ربيع جودة يكتب: مسكنا الحرامي

مقالات الرأي

ربيع جودة
ربيع جودة


مسكنا الحرامي
احترق قرص الناموس.. وزالت عنه رائحته.. وعادت أفواج الناموس تملأ جنبات البيت بعزفها المزعج..  وكأنها مباراة في أمم أفريقيا تتعالي فيها مزامير الفوفوزيلا..  وبين حين وآخر تهبط الناموسة بجوار أذني كأنها هليكوبتر..  حتي إذا دنت.  أردت صيدها.. فألطم وجهي بكفي..  بينما تعلو هي ضاحكة قد فازت بالرهان مع صديقتها لأنها جعلتني أضرب نفسي بالكف .. لم أستطع النوم من اللدغ تارة..  ومن أصوات الضرب حولي تارة أخرى.. يحاولون الانتقام من غدر الناموس ..  فهناك من يضرب رأسه..  وآخر يضرب ذراعه..  ولي أخ سمين اللحم حين يضرب فخذه يوقظ الجيران..  تركت مخدعي وذهبت الي (البلكونه) وقد بلغ الليل مبلغه..  لعل النعاس يراود عيني..  وانا أستنشق نسيم الليل..  واستجدي صباحه أن يأتي..  ليرحمني من أفواج الناموس اللعين..  فتحت (الشيش) وحاولت الجلوس بين الكراكيب..  فدائماً ما تزدحم البلكونه بما عجزت الشقة عن حمله..  كهذا الطبق البلاستيكي الأحمر..  وعجلة أخي المحطمة..  وسبت  يشبه الجردل مربوط به حبل طويل كأنه علي حافة بئر من كثرة نزوله وصعوده..  رفعت وجهي الي السماء أستنشق عبق الليل. لكن سرعان ما أفسد الثوم لذتي برائحته النفاذة ..  حزمة كبيرة تعلقها أمي الحبيبة كل عام كأشجار الكريسماس . والذي سرعان ما يتلف. لنعاود شراء الثوم الصيني .  لكنها تصر دائماً عليه.. نظرت إلى الشارع أراقب صيحات الكلاب..  وهرولة العِرَس.. وصراع ذكور القطط أيهم يفوز بدفئ القطه. التي لا تبالي بأيهم ترضي..  فليس لها من أمر ذلك شيء..  وعلي الجانب الآخر من الطريق تقع مكتبة الجيل الصاعد.. وإذ بأحد الأشخاص يسرقها.. نزلت من البيت في لمح البصر.. وقد كدت أقفز من البلكونه.. ولم أستطع الصياح علي الجيران حتي لا يفر السارق هارباً..  الي أن تسللت من خلفه. وقد تمكن من دخول المكتبة..  فأمسكت به بشدة من الخلف..  وهممت بالصياح علي الناس.. فالتف السارق بسرعة ووضع يده على فمي..وكان قوي البنيان  طويل القامة.. وقال ان حاولت تعمل أي حركة هقتلك..  حاولت الخلاص  لكنه أحكم قبضته علي فمي فأخذت أشير بيدي أطمأنه أني سأسكت حتي رفع يده بحذر وقال 
سبتك أهو..  هتعمل إيه 
قولتله لا أبداً..  هنادي ع البنت تعملنا اتنين شاي. انت مجنون يا جدع انت!!! ..  ورحت أصيح حراااامي حرااا..  فوضع  يده مرة أخرى على فمي وكان أشد مني قوة.. وقال وهو يقترب من أذني..  انا ممكن اقتلك دلوقتي..  ولا حد هيعرف عني حاجة..  ثم التفت يميناً وشمالاً..  وأنا أترقب ماذا سيفعل.. حتي وقعت عينيه علي ( بكرة اللاصق)  العريض..  فأخذها بأحدي يديه وفتح بدايتها بفمه..  وبادرني بضربة في بطني..  ليطمئن لعدم قدرتي علي الصراخ..  ووضع اللاصق بكثرة علي فمي..  وكان بجوار آله التصوير..  عمود يتوسط المكتبه..  فربطني به وكلما حاولت الخلاص ضربني بعنف..  حتي اقتنعت أن السكوت أفضل لي..  وقفت أنا والعمود كلانا قد سكن حراكه..  أشاهد ما يفعله السارق..  الذي انطلق الي الأدراج فأخلاها..  وعلي الرغم من أنه أخذ الكثير..  إلا أنه أراد المزيد..  فأحضر كيساً كبيراً..  ليجمع ما خف حمله..  وعلت قيمته.. وأنا اتعجب من طمعه..  حين أراه لا يكتفي فقط بالسرقة..  بل يبدد ما عجز عن حمله.  فألقي الأوراق والاقلام والكتب ودهسها بقدميه.. 

