أحمد شوبير يكتب : ذكرياتي في «مارجرجس» يقتلها الإرهاب المتطرف

الفجر الرياضي



منذ سنوات طويلة وأنا أعيش فى طنطا بلدى الجميلة الهادئة الآمنة التى نعيش فيها جميعا، مسلمين ومسيحيين، لم نشعر يوما باختلاف أو فرقة.. علاقة على مدى سنوات طويلة يظلها الحب والاحترام والصداقة.. نحتفل سويا بالأعياد ونلتقى فى الأفراح.. يشارك بعضنا البعض مناسباتهم السعيدة وأيضا فى حالات الوفاة يسارع المسلم للوقوف بجوار شقيقه المسيحى والأمر نفسه من المسيحى تجاه شقيقه المسلم.. نتحاور ونضحك ونلعب ونشارك فى الدورات الكروية فى كنيسة مار جرجس برعاية الأنبا بولا الصديق العزيز للمسلمين قبل المسيحيين.. أترشح لانتخابات مجلس الشعب ويسارع الأنبا بولا بعقد المؤتمرات وتعريفى بالشباب وتوصيتهم بانتخابى والوقوف خلفى ومساندتى ويفعل كل ما بوسعه من أجل أن أكون عضوا بمجلس الشعب.. يغضب لأن أحد المرشحين المسيحيين ترشح ضدى ويؤكد داخل كنيسة مار جرجس أننى أقدر على خدمة البلد وعلى خدمة الشباب المسلم والمسيحى ويعطينى مجموعة من الشباب المسيحيين ليكونوا سندا وعونا لى فى الانتخابات.. أتعرف على بولا ومينا وفوزى وأسامة والدكتور سمير ورفيق وغيرهم كثيرون من أشقائى وأصدقائى المسيحيين وتقوى العلاقة وتزداد اليوم تلو الآخر ويشكلون مع أصدقائى من الشباب المسلم لجانا هدفها مساعدتى ومعاونتى كعضو مجلس شعب لخدمة أبناء طنطا، لا يريدون شيئا لأنفسهم بل كل همهم هو المساعدة لبناء مركز شباب أو إقامة مركز غسيل كلوى أو رصف الشوارع أو تنقية المياه أو إعمار المستشفيات أو إيجاد فرص عمل للجميع. 


وأدخل الكنيسة فى مناسبات عدة ويستقبلنى بولا الشاب الزملكاوى الجميل متحمسا فرحا مدافعا عنى أمام المسلمين قبل المسيحيين ويجادلنى فى مستوى الزمالك ويفرح بنجاح إحدى حلقاتى ويطلب منى زيارتى فى القاهرة ومعه بعض الشباب، وأفاجأ بأن معظمهم من المسلمين ويظل يتكلم ويتحدث عن مصر والوطن وكيفية إيجاد حلول للمشاكل والأزمات. ويقف بقوة فى وجه من يحاول أن يفرق بين مسلم ومسيحى. كذلك كان كل زملائه من المسلمين أو المسيحيين ينتظروننى بشغف فى كل المناسبات والأعياد كى نضحك ونتحدث ونتحاور وأداعبه بأن الزمالك لن يفوز بالدورى أبدا ليؤكد لى أن الموسم القادم هو موسم الزمالك.. نضحك كثيرا.. وفى النهاية ألبى دعوة الدكتور سمير متى والد بطل أفريقيا للشطرنج باسم سمير على العشاء فى منزله ومعنا عدد كبير من الشباب لا نعرف من هو المسلم أو المسيحى فقط نذهب إلى منزل الرجل نضحك ويداعب بعضنا البعض ونتكلم فى كل شىء ومع نسمات الفجر نودعهم ونحن جميعا فى حالة من السعادة من الفرح بهذا النسيج المصرى الرائع، وتظل العلاقة هى علاقة مودة ومحبة وأخوة وصداقة حتى بعد أن طلقت العمل السياسى وأقسمت ألا أعود إليه أبدا إلا أن العمل الإنسانى والصداقة والمحبة تظل تجمعنا وأجد صباح كل عيد من الأعياد الاتصال الهاتفى من صديقى الشاب الزملكاوى الجميل بولا معيدا ومهنئا وطالبا منى أن أعيد النظر فى قرار عدم الترشح للانتخابات مرة أخرى لأنهم يحبوننى ويثقون بى، وأضحك كثيرا معه وبعدها مباشرة تنهال الاتصالات من باقى الأصدقاء، مسلمين ومسيحيين.. بدورى أنتظر عيد القيامة وعيد الميلاد لأذهب إلى طنطا لألتقى بهم أثناء القداس وبعده وأنتظر كلمة الأنبا بولا الأب الروحى للجميع فى طنطا والتى دائما ما يحث فيها على الترابط والوحدة والوقوف صفا واحدا خلف الوطن.

