منال لاشين تكتب: إسطنبول ترفض السلطان أردوغان

مقالات الرأي



عاصمة الخلافة لم تقل "افتيت"


افتيت هى كلمة تركية تعنى نعم. وعلى الرغم من مخاوف أردوغان من عدم تمرير التعديلات الدستورية التى تحوله لديكتاتور بالدستور. إلا أنه كان واثقا ان اسطنبول ستقول له ولتعديلاته وحزبه افتيت. نعم بالصوت العالى وبنسبة كبيرة.

فقد بدأ أردوغان رحلة صعوده من اسطنبول عمدة لها ومنها بدأ رحلة إصلاحاته الاقتصادية. وهى الإصلاحات التى لا تزال تدعمه. فخلال هذه الرحلة ارتفع متوسط دخل الفرد من 3800 دولار إلى 10 آلاف دولار.

ولكن المفاجأة أن اسطنبول لم تقل لأردوغان وحزبه وأحلامه افتيت. سقط أردوغان فى اسطنبول. وقد أثر ذلك على نتيجة الاستفتاء الدستورى. ومرت التعديلات (بالعافية).51,5%. وهى نسبة تعمق الانقسام والاستقطاب فى تركيا كلها. ولم تقل العاصمة انقرة أيضا ايفيت للتعديلات. وهذا مؤشر آخر ولكنه كان متوقعا. لأن انقرة معقل المعارضة السياسية لأردوغان.

ولكن اسطنبول تمثل علامة استفهام. لقد كانت المدينة التاريخية وعاصمة الخلافة العثمانية دوما داعمة لأردوغان وحزبه. بل إن المدينة شهدت اتساع رقعة الاحزاب الإسلامية التركية المتعاقبة ومنها انطلقت هذه الاحزاب إلى المدن التركية.

وبعيدا عن موجة الشماتة فى الديكتاتور العثمانى. فإن رفض المدينة التاريخية أو انقلابها على أردوغان يستحق وقفة للتأمل والتحليل.

فاسطنبول لم تعد نفس المدينة التى تسلمها أردوغان كعمدة ولا ناسها هم نفس الفقراء البؤساء الذى انتخبوا أردوغان منذ أكثر من عشر سنوات.

ارتفاع مستوى المعيشة خلق فرصا للتعليم الراقى ومنح الطبقة المتوسطة فرصة للتفكير والتحليل دون ضغوط الفقر والسعى وراء لقمة العيش. وجيل الشباب الآن فى اسطنبول تغير عن جيل الآباء. جيل متعلم منفتح على الديمقراطية الغربية، جيل مرتبط بأوروبا وقيمها. وحتى من يتمسك بدينه لايرى أن الشريعة الإسلامية تدعم الديكتاتورية. أو أن الطريق للجنة يمر عبر تنصيب أردوغان رئيسا أو سلطانا مدى الحياة.

ثمة سبب آخر وراء انقلاب اسطنبول على أردوغان. فالمدينة فى الحقيقة كانت موالية لمنافسه وعدوه الآن فتح الله كولن.

فالجماعة التى أسسها كولن وتجمع بين الدين والحداثة كان لها شعبيتها فى العديد من المدن التركية وخاصة اسطنبول. وقد استفاد أردوغان فى بداية صعود نجمه مع شعبية جماعة كولن. ولعل هذا يفسر العداوة الشديدة التى طغت على تصرفات أردوغان لكولن وجماعته. فالديكتاتور يكسر السلم الذى وصل إليه للسلطة. وهذا درس لا يعلمه الكثيرون ممن يساندون الطغاة إلا بعد فوات الأوان.

والآن ينهى أردوغان على كل اثر لجماعة كولن حتى ينفرد بالسلطة. والتعديلات الدستورية تمكنه من الانفراد بالسلطة تحت زعم أو مظلة النظام الرئاسى.

وعلى الرغم من انقلاب اسطنبول فإن أردوغان نجح فى تمرير التعديلات الدستورية وسط مزاعم قوية من المعارضة بتزوير السلطة للاستفتاء وظهرت مطالب من أكبر أحزاب المعارضة التركية بإعادة الاستفتاء المزور.

وسواء حدث التزوير أو لم يحدث فإن الشىء الوحيد الذى يساند أردوغان من السقوط حتى الآن هو الإصلاحات الاقتصادية التى تراكمت عبر السنوات الماضية.

وهذا درس آخر يجب أن يقرأه الجميع جيدا. فبدون تحسين مستوى معيشة الناس، بدون النهوض بالاقتصاد، بدون أن يشعر المواطن بتحسن فى حياته يصعب على الحاكم الاحتفاظ بالسلطة. ولكن الديكتاتور الذى ينجح فى اختبار الاقتصاد يمكنه أن يستمر ولو إلى حين.