طارق الشناوي يكتب: عبدالباسط.. شيخ أم راهب؟

الفجر الفني

بوابة الفجر


امتلأ النت فى وقت مواكب للاعتداء الدموى على الكنيستين المصريتين برسالة يتم تناقلها بضراوة على (الواتساب)، تقول سطورها إن قارئ القرآن الأشهر الشيخ عبدالباسط عبدالصمد فى الأصل مسيحى الديانة، كاثوليكى الطائفة، واسمه إبراهيم أندراوس نبعه ولد فى قرية (جون) اللبنانية نهاية القرن التاسع عشر، وإنه كان فى طريقه لكى يُصبح راهبا، وقبل أن أتابع أقول لكم بين قوسين، الشيخ عبدالباسط مولود فى مركز أرمنت بمحافظة قنا 1928، ولأنهم لم يدرسوا تاريخه جيدا لم يتعلموا الحكمة (إذا كنت كذوبا فكن ذكورا)، اختلط عليهم الأمر بين الشيخ محمد رفعت والشيخ عبدالباسط، لأن قيثارة السماء رفعت هو الذى ولد فى نهاية القرن التاسع عشر، ويكبر عبدالباسط بنحو 45 عاما، ربما لأنه كان ضريرا والكثير من القصص المتعلقة بعبدالباسط مثل الهروب ومقابلة الحبيبة تحتاج إلى مبصر لتصبح أكثر مصداقية، فقرروا اختيار عبدالباسط، وهناك أيضا دافع آخر سوف أذكره قبل نهاية المقال.

دعونا نُكمل، اخترعوا قصة عاطفية للشيخ، تؤكد أنه أحب فتاة مسلمة شيعية، فكان يهرب من الدير لكى يلتقى حبيبته، وعندما علم والده، رئيس بلدية قرية جون، وأحد وجهاء الكاثوليكية، بذلك عذبه وحبسه، وكأنهم ينسجون تنويعة على قصة الفتاة التى ترددت مؤخرا فى الأقصر بأنها أشهرت إسلامها بعد أن وقعت فى حب شاب مسلم، فقرر أهلها حبسها وضربها، أما الراهب إبراهيم، أو الشيخ عبدالباسط، فإنهم قد أرسلوه مع عمه المطران نبعه للإسكندرية لاستكمال تأهيله الدينى، ولكنه عشق الاستماع للأذان، فكان يقفز من فوق سور الدير إلى الجامع ليصلى ويحفظ القرآن، فأشهر إسلامه وصار شيخا فى شبابه، رغم أن الشيخ عبدالباسط كان حافظا للقرآن فى العاشرة، وأجاد التلاوة والترتيل بالقراءات السبع فى الثالثة عشرة، وحيث إنهم لم يحسنوا اختيار تاريخ ميلاده، فلقد أخطأوا فى عام الرحيل، عندما قالوا إن أبناءه الثلاثة بناء على وصية الأب ذهبوا إلى قرية جون عام 73 وروا قصته للجميع، الشيخ مات فى الواقع عام 88، كما أن أبناءه الثلاثة صاروا من قارئى القرآن، فهل هم حريصون إلى هذه الدرجة لنشر جذورهم الكاثوليكية؟.

اختلاق الحكايات التى تتحول من فرط ترديدها إلى حقائق كثيرة، منها إسلام يوسف شاهين وأنه أوصى أهله، وتحديدا تلميذه خالد يوسف، قبل 9 سنوات، بأن يخرج جثمانه من جامع عمر مكرم، على صوت محمد رفعت، الصحيح فقط أن يوسف شاهين من عشاق صوت رفعت، والأهم أنه كان يؤمن ببيت الشعر الذى صاغه عبدالرحيم منصور وغناه منير بتلحين أحمد منيب (ما يهمنيش اسمك/ ما يهمنيش لونك/ يهمنى الإنسان/ ولو مالوش عنوان).

ويبقى أن أذكر لكم الجزء الأخير من الحكاية، والذى من الممكن أن يفسر لك لماذا اختاروا الشيخ عبدالباسط، فلقد أعادت جريدة الأخبار قبل سنوات نشر مقال لكاتبنا الكبير أحمد رجب كتبه فى الستينيات عنوانه (عبدالباسط مارلون براندو)، فلقد كان عبدالباسط مشهورا بوسامته وجاذبيته، وبالفعل هناك سيدة شامية كانت تطارده ووصلت لكى تطرق باب بيته فى القاهرة، وكثيرا ما كان يتلقى فى شبابه وحتى شيخوخته خطابات من معجبات، والأمر بالطبع لم يزد على ذلك، إنها وغيرها حكايات تكذب نفسها بنفسها، إلا أن التربة كانت ولا تزال مهيأة مع الأسف للمزيد!!.