 

هذه علاقتنا دائما وأبدا.. حب وأخوة واحترام ومودة، ولكن يبدو أن هناك من قرر أن ينتقم من الوطن وأن يحاول أن يزرع الفتنة بين الإخوة وأن يفرق بين المسلم والمسيحى.. بين الصديق وصديقه.. بين الجار وجاره.. بزرع الإرهاب وتفجير الكنائس وإسقاط الضحايا من إخوتنا وأشقائنا أثناء عيدهم وأثناء تأديتهم الصلاة.. ويأتى إلىّ الخبر المشؤوم والحزين بسقوط ضحايا فى طنطا مع تفجير داخل كنيسة مار جرجس أثناء تأدية صلاة وأسأل متلهفا على أصدقائى وأطمئن عليهم لتكون الصاعقة.. صديقك الشاب الزملكاوى المتحمس بولا بين الحياة والموت.. وغيره من الشباب الجميل الذين كانوا يلتفون حولى فى كل مناسبة من المناسبات يضحكون ويداعبون ويتحدثون عن المستقبل، منهم من يطلب فرصة عمل ومنهم من يتمنى التوفيق للأهلى وآخرون يأملون الفوز للزمالك والبعض الآخر يحلم بحضور مباراة للمنتخب وغيرهم كثير من الشباب الذين مازالت نظراتهم لى فى كل المناسبات عالقة بذهنى وهى تحمل معنى الحب والود والاحترام.. لا يطلبون شيئا خاصا بهم وكل ما يحلمون به أن تكون طنطا هى أجمل مدينة وأن يجدوا فرصة لممارسة الرياضة أو لعب مباراة كرة قدم أو الحصول على وظيفة محترمة تساعدهم على أعباء المعيشة. ولا أنسى أبدا منظر الأطفال وهم يلعبون فى بهو الكنيسة فرحين بالعيد وسعداء بتوافد المسلمين لتقديم واجب التهنئة بالأعياد.. ويختلط الجميع مسلمين ومسيحيين داخل فناء كنيسة مار جرجس التى شهدت على مر الزمان أجمل ملاحم الوحدة والترابط بين الجميع وكلنا كان ينتظر الأعياد لكى يذهب إلى الكنيسة ويقضى وقتا ممتعا مع أصدقائنا المسيحيين هناك وكم كانت سعادتنا ونحن نرى الفرحة وهى تطل من عيونهم جميعا ومشاعر الامتنان بالمحبة الحقيقية بين كل أطياف الوطن وكل أبناء البلد فى هذا اليوم الجميل، وكم تكون سعادتنا حينما نتوجه فى اليوم التالى إلى مقر الأنبا بولا لنجد الجميع فى ضيافته والرجل يقف مستقبلا كل الوفود وهو فى قمة الزهو والفخر فقد نجح بوسطيته وبذكائه فى جمع كل الأطياف على مائدة التهنئة والمحبة، مؤكدا قولا وفعلا أن الله محبة وأن الدين لله والوطن للجميع... ما حدث ويحدث فى دور العبادة للإخوة المسيحيين فى الأيام الأخيرة يؤكد أن هناك مخططا محكما لزرع الفتنة داخل مصر والتفرقة بين المسلم والمسيحى ولا يوجد أغلى من الدم ولا أغلى من الروح التى يفقدها البعض بين الحين والآخر دون أى ذنب.. فقط ذنبنا أننا سمحنا لبعض المتطرفين بأن تعلو شوكتهم وأن يتبوأوا أماكن ومناصب ليسوا أهلا لها وفقدوا كل إحساس بالمسؤولية وتفرغوا للتخطيط لسفك الدماء وإسقاط الضحايا من الأبرياء ومحاولة تدمير المجتمع من الداخل وليس أدل على ذلك مما حدث فى العريش وإجبار بعض العائلات المسيحية على ترك المدينة والهجرة من مدينتهم متوجهين إلى محافظات أخرى تاركين بيوتهم خوفا من القتل أو الذبح أو التعذيب على أيدى هؤلاء المتطرفين.. لن أتناول الحلول فأنا لست رجل أمن ولا أعلم كيف يمكننا التصدى لمثل هذه الحوادث الإجرامية ولكن ما أعلمه جيدا أن من حق كل مواطن فى هذا البلد أن يعيش آمنا فى بيته مطمئنا فى دار عبادته متفائلا بمستقبله وأن حقه على الدولة أن تحميه وتؤمنه وتساعده ليس فقط بالبيانات والكلمات ولكن عمليا على أرض الواقع..

 

نتمنى أن نرى منظومة احترافية تحاول أن تضمن لكل مواطن فى هذا البلد مسلما كان أو مسيحيا حريته وحياته وأمنه وأمانه، فنحن مصريون وسنظل مصريين ولن ينجح أحد أيا كان فى نزع حبنا لوطننا من صدورنا، بل إننا سنزداد تماسكا وإصرارا على الوقوف صفا واحدا بجوار بعضنا البعض حتى لو استدعى الأمر أن نتقاسم بيوتنا ولقمتنا مع إخوتنا المسيحيين، وهو ما يحدث بالفعل أصلا وعلى من يعتقد أن مثل هذه الحوادث ستفرقنا أن يحزن ويموت كمدا وألما لأننا لن نفترق أبدا.. نعم نحزن ونبكى ونثور ونصرخ من الغضب ولكن لن نتخلى أبدا عن بعضنا البعض وسنظل وطنا واحدا.. أمة واحدة.. نؤمن بأن الحساب والثواب والعقاب ملك لله وحده، نرفع شعار الدين لله والوطن للجميع، ونؤكد مقولة الراحل البابا شنودة أن مصر ليست وطناً نعيش فيه بل وطنا يعيش فينا.. رحم الله ضحايانا وشهداءنا بالكنيسة البطرسية بالقاهرة والكنيسة المرقسية بالإسكندرية وكنيسة مار جرجس بطنطا ولعن الله الإرهاب والفتنة.. قتلهم الله ولعنهم وأنزل غضبه عليهم.

مقال شوبير بجريدة المصري اليوم