وللحظه بدأت أفكر في مصيري هل سيتركني أم يفك وثاقي..  وماذا لو تركني؟؟؟ انتهي الحرامي من سرقته..  ونظر اليّ ضاحكاً..  وقد واتته الآن فكره...  فأحضر لوحة كبيرة.  وبحث في الأقلام عن قلم عريض..  وكتب عليها..  ((الي صاحب المكتبة..  كنت أسير بالمصادفة..  فوجدت رجلين يسرقان المكتبه.. لاذ أحدهما بالفرار ومعه كل شيء..  بينما أمسكت بالآخر وقمت بربطه في هذا العمود.. ولخوفي من المسائله وانا رجل بسيط..  تركته بين أيديكم لينال جزاءه))  توقيع..  فاعل خير....  وأخذ يلصق اللوحة علي جسدي باللاصق العريض..  وأنا أشتمه من تحت اللاصق بكل أصناف الشتائم.. حتي أتم فعلته وهرب.. مكثت أبكي بعد أن باءت كل محاولات الخلاص بالفشل..  حتي أتي نذير الصبح وامتلأ الطريق بالمارة.. وإذا بأحد التلاميذ الظرفاء ممن يكره المدرسة ووقتها ومدرسيها.. يقترب من المكتبة مستبشراً أنها مفتوحة ومازال الوقت مبكراً..  فوجدني موثقاً في العمود.. فصرخ الغلام حرامي حرامي حرامي.. وفي لمح البصر اجتمع أهل الخير!!  الطيبين!!!  .  يعشقون مثل هذه الأمور..  فبادرني أحدهم بلكمة في فمي وكأنه رأي العدو أمامه..  وجاء الآخر ليشبع أمنيته في ضرب أحدهم. فأعطاني ركبتين في المعده.. ولكمة علي شفار عيني .  بينما الثالث والذي تمتلئ عينه شراً.. أطفأ سيجارته في أنفي.. حتي التلميذ الظريف وضع دبوس في قدمي لا أدري لماذا كان يحمله معه. بينما اكتفي الباقون بالمشاهدة..  مضت ساعه لاقيت فيها أشد أنواع العذاب..  ولم يفكر أحد أن يرفع اللاصق ليسمعني..  الي أن أتي صاحب المكتبة.. وقد أسكتته الصدمة..ثم استفاق يصرخ. شقايا..تعبي وهو يضربني بيديه وقدميه ثم رفع اللاصق ليذهبوا بي الي القسم..  فقلت وأنا ابكي.  انت مش عارفني يا حج.انا جارك ساكن في العمارة دي..لما وشي يخف هتفتكرني..  قالي وانا هستني لما وشك يخف..مين كان معاك ياااه..  قولتلو ابوس ايدك مش انا اللي سرقت والله.  أمال رابطينك هنا ليه. ودخلت هنا ازاي انطق. والتفت الي الناس انتوا بلغتو الحكومة يا جدعان..ردوا في نفس واحد..  بلغنا ومحدش جه. قلت وقد غمرني البكاء والله العظيم مش أنا..انا كنت بنقذك من الحرامي الحقيقي..   وهوا اللي ربطني هنا.سكت صاحب المكتبة قليلاً ثم نظر الي الأعلي  وقد تذكر أنه يضع كاميرا للمراقبة.  قام سريعاً بتشغيلها ليتبين الجميع أني برئ.  اعتذروا جميعاً لي. ووقف صاحب المكتبة في ذهول يتألم لما فقده.  صعدت الي البيت وفتحت الباب.  وقد نام اخوتي أخيراً بعد حربهم مع الناموس. خرجت أمي الحبيبة. وجدتني أجلس بالصاله ففزعت وقالت. اي اللي عمل في وشك كده يا منيل وايه اللي ف منخيرك ده قولتلها مفيش يامَّه الناموس .. قالت وهي تقلب كفيها يعوض عليا عوض الصابرين