محمد جودة يكتب: هل سنشهد غزة جنوب سودان آخر؟!

ركن القراء

محمد جودة
محمد جودة


لا شك أن اللقاء الذي جمع الرئيس محمود عباس ومبعوث الرئيس الامريكي للسلام "جيسون جرينبلات " في وقت سابق ٬ وشروطه التسعة التي وضعها علي طاولة عباس وسربها موقع الاستخبارات الاسرائيلي "ديبكا" والتي لم تنفيها القيادة الفلسطينية برام الله ٬ إنما يدلل بما لا يدع مجال للشك أن سلطة رام الله فرضت عليها هذه الشروط وقبلت بها والتي من ضمنها تمهيد الطريق لوصول قطاع غزة التي تحكمه حركة حماس حد الجوع ٬ من خلال مجموعة من الاجراءات والخطوات التدريجية والتي بدأت بخصم ٣٠٪ من رواتب موظفي السلطة في القطاع بالاضافة لقطع رواتب الاسري وعائلات الشهداء . 

ويبدو أن ليس هذا فحسب بل أن هذا القرار سيتبعه عدة قرارات ستكون أشد وأكثر قساوة كما صرح العديد من قيادات حركة فتح وفي مقدمتهم رئيس السلطة محمود عباس حينما قال " انتظروا فالاسوء قادم" في إشارة لاجراءات عقابية ضد غزة وبالأخص حركة حماس .

من الواضح أن الرئيس الامريكي دونالد ترامب بدا جليا يخطو خطوات سريعة تجاه الفلسطينيين ليكونوا أكثر جاهزية وفق المعايير التي يراها مناسبة لاستئناف عملية السلام مع الاسرائيليين، وربما هذا جعل من عباس أن يخطو بخطوات مماثلة حثيثة وسريعة لحسم مشكلة غزة بعد عشرة سنوات من الإنقسام نظرا لسببين :

السبب الأول: الفشل الذريع الذي حالف عباس في كل الملفات الداخلية وظهوره بمظهر الضعيف وتراجع علاقته بالمحيط العربى.

السبب الثاني : يرتبط بما يجرى من محاولات لإيجاد صيغة لحلول يدعى الرئيس الأمريكى دونالد ترامب أنها مواتية، وربما هي ما تتضمنها  ما سمى بـ«صفقة القرن»، لذلك بدأت رسائل عباس ترسل تباعا إلى قطاع غزة، فكانت الأولى اقتطاع جزء من رواتب موظفيه التابعين للسلطة، تبعها خطوات تصعيدية لوح فيها عباس لخطورة الوضع، وهدد بأن القيادة الفلسطينية ستتخذ خلال الأيام القادمة خطوات غير مسبوقة تجاه حالة الانقسام؟!

 صحيح أن عباس يعلم جيدا أن حماس تعانى من أزمة مالية حادة في ضوء فتور العلاقة مع إيران بعد موقفها من الأزمة السورية، هذا بالاضافة إلي أن أزمات قطاع غزة المتفاقمة و المتمثلة في المعابر والكهرباء وارتفاع مستوى البطالة والفقر وقلة الموارد ٬ لم يكن بمقدور حركة حماس علي مر السنوات التي حكمت فيها غزة علي تسويتها أو إيجاد الحلول لها ، وفي ظل أيضا أن العلاقة بين حماس والشقيقة مصر غير مستقرة ، وفاقدة  للثقة المتبادلة ٬ وهذا ربما يجعل مصر غير قابلة بقاء حماس على الحدود منفردة، مما يصب في مصلحة عباس ، لكن من يدفع الثمن ليس حماس أو عباس بل سكان غزة الذين ليس لهم لا ناقة ولا جمل في الصراع السياسي الدائر بين الطرفين .

أعتقد أن اللحظة الراهنة ربما تكون مؤاتية موضوعيا وذاتيا لتحريك ملف غزة وتغيير قواعد العلاقة القائمة بين السلطة وحماس والتى تقوم على أن "السلطة تنفق.. وحماس تحكم" فمن جهة نجح أبومازن في صد ضغوط إقليمية عنيفة تعرض لها في الآونة الأخيرة للمصالحة مع القيادي الفتحاوي محمد دحلان، ونجح في رفضها بإصرار، الأمر الذي وفر له بعض القوة الكافية لمعالجة الملفات الداخلية، وفى مقدمتها حسم طبيعة العلاقة مع حركة حماس، فضلا عن عقد المؤتمر السابع لحركة فتح والتحضير لانعقاد المجلس الوطنى وانتخاب قيادة جديدة، وربما بدأت خطوات عباس بالمجزرة التي نفذها بحق موظفى غزة الذين اقتطع جزء من رواتبهم بشكل مباغت متحججا في البداية بالأزمة المالية الخانقة التي تعانى منها السلطة الفلسطينية، لكن حقيقة الأمر أنه أراد أن يبعث رسالة إلى قطاع غزة مفادها: "ستقدرون ماتقدمه السلطة بعد أن تفقدوه"، بما يصعد من الاحتجاجات ضد حماس للضغط عليها ومطالبتها بالتخلى عن حكم غزة لصالح السلطة.

 أخيرا بات واضحا وجليا أن عباس قبيل زيارته المرتقبة لواشنطن للقاء الرئيس الامريكي دونالد ترامب ٬ ماضيا في خطوات استباقية تجاه غزة ٬لاسيما وأن اللجنة السداسية التي شكلها عباس لزيارة غزة ولقاء حركة حماس ليس للحوار معها بل لتقول لها " سلموا قطاع غزة كاملا وإلا ..." وهذا لن يكون مقبولا علي حركة حماس التي سيطرت علي القطاع بالقوة وتمكنت من حكمه طوال السنوات الماضية و بنت قواعدها علي هذا الأساس ٬ ولذلك لن يكون الأمر سهلا عليها ٬ مما سيدفعها ذلك لرفض مطالب عباس ٬ رغم أنها لن تكون قادرة علي حل قضايا غزة وتحمل عبء مسؤلياته ومشاكله ٬ وهذا ينذر بأن قطاع غزة سيكون فوق صفيح ساخن ٬ وسيؤذي لحالة من الفوضي والغضب العارم ويزيد من تعقيد الاوضاع المعيشية والحياتية لسكانه وربما تنفجر الأمور للدرجة التي لن تتوقعها حماس وعباس علي السواء .. فما الذي ينتظر قطاع غزة ، وهل سنشهد غزة جنوب سودان آخر؟!