أخري ويفعل به كما فعل بمن قبله..

انتفض أحد الشباب يصرخ في الناس..  وكانت هذه أول مرة يتحدث فيهم أحد..  قال. ماذا تنتظرون يا سادة.. فلم يجبه احد..  فتابع قائلا..  لا فائدة للصمت..  لا وقت للعزلة.. الموت قادم لا محالة..  بإمكاننا معاً أن نتجاوز تلك الجدران..

سكت الجميع وكأن الشاب يخاطب نفسه..  قال ستموتون واحداً تلو الآخر..  ستنتهي أحلامكم الي سراب..  ستحوطكم الضباع الجائعة..  ستغزوكم الأمم..  تهربون مما تخافون؟ ..  وإنه آتيكم لا محاله..  وقف من بينهم رجل عجوز قائلاً..  وماذا لو أصبحت معك..  كيف تكون النجاة..  قوتهم تفرقنا أيها الضعيف البائس الأعزل..  قال الشاب..  لا.. بل الكراهية التي تفرقكم..  والجبن يدمر ما بقي منكم..

أتدري أيها العجوز؟  لن يبق منك بعد موتك سوي الندم أنك لم تحاول..  كيف تتنازل عن حريتك الآن..  وانت الذي فررت من رحم أمك الآمن بحثاً عنها..

وقبل أن ينهي الشاب كلامه.  اهتزت المدينة مرة أخرى وبدا النور ينذر بالهلاك..  وامتدت يد الوحش وكان العجوز في مرماها فالتقط العجوز وقبل أن يرتفع به الي خارج المدينة دفعه الشاب بقوة فأسقط العجوز من يده.. ليبحث الوحش من بينهم عن ضحية أخري سرعان ما التقطها وحطم رأسها في سور المدينة..بينما حمل الشاب العجوز..  واحتمي به في احد. الاسوار.. ثم توالت الهجمات وسقط الكثير والكثير من الضحايا..  وفي كل مره يصرخ الشاب فيهم أن اتحدوا..  لكن دون جدوى.. مضت أيام وأيام..

والشاب والعجوز  لا يملكان  شيئاً لإقناعهم.. ولم يبق في المدينة سوي موضع ارتطام الرؤوس بالجدران..  حتي فرغت المدينة من سكانها..  نظر العجوز الي الشاب..  وقال في ترقب لم يبق أحدٌ سوانا..  لم يستطع الفتي الجواب.   قال العجوز..  هل هذا ما كنت تحاول فعله..  أن تبقي حياً وحسب.. قال الشاب في حسرة..  لم يساعدنا الآخرون..  قال العجوز قتلهم الخوف قبل أن يقتلهم الوحش..

ثم اهتزت المدينة فبكي العجوز وقال حانت ساعتي الآن...  قال الشاب لا.. ليس بعد 
 اختبئ في الجدار أيها العجوز..  وأصابع الوحش تجوب المدينة شرقاً وغرباً لا يجد أحد..  فأخرج  الوحش يده..  وأخذ ينظر في جنبات المدينة بعينيه المخيفتين.. فرآهما وسرعان ما اختطف العجوز..  فتعلق الشاب بقدمي العجوز وهو يصرخ لا..  خذني أنا واتركه.. والعجوز قد سكن حراكه تماماً يستسلم للموت المحقق.. ولا يزال الشاب ممسكاً  به يريد أن ينقذه. والوحش يرفعهما الي السماء فوق الأسوار العاليه.  لم يستطع الشاب التمسك أكثر فسقط الي خارج أسوار المدينة .بين الحياة والموت نظر عالياً الي صديقه العجوز . الذي رفعه الوحش عالياً.. ثم حطم رأسه في جدار المدينة دون رحمه.. فإذا برأس العجوز تتحول الي شعلة نيران..  ليشعل الوحش سيجارته به. ثم يلوح به في الهواء ليطفئ رأسه  ثم يلقي به خارج المدينة ليسقط الي جوار صاحبه ..  ابتسم إليه الشاب بعد أن اطمأن قلبه..  أنه لا يوجد ما يدعوا للذعر..  فمدينتهم مجرد ..  علبة كبريت..  وأنهم فقط  أعواد ثقاب.. وانا أسف طبعًا ع الإزعاج...